فضل الصيام وأخلاق الصائمين في الجمعة الأولى من رمضان بمساجد الإسكندرية

محافظات



قال الشيخ محمد العجمى وكيل وزارة الأوقاف بالإسكندرية إن المديرية نظمت قافلة دعوية صباح اليوم بمساجد إدارة أوقاف العامرية أول للحديث عن فضل الصيام وأخلاق الصائمين، وذلك تنفيذا لتوجيهات الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بنشر الفكر الوسطي المستنير بجميع بقاع المحافظة وبخاصة بالمناطق النائية والحدودية.

وقال العجمي إنالصيام في الإسلام ركنٌ عظـيمٌ يبني شخصية المسلم من جديدٍ على المعالي ويرفعها عن سفاسفها ويقيم لها جسورَ الوقاية من الآفاتِ حتى تستقيمَ على عافيتها وهُداها، ويعيدُ ضبطَ المجتمعِ على الإيثار والفضيلة والوحدة والترابط في حصادٍ كريمٍ لسلسلةٍ من أجلِّ المعاني والقِيَمِ، فأَكْرِمْ بها من عبادةٍ لو يعلم العباد فضلها ما تركوها على مدى الأيام.

إنَّ الصِّيامَ عبادةٌ مِنْ أعظمِ العباداتِ، وقُرْبةٌ مِنْ أفضلِ القُرباتِ، شرَعَهُ اللهُ تعالَى لِيُهَذِّبَ النَّفْسَ وَيُزَكِّيَهَا، وَيُرَبِّيَهَا عَلَى الأَخلاقِ الفاضلةِ، ويُعوِّدَهَا عَلَى الخيرِ، ويُبْعدَهَا عَنِ الشَّرِّ، فالصَّومُ جُنَّةٌ ووقايةٌ بَيْنَ العبدِ وَبَيْنَ مَا حَرَّمَ اللهُ سبحانَهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:« الصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ، فَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلاَ يَجْهَلْ يَوْمَئِذٍ، وَإِنِ امْرُؤٌ جَهِلَ عَلَيْهِ فَلاَ يَشْتِمْهُ وَلاَ يَسُبَّهُ وَلْيَقُلْ: إِنِّى صَائِمٌ » فالمسلمُ تصومُ جوارحُهُ عَنِ الفواحشِ، ويمسكُ عنِ اللَّغوِ والرَّفَثِ، ويبتعدُ عنِ الغيبةِ والنَّميمةِ وفُحْشِ القولِ والزُّورِ والبهتانِ، وهذَا مَا دعَا إليهِ الإسلامُ ورغَّبَ فيهِ، وحثَّ عليهِ، قالَ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».


ولفضل الصيام فقد كان من عبادة البتول مريم عليها السلام التي صامت بأمر الله تعالى حين قال: ﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ [مريم: من الآية26]، وأخبر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن نبي الله داوود عليه السلام كان من المكثرين للصيام حين قال للصحابي الذي كان يسائله عن الصوم: (( فصم صيام داود عليه السلام قال: وكيف كان داود يصوم يا نبي الله ؟! قال: كان يصوم يومًا ويفطر يومًا )) (صحيح مسلم 1159عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما).

ومن أعظم المشاعر الإيمانية ما يشعر به الصائمون ساعة إفطارهم من فرحٍ وسرورٍ إذ وفقهم الله تعالى لإتمام الشعيرة على وجهها الصحيح، وإذ أمكنهم من تخطى العوائق الرابضةِ من شهوات النفوس وكيد الشيطان ووسوسته إضافةً إلى بقية المشاعر الحية التي تُنبأ عن الحبور والرضا.
 
 واكد العجمى على أن سُوءَ الخلقِ ينقصُ مِنْ ثوابِ العباداتِ والأعمالِ الصَّالحةِ، فالإسلامُ ربطَ بينَ العبادةِ والخلقِ، فالصَّائمُ الَّذِي يخوضُ فيمَا حرَّمَ اللهُ، ويقعُ فِي أعراضِ النَّاسِ، ويسيءُ الجوارَ، ويقطعُ الأرحامَ، ويخاصمُ الأصحابَ، ويأكلُ أموالَ النَّاسِ بالباطلِ، ويخونُ الأمانَةَ، ويكذبُ ويخادعُ ويستهزئُ كأنَّهُ لَمْ يستفِدْ مِنْ صيامِهِ إلاَّ الجوعَ والعطشَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: « رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ».
 
و إنَّ حُسنَ الخلُقِ مِنْ أعظمِ أسبابِ قبولِ عملِ الصائمِِ، ورفْعِ درجتِهِ، وتثقِيلِ موازينِهِ، ودخولِهِ الجنَّةَ مِنْ بابِ الرَّيانِ، قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: « إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ».
 
ومِنَ الأخلاقِ الحسنةِ الَّتِي تتألَّقُ فِي رمضانَ الجودُ والكرمُ فِي الإنفاقِ وإطعامِ الصَّائمينَ، قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:« مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا.
 
والجمعُ بَيْنَ الصِّيامِ والإطعامِ مِن أسبابِ دخولِ الجنَّةِ، عَنْ عَلِىٍّ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم -:« إِنَّ فِى الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا ». فَقَامَ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِىَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:« لِمَنْ أَطَابَ الْكَلاَمَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ».

وبين العجمى أنه مِنَ الأخلاقِ الَّتِي ينبغِي أنْ تظهرَ بكلِّ جلاءٍ ووضوحٍ علَى الصَّائمِ الإتقانُ فِي العملِ معَ الصِّدْقِ والأمانةِ، فالصَّيامُ يربِّي المسلمَ علَى القيامِ بالعملِ بكلِّ همَّةٍ وعزيمةٍ وإتقانٍ، لأنَّهُ يستشعرُ مراقبةَ اللهِ عزَّ وجلَّ فِي سائرِ تصرفاتِهِ، واللهُ تعالَى يحبُّ الإتقانَ في العملِ، قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ».
 
فمنْ أرادَ أن يمضِيَ رمضانُ، وقدْ غَفرَ اللهُ لهُ ذنوبَهُ، وكفَّرَ عنْهُ سيِّئاتِهِ فحرِيٌّ بهِ أنْ يتخلَّقَ بأخلاقِ الصَّائمينَ مِنَ الصَّبرِ والكرمِ والجودِ والعفوِ والمسامحةِ، والبعدِ عنِ الغيبةِ والنَّميمةِ والسَّبِّ والشَّتمِ وقَوْلِ الزُّورِ، قالَ جابرُ بنُ عبدِاللهِ رضيَ اللهُ عنْهُمَا: إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلاَ تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً.

ومن عطاءات الصيام الإجتماعية أنه يجمع المسلمين ويوحد شملهم ويلفهم جميعًا في ثوب الوحدة المنشودة التي أمر الله بها في كتابه الكريم حين قال: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [ آل عمران جزء الآية 103]، ويظهر ذلك من خلال مظاهر الوحدة والتجمع على الصلوات والطاعات والقرآن والموائد ومجالس العلم، وملء القلب شعورًا بحاجة الفقير، فيسعى المسلم إلى بذل الصدقات وإطعام الجياع بعدما لقنه الصيام دروس الإحساس بمشاعر المحتاجين، وما أحكم قول أمير الشعراء أحمد شوقي نثرًا في "سوق الذهب": " الصوم حرمانٌ مشروعٌ، وتأديبٌ بالجوعِ، وخشوعٌ لله وخضوعٌ، ولكلِّ فريضةٍ حكمةٌ، وهذا الحكم ظاهره العذابُ وباطنُهُ الرحمة، يستثيرُ الشفقةَ ويحضُّ على الصدقةِ، ويكْسَرُ الكبرَ، ويعَلِّمُ الصبر، ويَسُنُّ خِلال البر، حتى إذا جاع من ألِفَ الشِّبَعَ، وحُرِمَ المُتْرف أسباب المتع، عرف الحرمان كيف يقع، والجوعَ كيف ألَمُهُ إذا لَذَعَ "، فلا ريب أن الصيام يهدينا إلى اكتسابِ خُلُقِ الوحدةِ من خلال هديه الذي ينزع دائمًا إلى رأب الصدع والالتقاء بعد الفراق.

واختتم العجمى حديثه، قائلا إن شهر رمضان الكريم فرصةٌ عظيمةٌ للفرد والمجتمع في طلب صياغة إيمانيةٍ جديدةٍ لقمع الهوى واكتساب الهدى والتزود من الحسنات وتكفير السيئات وبناء جسور الحب والرحمة والثقة بين أفراد المجتمع لتلاقيهم الدائم على ساحات العبادة وإطعام الطعام والقيام والذكر ومدارسة العلم وتلاوة القرآن والتصافي بعد التجافي مع صلة الأرحام وطيب الكلام والمزاحمة على الفضائل، ولا شك أن هذا الموسم الحاشد لكل هذه الفضائل العامة والشخصية لا تجتمع بهذا الشكل إلا في رمضان، فأكرم به من مرسم إيمانيٍ صاف من كدر الشياطين ووسوسة المردة، وأنعم به من بابٍ يدخله المؤمنون ليزادوا إيمانًا ويحققوا لله تعالى مراد الصيام برجاء التزود بالتقوى والفوز بالمغفرة.