محمد مسعود يكتب: بابا نويل الدراما المصرية

مقالات الرأي



يحيى الفخراني.. موهبة بـ"الحجم العائلى"


عندما أسند المخرج الكبير الراحل محمد خان، دور البطولة للفنان الكبير يحيى الفخرانى فى تحفته السينمائية «خرج ولم يعد»، التى صاغ لها السيناريو والحوار عاصم توفيق، لم يجد الترشيح قبولا لدى موزعى الفيلم، إيهاب الليثى كموزع داخلى، وشركة صباح إخوان كموزع خارجى.

ووجد منتج الفيلم ماجد موافى نفسه فى ورطة حقيقية، كونه مقتنعا باختيار الفخرانى للعب بطولة الفيلم من ناحية، ولإصرار المخرج محمد خان عليه كونه الأنسب للدور، وتفاوض المنتج والمخرج والموزع، ووجدوا الحل المناسب، فى البحث عن اسم كبير ليحمل الفيلم مع وجود يحيى الفخرانى كبطل – ثان - على التيترات، ووجدوا ضالتهم فى فريد شوقى.

وقتها ذهب الفخرانى لفريد شوقى وشرح له الأمر كاملا دون مواربة، ووافق فريد شوقى على لعب دور «كمال بك»، ليحقق للفخرانى رغبته فى أن يكون بطلا لفيلم من كلاسيكيات السينما المصرية، وتم عرض الفيلم ولاقى قبولا جماهيريا ونقديا واسعا، خاصة أن بطل الفيلم «عطية» ابتعد عن زحام القاهرة، لاجئا لبراح الريف وبكارته، وتصدر اسم فريد شوقى التيتر ثم الفخرانى وبعدهما ليلى علوى.

وبعد 34 عاما، يقرر الفخرانى ترك القاهرة أيضا والذهاب إلى مرسى علم لتصوير أحداث مسلسله الجديد «بالحجم العائلى» الذى كتبه محمد رجاء وأخرجته هالة خليل لحساب المنتجين إبراهيم حمودة ومنى قطب.

ولم يكن التشابه الوحيد بين العملين هو البعد عن القاهرة وزحامها وحوادثها، والذهاب لمكان رحب، بينما كان الطعام، عاملا مشتركا بين العملين، ففى نهاية الفيلم أحب عطية الطعام، وأقتنع بفلسفة « كمال بك « بأنه لذة من لذائذ الحياة الكبرى، ومع بداية المسلسل نكتشف أن السفير السابق «نادر التركى» افتتح فندقا فى مرسى علم، ويطبخ لنزلاء الفندق بنفسه.


1- عين الخبير

أكثر ما يميز كبار هذه المهنة وعلى رأسهم الفخرانى، والراحلين نور الشريف ومحمود عبدالعزيز، ليس اختيار أدوارهم فحسب، بل اختيار من يصيغ لهم هذه الأعمال فى سيناريو وحوار محكمين، وعلى مستوى فنى مناسب، فنور الشريف، اكتشف وليد يوسف وقدمه فى مسلسل «الدالى»، ثم اكتشف عبدالرحيم كمال فى رائعته «الرحايا»، وكان لناصر عبدالرحمن تجربة مهمة مع الساحر محمود عبدالعزيز فى مسلسل «جبل الحلال».

أما الفخرانى، فبجانب موهبته الكبيرة، فقد حباه الله بذكاء مدهش، يجعله يستشعر متى يقدم جديدا ومتى يتوقف، ومتى يغير جلده، فمنذ أن لعب شخصية «بشر عامر عبدالظاهر» فى رائعة أسامة أنور عكاشة وجمال عبدالحميد «زيزينا»، قرر أن يقدم دورا جديدا عليه مع نفس المؤلف لكن مع تغيير المخرج فى تجربة جديدة تشارك بطولتها مع الفنان الكبير محمود مرسى بعنوان «لما التعلب فات» عام 1999، لكن المسلسل رغم وجود مرسى والفخرانى ونص لأسامة أنور عكاشة لم يكتب له النجاح.

توقف يحيى الفخرانى، مفكرا ماذا يقدم فى العام التالى، وفوجئ بمؤلف شاب يطرق أبوابه «أسامة غازى» عارضا عليه مشروع مسلسل درامى جديد بعنوان «أوبرا عايدة»، كان الخلاف الوحيد فى هذا العمل الذى أخرجه أحمد صقر لحساب شركة صوت القاهرة التابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، هى أجر يحيى الفخرانى، الكبير نسبيا عن الميزانية التى وضعتها الشركة، لكن الفخرانى تغاضى عن مسألة الأجر فى سبيل لعب هذا الدور خاصة أن المؤلف كان قد وقع بالفعل مع شركة صوت القاهرة وحصل على جزء كبير من مستحقاته المالية، وكان أوبرا عايدة محطة مهمة فى تكوين أسطورة يحيى الفخرانى بعد «صيام صيام»، و»أبنائى الأعزاء شكرا» مع المخرج محمد فاضل، وملحمة «ليالى الحلمية» مع عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ، وزيزينيا.


2- شيطان وملاك

ما إن قدم يحيى الفخرانى مسلسله «ونوس» لعبدالرحيم كمال والمخرج شادى الفخرانى، قرر النجم الكبير أن يستريح فى العام التالى، ليست استراحة نابعة من حاجته لراحة، بينما ليبدأ رحلة جديدة فى البحث عن نص جديد يعود من خلاله، ففى ونوس ظن البعض أن الفخرانى، وصل لنهاية سلم الطموح بتقديم دور الشيطان بمعالجة اجتماعية راقية، لكن التجربة فى النهاية لم تكن سوى حجر جديد انضم لسابقية لبناء هرم فنى اسمه يحيى الفخرانى.

كان الفخرانى فى حاجة إلى تجديد الدماء، ووجد ضالته فى مؤلف شاب موهوب اسمه محمد رجاء، لمع اسمه مع النجاح الكبير الذى حظى به مسلسل الفنانة الكبيرة يسرا فى رمضان 2016 «فوق مستوى الشبهات» وكان رجاء على رأس الورشة التى كتبت المسلسل، وبعد نجاحه استعانت به الشركة المنتجة فى مسلسل العام التالى «الحساب يجمع»، لكن انفجار موهبته ظهر جليا فى مسلسل «الطوفان» المأخوذ عن قصة لبشير الديك صاغ لها رجاء بمشاركة وائل حمدى السيناريو والحوار، ليلمع اسمه وتظهر موهبته بشكل أكبر.

وكانت المفاجأة أن هنأه الفخرانى بنجاح أعماله، وعرض عليه رجاء معالجة درامية بعنوان « بالحجم العائلى»، ذهبت الظنون أنها ستكون معالجة تليفزيونية لفيلم سينمائى قدمه أحمد حلمى من قبل بعنوان «أكس لارج»، لكن خابت الظنون والتوقعات، فجاءت المعالجة مختلفة، والسيناريو أكثر حرفية مما ظن الكثيرون، فربح الفخرانى رهانه على المؤلف الشاب.

والمعروف عن الفخرانى أنه لا يدخل البلاتوه لتصوير أى عمل فنى، إلا عندما ينتهى تماما من قراءة العمل كاملا، فى حلقاته الثلاثين، فخبرته السابقة جعلته يرفض التصوير على الهواء، وربما كان ذلك ما ساعد أيضا على نجاح النص، جلسات العمل التى جمعته بالمؤلف محمد رجاء والمخرجة هالة خليل.


3- هالة خليل وشادى الفخرانى

منذ سنوات ليست بعيدة كان من المفترض أن يقدم يحيى الفخرانى عملا بعنوان «محمد على» فى مسلسل ينتجه هشام شعبان، وبعد الاتفاق والتعاقد مع الدكتورة لميس جابر لكتابة النص، تراجع الفخرانى عن العمل لرفض الشركة المنتجة أن يكون شادى الفخرانى مخرجا للمسلسل، كونه لم يقدم أعمالا سابقة، وتجمد المشروع، وتعجبت الشركة المنتجة من محاولات فرض يحيى الفخرانى نجله على العمل.

ومرت السنوات، وأخرج شادى الفخرانى لوالده ثلاثة أعمال حققت نجاحا باهرا، (الخواجة عبدالقادر، دهشة، ونوس) أثبتت صحة وجهة نظر يحيى فى شادى، وأنه لم يكن يجامله عندما اختاره لإخراج المسلسل.

وفى مسلسله الجديد فاجأ الفخرانى الجميع، بإسناد مهمة إخراج العمل الجديد «بالحجم العائلى» إلى المخرجة هالة خليل، رغم أن شادى لم يكن لديه أية ارتباطات فى العام الجديد.

خبرة يحيى الفخرانى، وذكاؤه الشديد جعلاه يسند العمل إلى هالة خليل، ليغير جلده عن تجاربه الثلاثة الأخيرة التى أخرجها شادى وكتبها عبدالرحيم كمال، فالتعاون لسنوات طويلة مع نفس فريق العمل يقتل الشغف، ويبعث على الروتين، وضمان النجاح، فبحث عن فريق له طموحات جديدة، وهو نفس ما فعله عادل إمام بابتعاده عن يوسف معاطى، ومصطفى شعبان بابتعاده عن أحمد عبدالفتاح بعد فترات طويلة من التعاون أدت إلى الفشل.

الفخرانى، ثقيل الوزن والموهبة، هو فى حقيقة الأمر بابا نويل الدراما المصرية، ننتظر، وينتظر المشاهدون هداياه للدراما المصرية كل عام، وإن كان لا يطل علينا إلا كل عامين.