علامات الرعب محفورة.. "الفجر" داخل مستشفى الحسين الجامعي

تقارير وحوارات



أصوات مختلطة تصنع الضجيج اليومي الذي اعتاده الجميع، فبحركة سريعة تتنقل الممرضات بأمر من الأطباء فتدق أقدامهن على السلالم وبين الطرقات، بينما يعلوا فوق كل هذا صوت صرخات المرضى ممن كانوا يتأوهون من شدة آلامهم خلف أبواب الغرف، غير مدركين لما قد يصيبهم بعد بضعة دقائق من تلك اللحظة.

 

فمع دقات الثانية ظهرًا، بدأت هذه الأصوات تتلاشى، واختفت الضوضاء والهمسات تدريجيًا، فور سماع صرخة استغاثة عالية ظن الجميع في البداية أنها بسبب وفاة أحد المرضى، قبل أن تصاحبها سحابة دخان سوداء تسللت من الدور الرابع في أحد مباني مستشفى الحسين الجامعي وصولًا إلى الدور الأخير، فسرت ما يجري، والذي اتضح أنه حريقًا ضخمًا نشب بالمبنى.

 

في تلك اللحظة، فجع آلاف المرضى وذويهم ممن تواجدوا في هذا المبنى المكون من ستة طوابق، فحفرت علامات القلق والرعب على وجوههم، والتي تقاسموها مع العاملين بالمستشفى داعين أن ينجيهم الله من هذا الكابوس المرعب الذي هدد حياة الجميع بالموت، دون أن يفرق بين طبيب وممرضة أو مريض.

 

ومع شروق شمس يوم جديد، لا زالت ذاكرة الشهود على الحادث محفوفة بالكواليس المرعبة التي لم يتمكن الليل من إخفائها، حيث اللحظات التي كادت تمزق خيوط الحياة أمام أعينهم، لتجعل الموت هو طريقهم الوحيد.

 

وعلى كراسي الانتظار أمام غرف المرضى الذين تم نقلهم إلى مباني وأقسام أخرى بالمستشفى جراء الحريق، روى عدد من الشهود لـ "الفجر" تفاصيل الساعات المفزعة التي لا تزال أحداثها حية أمام أعينهم وكأنها حديثة الوقوع.

 

داخل وحدة غسيل الكلى المؤقتة بالمستشفى، والتي تم نقلها من المبنى المحترق؛ جلست الحاجة سعدية، على مقعد الانتظار، أثناء غسيل زوجها للكلى في الغرفة المجاورة لها، داعية الله أن يمر اليوم بسلام دون أن تتكرر الأحداث التي شهدوها يوم أمس، حيث تتذكر جيدًا حينما وصلت رائحة الدخان إليهم في الدور الثالث بالمبنى الآخر: "وقتها جه ناس من المستشفى وفضوا الدور بسرعة ونزلونا وإحنا مش فاهمين حاجة".

 

ومن المقعد المجاور داخل الوحدة، التقطت "أم محمود" أطراف الحديث، لتروي أنها كانت مقيمة بالمستشفى منذ ستة أيام، قادمة من منطقة المعصرة بحلوان، في انتظار الحصول على دور لوالدتها في جلسة غسيل الكلى بالدور الثالث في المبنى الذي كان شاهدًا على الحريق.

 

وبحزن ملأ عينيها، تذكرت السيدة الأربعينية، حينما استشعرت وجود دخان بالدور، فركضت مسرعة للاطمئنان على والدتها: "وقتها لقيت الدكاترة بينقلوا المرضى اللي مبيقدروش يتحركوا وفضوا المكان".

 

هول المنظر خارج المبنى، دفع "أم محمود" للانتقال برفقة والدتها إلى جانب بعيد عن الأحداث، لحين استقرار الوضع للعودة إلى الداخل مرة أخرى: "شوفت ناس مخنوقة وعربيات إسعاف بتنقل فيهم.. بس خوفت أخرج بره خالص يطلبوا مني أعمل ورق تاني وأستنى دور تاني وحالة أمي متسملحش بكده".

 

وأمام الوحدة، يجلس أحد العاملين بالمستشفى، والذي يتذكر لحظات نشوب الحريق، حينما حدث شيء في البداية يشبه الانفجار، أدى لانطفاء الأنوار في الدور الرابع بالكامل، ثم أضيئت مرة أخرى في نفس اللحظة: "بدأنا وقتها نلف في الدور ندور على السبب".

 

في تلك اللحظة، اكتشف العاملون أن انفجارًا في أحد أجهزة التكييف تسبب في ماس كهربائي، نتج عنه الحريق الذي صعدت نيرانه مسرعة لتلتف حول الثلاثة أدوار الأخيرة بالمستشفى.

 

وبقلب ينفطر حزنًا وتأثرًا بما يجري، تذكر أحد الموظفين العاملين بالمستشفى، حينما سقطت أول حالة وفاة إثر الاختناق بآثار الدخان، حيث كان طفلًا صغيرًا، ثم سقط وراءه رجل خمسيني لم يتحمل رائحة الدخان هو الآخر: "كل اللي ماتوا كان من الانتقال السريع وريحة الدخان، لكن محدش مات أو اتصاب من نار الحريق".

 

وبجوار بوابة مستشفى الحسين، الحديدية، روى رجل خمسيني، يقبع داخل الكشك الخاص به، لحظات خروج المرضى وذويهم من المستشفى مسرعين، ليسقط البعض منهم، ويسعل آخرون جراء ما أصابهم من اختناق.

 

وأمام عينيه، مرت سيارات الإسعاف إلى داخل المستشفى لنقل المرضى والمصابين إلى مستشفيات سيد جلال، والأزهر الجامعي وعدد آخر من المستشفيات: "كان عددهم 18 عربية نقلت المرضى للمستشفيات دي، وخرج من جوا وفيات كتير كانوا ما بين 5 لـ 12 حالة، وفيه منهم مات قدامي عالباب وهو خارج".