هدى ضحية الفيزياء وريم من الجبر إلى القبر.. الثانوية العامة موسم الانتحار

حوادث



جرائم عديدة ترتكب، يروح بسببها شباب في مقتبل حياتهم، والجاني فيها ليس شخصا، بل منهجية وطريقة أصبحت فرضا وعادة، كالمعتقدات والتقاليد التى وجدنا عليها الأجيال السابقة ولا نستطيع تغيرها، ودوما يكون موعدها السنوي في مثل هذه الأيام.. أنها الثانوية العامة.

يترقب الطلاب من الأمس ظهور نتيجة الثانوية العامة، وسط حالة من القلق والتوتر والخوف والرهبة، وعلى الرغم من تطور أساليب التعليم فى الغرب وبعض الدول العربية المتقدمة، إلا أن الأمر في مصر مختلف تماما، فما الفارق بيننا وبين تلك الدول، ما الأسباب والعواقب التى واجهت مسئولين ووزراء التعليم على مدار أكثر من 20 عام فى تطوير التعليم المصرى. 

هل المشكلة فى المعلم المصرى؟ أم في الطالب؟  أن الأسباب تتعلق بالمؤسسات التعليمية؟

طلاب المرحلة الثانوية العامة في مصر يعيشون اكتئابا حادا وتوترا كبيرا، كشفت عنه العديد من الدراسات العلمية التي أجريت في مختلف الدول العربية التي تطبق نظام الثانوية العامة.

وتتنوع هذه المشكلات بين عدم التكيف مع العمل المدرسي، والخوف من الامتحانات، وعدم الميل لبعض المواد الدراسية، والخوف من الفشل في الدراسة، وصعوبة الفهم، وضعف الانتباه، والتأخر الدراسي، والخوف من المستقبل، والإفراط في أحلام اليقظة، والحاجة إلى الإرشاد العام، وضعف الثقة بالنفس، والعصبية، والميل إلى العنف، وعدم قبول الذات الاجتماعية والاكتئاب.

المشكلة أن هذا القلق يعطل الوظائف النفسية للطالب،حيث يتعطل التفكير والتركيز والذاكرة، وهو ما يتسبب في زيادة القلق، وتحوله إلى اكتئاب بعد ما يجد الطالب نفسه غير قادر على التحصيل.

الطب النفسي يقول:

الدكتور سعيد عبد العظيم، أستاذ الطب النفسي بكلية طب قصر العيني بجامعة القاهرة، يؤكد أن الأمراض النفسية لها نوعان من الأعراض أولهما أعراض نفسية مثل الشعور الدائم بالضيق والحزن والخوف والقلق والتوتر، وثانيهما أعراض جسدية تتمثل في فقدان الشهية والصداع وفقدان الوزن أو زيادته، والأرق وأمراض القلب وتصلب الشرايين أو انسدادها، وغير ذلك من الأمراض الخطيرة التي يتسبب فيها سوء الحالة النفسية والمزاجية، وللأسف لا يكترث الكثيرون بالحالة النفسية ولا يضعون في اعتبارهم أن كل ما يشعرون به من ضيق وهم في النهاية بادرة لأمراض خطيرة تصيب كل إنسان بطريقة مختلفة عن غيره.

فالاكتئاب هو رابع سبب للعجز الكلي في العالم وسيصبح في المرتبة الثانية في عام 2020 بعد أمراض القلب والأوعية الدموية.

ويضيف د. سعيد أن الحالة النفسية السيئة تتسبب في إحداث خلل في كيمياء المخ وهرموناته، وهذا بدوره يؤثر على الجهاز الدوري بجسم الإنسان، كما يؤثر بصورة مباشرة على جهاز المناعة ويكون الجسم أكثر استعدادا لاستقبال الفيروسات والأمراض المختلفة بما في ذلك السرطانات.

فكم من أمراض نفسية وجسدية سببها التعليم المصري، وكم من حالة من هذه الحالة أدت إلى الوفاة، نستعرض بعض منها هنا:

"سامحيني يا أمي"

من ضحايا امتحانات الثانوية، الطالب محمود عارف صاحب الـ19 عامًا، الذي استخدم "ستارة" داخل الحمام، في شقته ببولاق الدكرور بالجيزة، ليقتل نفسه، تاركا رسالة لأمه جاء فيها أنه أقدم على الانتحار لعلمه أن والده لا يحبه، وأنه يفضل أشقاءه عليه، مطالبا بالدعاء له وعدم الحزن عليه.

وأقدم الطالب بمدرسة الأورمان، على الانتحار في الحادي عشر من يونيو، بعد أن رسب في الثانوية العام الماضي، وعانى من حالة نفسية سيئة، عقب امتحان اللغة الإنجليزية، هذا العام، وقرر التخلص من حياته، بحسب تحريات الشرطة.

هدى ضحية الفيزياء

هدى، 18 عامًا، طالبة بالصف الثالث الثانوي بمدرسة الثانوية الجديدة بشبين الكوم، قامت بإلقاء نفسها من أعلى كوبري مبارك ببحر شبين الكوم، والانتحار لمرورها بحالة نفسية سيئة، ولإصابتها بانهيار عصبي حاد بسبب "صعوبة امتحان الفيزياء".

من الجبر إلى القبر

بعد امتحان مادة الجبر، أقدمت ريم إبراهيم جاويش، الطالبة بالثانوية العامة بمدرسة محمد فريد بدسوق، بإلقاء نفسها من الطابق الثاني، نظرًا لصعوبة امتحان الجبر، ولفظت أنفاسها الأخيرة فور وصولها إلى مستشفى دسوق العام.

إن كل حالات الانتحار هذه، وغيرها الكثير، سببها اعتقاد الطلاب أن الثانوية العامة هي نهاية المطاف، وكأن ورقة امتحان الثانوية العامة هي التى ستحدد نهاية مستقبله، هل سيكون ناجحا أم سيصبح فاشلا، فمن المسئول عن هذه النظرة، ولماذا لا تتغير تلك النظرة على مدار السنوات الأخيرة، هل كل هذا يؤكد فشل منظومة التعليم المصرى؟ ومن الجاني على هؤلاء الضحايا؟، من الذى يستحق أن يناله القانون ليحاسب على الأساليب المميتة التى تلاحق الطالب المصري؟