تعددت الهموم والمهنة واحدة.. حكايات الغارمات بمصنع السجاد في أطفيح

تقارير وحوارات



بالنظر إليهم من الخارج، تجد خلية من النحل جسدها حماس العاملين ونشاطهم، ولكن حينما تتعمق في تأمل ما وراء هذه القطع الخشبية التي أسدلت الخيوط الصوفية عليها، تتبين همومهم التي حاولوا إخفائها بين ملامحهم بابتسامة مصطنعة يستقبلون بها المارة، وكأنما اتفقوا على هذه الحيلة للخروج من أعبائهم التي لم تفرق بين صغير أو كبير.

فخلف الأنوال الخشبية التي توزعت على أركان مصنع السجاد اليدوي بمركز أطفيح في محافظة الجيزة؛ كان الجالسون نساء ورجال وأطفال يتهامسون فيما بينهم، فيشكون همومهم تارة، ويتبادلون المزاح في محاولة للهروب به من الواقع للحظات تارة أخرى.

"فاطمة" تعمل لتوفير مصاريف الزواج 
بالرغم من كونها فتاة لم تتجاوز الـ 23 ربيعًا من عمرها، إلا أن اهتمامات "فاطمة" كانت  تختلف كثيرًا عن فتيات جيلها، حيث قررت أن تساند والدها الذي يعمل "أرزقي" من خلال عملها بمصنع السجاد اليدوي.

"عاوزة أجهز نفسي مش أكتر"، هذا ما تكافح الفتاة العشرينية داخل المصنع لأجله، ففور حصولها على الدبلوم، قررت أن تساند في مصاريف المنزل إلى جانب والديها، حتى يستكمل شقيقيها اللذين لم يتجاوزا العشرة أعوام تعليمهم الابتدائي، وذلك بعد أن تقتطع جزءا من راتبها الشهري الضئيل لتخصصه لشراء مستلزماتها الشخصية كعروس مقبلة على الزواج.

فبنفس راضية عن كل شئ رغم المصاعب، تتحدث باستمرار عن معاناتها بسبب غلاء الأسعار، وهو ما جعلها تؤجل زفافها على شريك حياتها الذي حلمت بتحقيق حلمها معه منذ الطفولة.

ومن خلف نقابها الأسود، تستقبل "فاطمة" زملائها في العمل بابتسامة رقيقة مصحوبة بكلمات مازحة تحافظ بها على حيوية الشباب التي تتسلح بها ضد اليأس: "يعني لو زعلنا الرزق هييجي.. أهو كله على الله".





"محمد" يفك الخيوط لإعالة أسرته 
بينما يلهو الأطفال في الشوارع، لتتعالى أصوات ضحكاتهم الممتزجة بأقدامهم الراكضة بحيوية وبراءة؛ يستيقظ "محمد" ذو الإثنى عشر عامًا، منذ السابعة صباحًا، ليتوجه إلى عمله بمصنع الكليم، حيث يبدأ عمله في فك بقايا الخيوط المتشابكة قبل أن يستخدمها العاملون في النسج على النول.

وبالرغم من أن "محمد" يعد أصغر أشقائه الأربعة، إلا أن مسؤولية إعالة كافة أفراد الأسرة وقعت على عاتقه خلال فترة الإجازة:"بساعد والدي دلوقتي.. عشان لما ببدأ الدراسة بيسيبوني للمذاكرة".




"زينب" تصطحب ابنتها للعمل بعد إصابة رب المنزل
 بعدما كان زوجها هو مصدر رزق المنزل؛ شاء القدر أن يعرضه لحادث عمل أفقده قدمه اليمنى، وهو ما دفع زوجته الثلاثينية "زينب" للذهاب إلى مصنع السجاد التابع لمؤسسة مصر الخير بأطفيح، علها تجمع قوت صغارها الجائعين، وعلاج زوجها.

لا تكترث السيدة التي تجاوزت الثلاثين عامًا، بحياتها التي تحولت منذ قرابة عام ونصف، إلى مشقة بين العمل ورعاية رب المنزل وأبنائهم الخمسة:"المهم بس أقدر أوفرلهم مصاريف العيشة وإيجار السكن.. ونقدر نحوش عشان نركب رجل صناعية لجوزي يقوم بيها من تاني".

ولم تكن "زينب" وحدها هي مصدر قوت هذه الأسرة التي تتألف من سبعة أفراد، حيث اصطحبت ابنتها الكبرى التي تبلغ من العمر ستة عشر عامًا، لتتقاسم معها عناء المهنة وتحصل على راتب إضافي يغنيهم عن الديون والجوع.