لأجل الإنسانية.. "رؤى" تتصدى لإرهاب داعش بالعراق على طريقتها الخاصة

تقارير وحوارات



"لأجل الإنسانية".. قررت أن تمسك بالميكروفون فتقف أمام الكاميرا بثبات دون أن تهتز ثقتها للحظة، لتنقل الحدث مصحوبًا بابتسامتها المعتادة التي تتغلب بها على الخوف فتقهر بها تهديدات العدو، لتناشد بالحرية لأرضها التي توغل الإرهاب في أحشائها كالسرطان.

ففي الوقت الذي عاشت فيه العراق فتراتها الأصعب، إثر الأحداث الإرهابية التي امتدت إليها أصابع تنظيم "داعش"، كانت المراسلة الحربية رؤى الشمري، ذات الخمس وثلاثون عامًا، تشق طريقها في الحياة العملية فور تخرجها من كلية التربية الفنية، التي لم تمت يومًا لشغفها الحقيقي بصلة، حيث اضطرت في البداية لاستكمال دراستها الجامعية في التخصص الذي يرجحه مجتمعها كونه الأمثل للفتيات اللواتي ينتهي بهن الحال في قفص الزوجية.








لم تقبل المراسلة الثلاثينية بعرف المجتمع التقليدي، والذي يحاول تحجيم دور الأنثى بحجة أنها الأضعف، فدائمًا ما كان يراودها حلم المشاركة في تحرير أرضها العراق، من خلال استغلال موهبتها الكتابية والتي خرجت بها من ثوب الفنون، لتتجه إلى العمل بالوسط الإعلامي، فتحولت تقاريرها إلى تلفزيونية، حتى حققت نجاحًا في مجال الإعلام الأمني رُشحت على إثره لبدء الصعود إلى حلمها.

حرصت المراسلة رؤى، على تطوير مهاراتها المهنية، فقررت أن تحصل على دبلومة في الإعلام وتحصد خبرات المجال من خلال التدريبات وورش العمل المتعلقة بالمراسلة الإعلامية والتي استمرت في تغذية نفسها بها حتى عام 2016:"كما أن الخبرة التي اكتسبتها من المجال الأمني هي القاعدة الأساسية التي أهلتني إلى العمل الحربي وتحقيق النجاح فيه، حيث تعلمت طرق التعامل مع العسكر والبشر وكيف يمكنني تحمل التغيرات الديموغرافية والجغرافية لأنجز عملي بشكل صحيح وأنقل الصورة الواقعية لمجريات المعارك الواقعة في العراق".

وبتزايد خبراتها في المجال، أصبحت المرأة التي تجاوزت عامها الثلاثون، حاملة اليوم لقرابة 9 خبرات إعلامية، تنوعت بين المراسلة والصحافة وتصوير الفيديو والتقاط الصور الحربية الميدانية، فضلًا عن عملها كمونتير ومقدمة برنامج ومدربة للمراسلين.




"بذلت جهودًا كبيرة لإقناع أسرتي في البداية"، فمع صعوبة المهنة التي يعتقد الكثيرون أنها صممت للرجال فقط، كان من الصعب على أسرة "رؤى" أن تسمح بعملها في المجال الحربي الذي يهدد حياتها بشكل مباشر: "ولكن مع مرور الوقت وإصراري المستمر على تحقيق حلمي، أدركوا أنه لا مفر، خاصة أن عائلتي مناضلة وقارعت نظام الطغيان السابق".

ومع انطلاق مغامراتها الحربية المحفوفة بالمخاطر، كانت "الشمري" أولى المتواجدات في معركة ناحية العلم، والتي تعد أول تجربة تخوضها في مجال المراسلة الحربية، نقلت على إثرها الأحداث وسط المواجهات النارية والمتفجرات التي لم تعيرها انتباهًا، لتهمس بالشهادتين في قرارة نفسها، وتنقل في الوقت نفسه تفاصيل الأوضاع إلى المشاهدين بكل مصداقية.

وبالرغم من صعوبة الوضع في تلك الفترة، إلا أن معركة "تلطيبة" –إحدى محافظات العراق- كانت الأشرس والأخطر بين كل ما قامت المراسلة الثلاثينية بتغطيته: "أتذكر حينها قدمنا مادة فيلمية ساخنة جدًا كانت بداية شهرتي في الوسط وتم تكريمي عليها بفضل إحدى اللقطات التي كنت أتحدث فيها للكاميرا في حين انطلقت رصاصة فوق رأسي ونجيت منها على الفور بفضل الله سبحانه وتعالى".




وبينما كانت رؤى الشمري، مراسلة مخضرمة ومؤهلة لممارسة عملها الحربي وسط لهيب النيران، بعدما تمكنت من تغطية الأحداث الأكثر خطورة في غالبية محافظات العراق، إلا أن القدر لم يمنع تعرضها للإصابة لأكثر من 7 مرات هددتها بالموت المحتم، بالرغم من تأمينها واتباعها لتعليمات السلامة وتوجيهات قوات الأمن المرافقة لهم.

فتعرضت السيدة ذات الخمسة وثلاثون ربيعًا، إلى الإصابة في ساقها وذراعها بطلقات نارية، بالإضافة إلى انفجار سيارة مفخخة عليهم بغرب الموصل، وأخرى انفجرت بقرية سليماني، فيما واجهت المراسلة خطر الموت بعد سقوط عدة هاونات عليهم بمنطقة تلال عطشانة: "في كل مرة كنت أعتقد أنني على وشك الاستشهاد لكن يشاء القدر بأمر الله تعالى أن ينجيني لأرى ضوء الشمس من جديد".

تعد حماية طاقم العمل الذي تقوده المراسلة الحربية لتغطية الوقائع والأحداث، ضمن مهام قوات الأمن بمعاونة قوات الحشد الشعبي: "فكانوا يحرصون على تأميننا وتقديم التوجيهات والتعليمات اللازمة لسلامتنا.. فكانوا يتحركون أولًا ثم كنت أتبعهم لأننا كنا على وعي تام بنفسية داعش الإرهابية".




وبين القلب والعقل؛ وقعت رؤى الشمري، مرارًا وتكرارًا في مواقف مؤثرة كان لابد أن تتحكم فيها وفقًا للمهنية والإنسانية، والتي حفرت مشاعرًا لاتنسى في ذاكرتها رغم مرور السنوات:"فمثلًا أتذكر جيدًا حينما تعرض جندي في أحد المعارك التي كنت أغطيها للقنص، فأصيب في قدمه وقمت بإسعافه وتضميد جراحه، وبعدها بنصف ساعة انفجرت سيارة مفخخة قام الجندي المصاب بحمايتي منها وتوجيهي للابتعاد على الفور".

ولأن المعارك لاتنتهي في بغداد؛ أثرت حياة "رؤى" المهنية على حياتها الشخصية، حيث رفضت الزواج حتى تتمكن من استكمال مشوارها الإعلامي في المجال الحربي:"أنا أعشق عملي، فأحيانًا كثيرة كنت أبقى في المحافظة التي أغطي أحداثها ثلاثة أيام ثم أعود إلى بيتي يوم واحد فقط وأنتقل بعدها إلى منطقة أخرى برفقة قوات الأمن لأتقدم معها، حتى تمكنا من تطهير أرضنا من إرهاب داعش".

وبمرور 13 عامًا من الخبرة في مجال المراسلة الحربية، نجحت المرأة الثلاثينية، في تخطي عقبة تحقيق التوازن بين المنزل والحياة الشخصية والعمل، حيث تعلمت اتخاذ القرارات الحكيمة، واعتادت على تقسيم يومها بقدر المستطاع، حتى لا يطغى العمل على جوانب الحياة الأخرى لديها.

فتطمح رؤى الشمري، أن تفيق نساء العرب لمكافحة رجعية المجتمع الذي يكسر أجنحة الأحلام التي تحاول المرأة الطيران بها نحو مستقبل أفضل لحياتها ولأبنائها:"لذلك أتمنى ألا تفقدي أيتها المرأة شغفك نحو غد أفضل.. وكم أتمنى ألا تخضعي لأي نوع من أنواع التسلط في المجتمع..فكوني أقوى قليلًا.. أنتي قدها".



وبالرغم من تحقيقها لجزء كبير من أحلامها في المجال الإعلامي، إلا أن المراسلة الحربية رؤى الشمري، لازالت تقطع المسافات، على أمل المساهمة في عملية التعايش السلمي على أرض الواقع بين كافة أطياف الشعب العراقي: "أما عن أعظم أهدافي فهي القضاء على الإرهاب وتطهير الأرض من دنسهم ومن كل ما يبيح دماء الإنسان".

وبالرغم من هذه الإنجازات الإعلامية التي تدعو للفخر، إلا أن "رؤى" لم تتوقف عن ممارسة دورها في هذه المهنة، على أمل أن تتحول جهودها إلى رسالة لكل سيدة عربية تمتلك أحلامًا وطموحات لاحصر لها، لتبدأ في المضي نحو تحقيقها بلا تراجع: "خاصة أنني أؤمن أن المرأة العربية لديها الملكة الثقافية والإنسانية التي تؤهلها للخوض في غمار هذا الموضوع إلى جانب الرجال سواء".