آلاف الخراف نذور في العذراء.. والمسلمون يتسابقون لنيل بركة أم النور في يوم عرفة

أقباط وكنائس

جبل درنكة
جبل درنكة


صعد المئات من الزوار إلى جبل درنكة لتوديع "العذراء" في ليلتها الأخيرة بينما كانت فرشات المقاهي وأسواق العمال المسلمين في الدير تنقل على الهواء مباشرة صعود الحجيج لصعيد عرفة يؤدون الركن الأعظم من أركان الحج، فازدوجت رحلة صعود الجبال جهادًا ومحبة لله وقديسيه بين المسلمين والأقباط.

في أديرة العذراء الكل يتجمع على الإيمان في حب الله

فى دير العذراء بجبل درنكة بأسيوط، واصل الدير استقبال آلاف المصريين مسلمين وأقباط ممن تسابقوا على نيل بركة أم النور فى مولدها السنوي، حيث ازدحمت الطرقات المؤدية للدير بعشرات السيارات الصاعدة صوب الجبل تتوقف عند بوابة التفتيش الأولى فيكون على الزوار الصعود مشيًا ناحية مغارة العذراء مريم التى كانت المحطة الأخيرة لرحلة العائلة المقدسة لمصر قبل أن تأخذ البحر وتعود مرة آخر ى لكنيسة أبو سرجة بمصر القديمة ومنها إلى فلسطين.

فريق من المحجبات يأخذن دورهن في التفتيش

تولت خدمته الكشافة الكنسية على بوابات تفتيش الدير، حيث قالت مروة محمد حسن وهى سيدة فى مطلع الأربعينات أنها اعتادت زيارة دير السيدة العذراء مريم منذ أن كانت طفلة ثم تزوجت ولم يرزقها الله بالذكور فما كان من جارتها القبطية إلا أن نصحتها بالعودة لزيارة الدير الذى انقطعت عنه بالزواج ونذر شيئًا للعذراء إذا ما منحتها الذكر، وقد كان فقد حملت بابنها الذى اطلقت عليه "عيسى" بعدما نذرت للعذراء مالًا، وقررت أن تصعد لجبلها فتقبلها سنويًا فى عيدها وتشكرها على وفاءها بعهدها.

بين الجبل والكنيسة 

ستقرت سيارة ربع نقل تزدحم بالخراف، والنعاج خلفها سيارة أكبر تحمل عجلين صغيرين، كان المتطوعون يجرون الخراف الصغيرة نحو مذبح النذور الذى تطوعوا للخدمة فيه، ويقول أحد الجزارين إنه يذبح ما يزيد على ألف رأس فى آخر يومين حين يشتد الزحام بالدير، متبرعون من المسلمين والأقباط، يأتون للعذراء ويلبون النذر بعدما تحقق طلباتهم.

مظاهر عيد الأضحي بين الحزن والاحتفال

تتشابه مظاهر الاحتفال بهذا العيد في أنحاء مصر، لكنها تختلف في الأداء من مكان إلى آخر، فهي في المدينة تختلف عنها في القرى، لاختلاف الثقافتين.

وصباح العيد يرتدي الأطفال ملابسهم الجديدة ويتوجهون إلى والديهم لأخذ العيدية، ثم يذهبون إلى الأقارب للحصول على العيدية.

زيارة القبور

تعد زيارة القبور في قريتي برنبال بمركز مطوبس، محافظة كفر الشيخ، صباح أول أيام العيد، من أهم العادات التى يحرص عليها الناس. وهى تعتبر من مظاهر الاحتفالات الجنائزية التى لا تنتهى بانتهاء مراسم الدفن، بل تستمر عبر السنوات، وتوجه الجماعة الشعبية اللوم لأهل الميت المقصرين فى هذه الزيارات، ويعد التقصير إهمال أهل الميت أو نسيانهم لميتهم، ويرجع الحرص على هذه الزيارة لاعتقاد قديم سائد بأن أرواح الموتى تتصل بأجسادهم فى القبر لتمكنهم من رؤية الزائرين والاطمئنان عليهم، والاستئناس بوجودهم ( حسب د. سميح شعبان في كتابه "الموت في الماثورات الشعبية".

وقد شاركت في بحث حول هذه الظاهرة، واستطلعت آراء بعض الإخباريين، فقال لي أحدهم: "كان أبويا الله يرحمه، ياخدني معاه للجامع وهو رايح يصلى العيد، وبعد الصلا، ياخدنى معاه برضه للمقابر نزور قبر جدى مصطفى ونقراله الفاتحة، وبعدين نرجع على الدار، وأنا طلعت أعمل زيه".

وأدى وجود الأطفال فى المقابر إلى وجود بائعي اللعب، وكانت اللعب سابقا تنحصر في "الصفافير" المصنوعة من الغاب، وتباع مقابل بعض "قُرص الرحمة"، وكان اقتناء الأطفال لآلات موسيقية مثلها يشيع نوعا من البهجة في المقابر، وبجانب تلك البهجة الناتجة عن استخدام تلك اللعب، كنا نسمع عويل بعض النساء على مقبرة أحد الميتين حديثا، حيث تتألم قريبات المتوفى على الفقيد فى العيد الأول لوفاته.

صناعة الرحمة 

تختلف الرحمة التى توزع على أرواح الأموات فى المقابر أثناء الزيارة من أسرة إلى أخرى حسب مكانتها الاجتماعية وقدراتها المادية، وقال لي إخباري ثاني: "عيلة زغلول مثلا لما كانوا بيطلعوا الترب يوم العيد، كانت النسوان بتاعتهم بيبقوا شايلين أسبات كتيرة مليانة من خيرات الله، إيشى قُرص كبيرة، وفطير مشلتت، وبرتقان وموز وعنب وجوافه، ورجالتهم كمان بيوزعوا فلوس بالهبل على الغلابة، وكنا نروح من بدرى علشان نلحق الرحمة بتاعتهم وكان بيدونا ياما".

وكانت زيارة القبور تمتد من صباح اليوم الأول حتى غروب شمسه، وقديما كانت تلقى اهتماما كبيرا من أقارب المتوفى أكثر من الآن، وتراجعت هذه الظاهرة عن سابق عهدها بكثير، وبعض العائلات توقفت نهائيا عن زيارة المقابر فى العيد، زعما أنه يدعو إلى الحزن، والحزن مكروه فى يوم العيد، خاصة بعدما هاجمها شيوخ السلفية باعتبارها بدعة ليست من صحيح الدين.

ويقول أحد الأهالي إم الزيارة خفِّت عن الأول، يعنى حرص الناس عليها ما عدش زى الأول، وفيه ناس دلوقت بتصلى العيد وما تروحش المقابر، وفيه ناس بتروح بس الأغلبية بطلت هذه العادة حتى لا تحزن فى يوم العيد.

وتابع أنه بمرور الوقت إقتصرت زيارة للمقابر على صباح اليوم فقط، والنساء أصبحن لا يذهبن إلى المقابر إلا فيما ندر، وهذا التغير نشأ عن انشغال قريبات المتوفى بأمور الأحياء الخاصة باحتفال العيد، وما تبعه من تجهيزات، وبعد الزيارة وقراءة الفاتحة لأمواتهم، وأموات المسلمين أجمعين، وتوزيع الرحمة على أرواحهم، يعودون أدراجهم متجهين إلى بيوتهم لذبح أضاحيهم ، حيث كان العديد من فقهاء القرية يذهبون لقراءة القرآن على قبور الأموات طمعا فى الحصول على الرحمة والعيدية.