"التدخين" لعبة المراهقات.. الانفتاح الأسري يساهم في تفشي الظاهرة.. والطب النفسي: تقليد أعمى

تقارير وحوارات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


يعد التدخين عادة دارجة بين الشباب في مختلف الفئات العمرية، إلا أن هذه العادة تفاقمت مؤخرًا بين الفتيات بشكل ملحوظ، حيث بات تواجدهن بالمقاهي المختلفة لتدخين الشيشة والسجائر أمرًا عاديًا يتنافسن على إظهاره أمام الجميع بصورة ملحوظة.

 

ومع مرور الوقت، وزيادة انتشار الظاهرة المخالفة للعادات الشرقية المتعارف عليها، بدأت الفتيات من كافة الشرائح العمرية والطبقات المجتمعية المختلفة، في اتباع هذه العادة التي تحولت من شاذة  يستمتعون بها فيما بينهن، إلى أمر طبيعي ومعتاد.

 

الدخان لعبة في يد المراهقات

 

عبارة "بحب ألعب بالدخان" أصبحت الأكثر ترديدًا بين الفتيات في المرحلة العمرية التي تتراوح بين 15 إلى 17 عامًا، حيث أصبح تطاير الدخان في الجو بعد خروجه من أنفاسهن، بمثابة المشهد الذي يدفعهن للرغبة في استكمال شرب السجائر أو الشيشة.

 

فتتذكر "نيرة" البالغة من العمر 16 عامًا، حينما كانت تلعب بالعرائس والمكعبات في فترة الطفولة، إلا أن مع تطور الأجيال، بدأت في التخلي عن هذه الألعاب الصامتة، واللجزء إلى دخان الشيشة:"ليها مزاج وطعم خاص زي ما تكون نوع من أنواع الحلويات".

 

الانفتاح الأسري بطل انتشار الأزمة

 

يعد الانفتاح الأسري، أحد أبزر مسببات الأزمة، والذي يتصدر عوامل تفشي الظاهرة في المجتمع، حيث أنه أسلوب يشجع الفتيات على الانجراف بحرية نحو المخاطر بلا تفكير، خاصة المراهقات من بينهن.

 

 

فلم تخفي طالبة الثانوية العامة، فاطمة محمد – اسم مستعار-  عن والديها تدخينها للشيشة، حيث أن اعتيادها على مشاهدتهما يمارسان هذا السلوك باستمرار أمام الجميع بصورة طبيعية، دفعها لتقليدهما باعتباره عادة ترسخت منذ ذلك الحين في ذهنها على أنها طبيعية ولا يوجد منها ضرر أو أزمة:"عشان أنا أهلي تفكيرهم أوبن مايندد".

 

الأمر نفسه، تكرر مع "رنا" الفتاة العشرينية، التي أكدت أنها تدخن الشيشة باستمرار وسط عائلتها وأمام أعمامها ووالديها:"مش أحسن ما أشربها من وراهم".

 

التفكك الأسري يؤدي للانحراف

 

التجربة الأولى لطالبة المرحلة الإعدادية زينب، كانت منذ عامين، حينما التحقت بالصف الأول الإعدادي، حينها قررت أن تتوجه مع صديقتها إلى أحد المقاهي لتجربة الشيشة:"من وقتها حبيتها عشان بخرج فيها خنقتي وتعبي من الحياة".

 

فتتذكر "زينب" جيدًا سبب اندفاعها نحو كل ما يخالف المعتاد، وتجربة كل ما يؤدي للأذى، بعدما تربت على كره والدها بعد تركه للمنزل قبل أن تتم الفتاة عامها الأول، وهو ما كان سببًا دائمًا لتراجع مستواها الدراسي ورسوبها عدة مرات، بسبب عدم وجود رب المنزل القادر على محاسبتها، وهو الأمر الذي يدفعها  نحو طريق الانحراف تلقائيًا.

 

العنف يولد انهيار المبادئ

 

كان الضرب والتعنيف هي أبرز الأسباب التي دفعت "أسماء" للهروب من منزل أسرتها واللجوء إلى أحد مقاهي وسط البلد، حيث ألقت بنفسها بين دخان الشيشة، الذي منحها شعورًا بالحرية، لتنشأ بين الشيشة والفتاة العشرينية علاقة إدمان لا تتمكن من الانقطاع عنها:"ضربهم فيا هو اللي عمل كده وخلاني مش طايقة البيت".

 

وجدت "أسماء" في الشيشة ملاذها للهروب من الواقع المؤلم، فتروي أنها كلما تعرضت للعنف والاعتداء بالضرب من قبل أخيها أو والدها، كانت تلجأ إلى المقهى لشرب الشيشة التي تخفف آلامها:"مبحسش إني بعمل حاجة بحبها غير وأنا بشربها".

 

المعرفة بالأضرار لا تمنع الظاهرة

 

بالرغم من أن سارة أحمد – اسم مستعار- الفتاة ذات الواحد وعشرون عامًا، تعلم جيدًا بمخاطر الشيشة الصحية وأضرارها ونظرة المجتمع لها، إلا أنها لا تتمكن من التراجع عن تناولها كلما مرت بجوار المقاهي:"حاولت كتير أمنع نفسي عنها بس أول ما بدخل الكافيه مبقدرش أقاوم ريحتها.. لكن مبشربش سجاير".

 

لم تصل الفتاة العشرينية، إلى مرحلة إدمان تدخين الشيشة، لكن وجود المال الوافر بحقيبتها، يجعل منها أكثر ضعفًا أمام الشيشة ورائحتها:"كنت باخد فلوس كتير.. ومن كتر الفلوس في شنطتي مكنتش بعرف أوديها فين غير إني أشرب شيشة لما بخرج مع صحابي بس.. لكن أنا مش مدمنة هي بتريحني نفسيًا".

 

تقبل الرجال للظاهرة

 

مع مرور الوقت، اعتاد أغلب الرجال على تقبل الظاهرة التي انتشرت مؤخرًا بصورة كبيرة، حيث بات مشهد تدخين السيدات للسجائر والشيشة أمر اعتيادي، وهو ما تراه مريم السيد – اسم مستعار-  الفتاة التي لم تتجاوز الثمانية عشر عامًا من عمرها، حينما تقوم بتدخين الشيشة أمام خطيبها.

 

فبالرغم من أن خطيب مريم السيد، يرفض التدخين، إلا أنها تدخنها باستمرار أمامه دون أن يبدي أي اعتراض على الأمر:"الموضوع مش راجل وست.. كل واحد بيعمل الحاجة اللي بيحبها طالما مش عيب".

 

الرغبة في إثبات الذات تدفع الفتيات للتدخين

 

وحول الظاهرة، أكد الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي، أن اتجاه الفتيات إلى تدخين الشيشة  ما هو إلا تقليد وفراغ وإثبات الذات، لافتًا إلى أن تلك المرحلة يكون لدى البنات اتجاهات نفسية مختلفة ومتضاربة وتحتاج إلى الاحتضان والمتابعة من الأهل.

 

وأشار "فرويز" في تصريح خاص لـ"الفجر، إلى أن الفتيات في سن المراهقة تتردد بداخلهن طوال الوقت عبارة "أنا مختلفة"، موضحًا أن هذه العبارة تولد لديها رغبة بإثبات ذاتها بتدخينها للشيشة في الأماكن العامة دون استحياء لتصل للناس تلك الرسالة.

 

ونوه أستاذ الطب النفسي، إلى أن متابعة الفتيات وخاصة المراهقات من بينهن للموضة الغربية، هو أحد أبرز أسباب رغبتها في التمرد على التقاليد دون الأخذ في الاعتبار أنها في مجتمع شرقي، مضيفًا أن تقبل الأب أو الأم لتدخين الابنة، يمثل سلوكًا شذوذيًا لايجدر تعميمه على كافة الفتيات في المجتمع، حيث أنه سلوك فردي ينبع من التربية وصولًا لاندماج الحضارات والانفتاح الخاطئ.

 

المشكلات الاجتماعية تؤثر سلبًا على الفتاة

 

ومن جانبها، قالت الدكتورة إيناس عبدالفتاح، أستاذ علم النفس بآداب عين شمس، إن الفتاة التي تلجأ للتدخين غالبًا ما يراودها شعور بالنقص، ومحاولة للفت انتباه جميع من حولها.

 

وأشارت "عبدالفتاح" ، إلى أن هذا النوع من الفتيات يعاني من مشكلات نفسية واجتماعية كانفصال الوالدين، وعدم وجود أهداف محددة لدى الفتاة، إلى جانب توافر المال بكثرة في سن المراهقة، وهو الأمر الذي يزيد من انحرافها.

 

  دور التقليد الأعمى في تفشي الظاهرة

 

وقالت سامية عبد العزيز، خبيرة الشئون الأسرية، إن عادة التدخين لدى الفتيات، سببها الأول هو التقليد، وبالأخص فترة المراهقة، لافتة إلى أنه للأصدقاء دور فعال في ذلك التقليد الذي يحمي الفتاة من أن تصبح شخصية منبوذة بينهم.

 

وأوضحت "عبدالعزيز" في تصريح خاص لـ"الفجر" أن الآباء والأمهات هم القدوة الأولى في حياة أبنائهم، ففي حال كانوا يمارسون عادة التدخين أمامهن يعود الأمر بالضرر عليهم وانحدار الصحة بسبب التقليد.

 

ولفتت إلى أن المحتوى الذي تقدمه الدراما المصرية والأفلام السينمائية، والذي يتضمن مشاهد لتدخين الفتيات، أدى لزيادة اهتمام المراهقات بفكرة التدخين، ودفعهن لخوض التجربة، مستغلين عدم وجود رقابة تحكم الظاهرة في الكافيهات لسن المراهقة.

 

وأردفت خبيرة الشؤون الأسرة، أن الأنشطة الرياضية والتطوعية تعد أبرز ما يساهم في الحد من الظاهرة، حيث يساعد المراهقات خصوصًا والفتيات بشكل عام على تفريغ الطاقة، والامتناع عن الانسياق خلق السلوكيات المنبوذة.

 

 المخاطر الصحية للظاهرة

 

حذرت الدكتورة زينب محمد، أخصائية النساء والتوليد، من مخاطر التدخين والأضرار الصحية الناجمة عنه، والتي تصيب المراهقات خصيصًا والفتيات بشكل عام.

 

وأشارت "زينب"، إلى أن التدخين يؤثر على الإنجاب لدى الفتيات في مرحلة الزواج، بسبب تراكم أضرار التدخين على صحة الفتاة، موضحة أن هذا الأمر يؤثر سلبًا على الدورة الدموية.

 

ونوهت أستاذة النسا والتوليد، إلى أن زيادة معدل التدخين للشيشة والسجائر، يزيد نسبة السموم في جسم الفتاة.