د. نصار عبدالله يكتب: السيف والنار فى السودان "1"

مقالات الرأي



كتاب: «السيف والنار فى السودان»، واحد من أهم الكتب التى تعد مصدرا شديد الأهمية لأحوال لمجتمع السودانى عموما، وللتاريخ السودانى فى مرحلة مهمة من مراحله وهى المرحلة التى سبقت وعاصرت قيام الثورة المهدية، وهى تلك الثورة التى رغم انكسارها مازالت أصداؤها الفكرية والسياسية قائمة فى السودان حتى الآن. مؤلف الكتاب هو سلاطين باشا، وهذا هو ليس اسمه الأصلى فهو ضابط نمسوى استدعاه ضابط أعلى كان يعمل فى خدمة الحكومة المصرية هو جوردون ورشحه لكى يعمل بدوره فى خدمتها فى أحد الأقاليم التابعة لها فى السودان، وبناء على ذلك الترشيح منحته الحكومة المصرية لقب باشا وعينته حاكما على دارفور، وإذا كان سلاطين باشا قد نجح بالفعل فى تقديم إنجازات عسكرية باهرة للحكومة المصرية قبل أن يقع فى أسر المهديين ويضطر إلى التظاهر بأنه قد اقتنع بتعاليم الإمام المهدى وخليفته عبدالله التعايشى ومن ثم يعلن إسلامه ويواظب على إقامة الفروض الإسلامية، قبل أن يتمكن من الهرب إلى مصر والعودة إلى أكناف الخديو توفيق!، إذا كان سلاطين باشا قد نجح فى الكثير من المهام العسكرية التى كلف بها قبل أن يقع فى الأسر، فإن إنجازه الأهم فى اعتقادى هو تأليفه لهذا الكتاب الذى يجمع فيه ما بين فن السيرة الذاتية الممتع، وإيراد الحقائق التاريخية التى تؤيدها مصادر تاريخية أخرى فى أغلب الأحيان، وهو ما يضفى عليها قدرا من المصداقية فى هذه الحالة، وإن كان بعضها مما انفرد به يفتقر إلى التوثيق، لكنه على أية حال يمكن اعتباره كشهادة وردت على لسان صاحبها، وهو فى الحالين لا غنى عنه لأى باحث تاريخى أو أى مهتم بالشأن السودانى أو حتى أى قارئ عادى يبحث عن كتاب حافل بالمواقف الغنية بالإثارة والتشويق وهو ما يتمثل فى كل فصل من فصوله تقريبا. ولقد ترجم هذا الكتاب لأول مرة بمعرفة جريدة البلاغ السودانية التى قامت بتعريبه، ثم قامت بعد ذلك بطبع وتوزيع الطبعة الأولى بمكتبة الحرية بأم درمان عام 1930، أما الطبعة الثانية فقد صدرت فى مصر عام 1999عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة تاريخ المصريين (العدد 161) وهى السلسلة التى كان يشرف عليها الدكتور عبدالعظيم رمضان رحمه الله التى قدمت إلى المكتبة المصرية كثيرا من الروائع ومن بينها هذا الكتاب الذى أتمنى أن يعاد طبعه فى سلسلة مكتبة الأسرة لما تتسم به أسعار تلك المكتبة من ثمن زهيد يجعلها فى متناول الكثيرين، ولعل من الأحداث الطريفة التى يرويها لنا المؤلف عندما تولى حكم دارفور أن طائفة من التجار طلبوا منه أن يتوسط فى مسألة شاب عمره 19 سنة أصله من الخرطوم أحب ابنة عمه الجميلة وتواعدا على الزواج بعد أن يسافر الشاب فى تجارة يجمع منها بعض المال، وعندما وصل الشاب إلى مدينة شنجة التقت به عجوز ثرية وافتتنت به افتتانا شديدا فطلبت منه أن يتزوجها ففعل، وبذلك أصبح ثريا وأقام فى شنجة بدلا من أن يرجع إلى الخرطوم، وعندما بلغت تلك الأخبار ابنة عمه استولى عليها الذهول وطلبت من أقاربها التجار أن يطلبوا من الحاكم (سلاطين باشا) أن يتوسط فى المسألة، وقام الحاكم باستدعاء الشاب الذى كان وسيما جدا، وقال له إن خطيبته السابقة تبكى حتى كاد يذهب بصرها، وإنها وإن كانت فقيرة إلا أن الشرف يوجب عليه أن يرعى المودة والعهد الذى هو بينهما، وتردد الشاب قليلا ثم قبل أن يذهب إلى القاضى لكى يطلب منه تطليق العجوز، وعندئذ طلب الحاكم استدعاء القاضى وطلب منه أن يبلغ العجوز بالطلاق بكل رفق وحكمة وكياسة حتى لا تثور وتسبب المتاعب، ويمضى سلاطين فى حكايته فيقول: «عندما كنت فى الرابعة منسطحا فى العنجريب فى عشتى سمعت صوت امرأة غاضبة ترغب فى أن ترانى، فحدست من تكون، وأمرت بدخولها، وعندما دخلت صاحت وهى هائجة: لن أقبل الطلاق..هو زوجى وأنا زوجته..تزوجته طبقا لأحكام الشريعة !..كان وجهها يضرب إلى الصفرة، وكان معلقا بأنفها قطعة من المرجان الأحمر وفى خديها قرطان كبيران من الذهب، ومع هذا فقد كانت تبدو شديدة الدمامة، وتركها الحاكم قليلا حتى هدأت ثم قال لها: تقولين إنك تزوجت طبقا للشريعة.. هل نسيت أن الشريعة تبيح للرجل الطلاق؟...صاحت: لولم تتوسط أنت لما طلقنى..لعن الله اليوم الذى جئت فيه إلى بلادنا..قال لها: ألا تخجلين من الزواج بواحد فى عمر أحفادك؟.. وعندما سمعت هذه العبارة جن جنونها وهمت بأن تفتك به، فأمر بإعادتها إلى شندة وتحريم دخولها إلى الخرطوم لحين إشعار آخر.