أسرار وتفاصيل الأزمات المكتومة بين "المالية والمركزي"

العدد الأسبوعي

أرشيفية
أرشيفية


خطاب المركزى للبنوك بشأن الحجز الإدارى على الممتنعين عن سداد الضريبة العقارية لا يخص الأفراد


شهدت العلاقة بين المجموعة الوزارية الاقتصادية خلال السنوات القليلة الماضية، حالة من التوتر وعدم الانسجام، ولا تسير علاقات المجموعة مع البنك المركزى على وتيرة واحدة، فغالبا ما تحدث أزمات وخلافات واعتراضات على سياساته وقراراته النقدية، ومدى تأثيرها على أداء الحكومة.

وتأتى وزارة المالية على رأس وزارات المجموعة الاقتصادية التى يتقاطع عملها مباشرة مع البنك المركزى، لأنها مسئولة عن السياسة المالية للدولة وملفات العجز والدين العام، والملفات التى تزيد مواردها، وأهمها الضرائب، وهو ما ترتب عليه حدوث مجموعة من الخلافات المكتومة بين الطرفين.

وظهرت حدة تلك الخلافات فى الأزمة الخاصة بمقترح قانون الكشف عن سرية الحسابات البنكية، للحد من التهرب الضريبى، وذلك خلال الأسبوع الماضى، رغم توقع الكثيرين بأن تولى الدكتور محمد معيط، مسئولية وزارة المالية، ينهى كل الأزمات المالية مع الجهاز المصرفى.

وكانت أول خطوات «معيط» للتأكيد على تلك التوقعات، هى تشكيل لجنة للتنسيق مع البنك المركزى فيما يخص السياسات المالية والنقدية، عقب اجتماعه مع محافظ البنك المركزى، طارق عامر، ونائبيه جمال نجم ولبنى هلال، وكان من المقرر أن تجتمع اللجنة مرة شهرياً على الأقل، للتعامل السريع مع ما يخدم الاقتصاد.


1- منع نقل الأرباح وراء أزمة سرية الحسابات

ومن جديد تكشف أزمة سرية الحسابات البنكية، عن غياب التنسيق بين المالية والمركزى، وأكدت على عدم وجود دور لتلك اللجنة، حيث تسببت تصريحات عماد سامى - رئيس مصلحة الضرائب، حول وجود مقترح بتعديل تشريعى يسمح لوزير المالية بالكشف عن الحسابات المصرفية للشركات والأفراد، حالة من الثورة فى البنك المركزى.

وسارع المحافظ بالتعليق على التصريحات، نافيا المساس بحسابات العملاء، وذلك بعد أن شرح رئيس مصلحة الضرائب، أن المقترح هو تعديل المادة رقم 99 من قانون الدخل، بما يسمح للوزير بالكشف عن الحسابات، بما لا يتعارض مع قانون البنك المركزى، وذلك للحد من التهريب الضريبى لمن يقدمون بيانات غير واقعية، حيث ستتم مطابقتها مع حساباتهم البنكية.

وكانت مصر قد وقعت 64 اتفاقية دولية لمكافحة التهرب والازدواج الضريبى، آخرها اتفاقية منع نقل الأرباح، ومكافحة تآكل الوعاء الضريبى خلال 2017، مع دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية بباريس، والتى اقترب موعد التوقيع النهائى لها خلال أكتوبر المقبل، وذلك حتى تستفيد مصر من المعايير الدولية فى المكافحة، من خلال تتبع تحويل الأرباح من دولة لأخرى، أو تحويلها لدول الملاذات الضريبية التى لا يوجد بها نظام ضريبى.

وتعمل الاتفاقية على مكافحة التهرب الضريبى من أرباح النشاط التجارى والصناعى وتوزيعات الأرباح الرأسمالية، والذى تقوم به بعض الشركات المصرية العاملة بالخارج، مثل شركات أوراسكوم، والسويدى، والمقاولين العرب، حيث تستخدم اتفاقيات منع الازدواج الضريبى فى التهرب من خلال دفع ضرائب الدولة ذات النسبة الأقل، فى حين يلجأ بعض الشركات لإنشاء شركات فى دولة أخرى تعمل فيها الاتفاقية على تخفيض الضرائب إلى نسبة صفرية.

وتسعى مصر لزيادة إيراداتها الضريبية من خلال توسيع قاعدة الممولين، ومحاولة دمج الاقتصاد غير الرسمى، وإصدار عدة تعديلات تشريعية لزيادة موارد الدولة.

وسرعان ما خرج رئيس مصلحة الضرائب، ووزارة المالية، ببيانات رسمية تؤكد أن تصريحات سامى تمت صياغتها على خلاف المقصود، وأن المصلحة والوزارة يحترمان سرية الحسابات البنكية، وقانون المركزى.


2- عقوبات المنشآت سبب أزمة الضريبة العقارية

سبق الأزمة الساخنة لسرية الحسابات، أزمة أخرى جعلت الحكومة تسارع بنفى الحجز على أموال المودعين الممتنعين عن سداد الضريبة العقارية، بعد تداول صورة خطاب موجه من البنك المركزى، يطالب فيه البنوك بتنفيذ أى طلبات قد ترد من مصلحة الضرائب العقارية، للحجز على حسابات بعض العملاء، وفقا لإجراءات قانون الحجز الإدارى.

وحمل الخطاب توقيع وجيه السعدنى - وكيل المحافظ المساعد لقطاع الشئون الفنية، وسرعان ماخرج محافظ المركزى ليؤكد أن الخطاب لا يعتد به، وأن المحافظ ونائبه للرقابة على البنوك، هما المفوضان فى التوقيع، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب من عملاء البنوك، ولا حتى الحكومة.

وبالرغم من هذا النفى، إلا أن سامية حسين - رئيس مصلحة الضرائب العقارية، كشفت فيما بعد أن الخطاب حقيقى، وأنه لا يخص الممولين الأفراد، لكنه يتعلق بالمنشآت الاقتصادية، سواء كانت صناعية، أو تجارية، والمتقاعسة عن سداد الضريبة منذ عام 2013.


3- خلافات تاريخية تعيد شائعة ضريبة الودائع

بعد انتهاء أزمتى الضريبة العقارية، والكشف عن سرية الحسابات البنكية، سارعت الحكومة ممثلة فى وزارة المالية لنفى شائعة أخرى مدمرة للاقتصاد، وتخص فرض ضرائب على ودائع المصريين فى البنوك، أو الفوائد المتحققة عبر الأوعية وشهادات الادخار.

وبالرغم من أن تلك الشائعة يتم اثارتها من حين لآخر، إلا أن وزير المالية خرج هذه المرة ليؤكد على أنه لم يتم التطرق للفكرة على الإطلاق بين الوزارة والبنك المركزى، فى أى وقت، مشيرا إلى ضرورة مكافحة الشائعات فى الفترة الحالية.

لكن حقيقة الأمر أن مصدر الشائعة يعود إلى خلافات تاريخية بين مصلحة الضرائب والبنوك، أو الجهاز المصرفى، حول عدة أنواع من الضرائب، مثل ضريبة الدمغة النسبية، وضريبة القيمة المضافة، والضريبة على الاستثمار فى أذون الخزانة، والضريبة العقارية، ومن ضمن تلك الخلافات كانت أزمة خضوع ودائع البنوك للضرائب.

وشكلت منذ شهور لجنة مشتركة بين اتحاد البنوك ومصلحة الضرائب، لحسم تلك المنازعات الضريبية، ومنها ماهو قائم ومحل نزاع قضائى منذ سنوات، وحسمت اللجنة أزمة خضوع الودائع لضريبة الدمغة النسبية، حيث تم إعفاء ودائع الأفراد، بينما خضعت ودائع الشركات للضريبة.

وتم الاتفاق أيضا على إعفاء التسهيلات الائتمانية التى يجرى منحها بضمان الودائع، أو شهادات الادخار من الضريبة، فيما تخضع التسهيلات الائتمانية التى يجرى منحها بضمان البضائع للضريبة.


4- 17 مليار جنيه حصيلة فض المنازعات مع البنوك

ويبدو أن اللجنة المشكلة ستنهى الأزمات المكتومة بين المالية والمركزى، فى القريب العاجل، حيث سيتم توقيع اتفاق يتضمن حقوق الطرفين، ويحل النزاعات القائمة بشأن تطبيق ضريبة الدمغة الصادرة عام 1980، والضريبة على الدخل.

وتضم اللجنة أسامة توكل - مستشار وزير المالية لشئون الضرائب، وعبد العظيم حسين - رئيس مركز كبار الممولين، وشريف جامع - مدير عام اتحاد البنوك، محمود الخولى - منسق لجنة الضرائب باتحاد البنوك، وغيرهم.

وتلتزم البنوك الموافقة على الاتفاق، بتقديم كشف يتضمن المنازعات القائمة بينها وبين مصلحة الضرائب، فيما يخص ضريبة الدمغة، وتلتزم المصلحة بقيد الطلبات، أو إحالتها إلى لجنة إنهاء المنازعات، قبل انتهاء المدة المقررة لقانون فض المنازعات الضريبية.

وحسب فتحى شعبان - مستشار وزير المالية للشئون الضريبية، المشرف على لجان فض المنازعات الضريبية، فإن هناك 1000 نزاع ضريبى مع البنوك، ويجرى الاتفاق على ضريبة الأرباح التجارية، وتوقيع بروتوكول منفصل بشأنها، مقدرا حصيلة إنهاء تلك الخلافات بنحو 17 مليار جنيه.

وطلبت البنوك خفض قيمة الضريبة على أذون الخزانة، والتى ينص عليها قانون ضريبة الدخل، وذلك لتحفيز البنوك على الاستثمار فى أدوات الدين المحلية، وإتاحة فرصة لخفض أسعار الفائدة المطروحة على أدوات الدين.

وأقرت وزارة المالية إعفاء ضريبيا للخدمات البنكية، من القيمة المضافة على الأنشطة المصرفية التقليدية، التى لا يسمح لغير البنوك بمزاولتها، فيما تخضع الأعمال التى تشارك فيها منشآت أخرى غير البنوك للضريبة.

وكانت الوزارة قد قالت إن البنوك تقدم خدمات تجارية غير مصرفية، يجب أن تخضع لضريبة القيمة المضافة، مثل خدمات تأجير الخزن الحديدية، ونشاطات أمناء الاستثمار والحفظ، وتقسيط السيارات، وهو ما أثار اعتراضات البنوك.

وفيما يخص الضريبة العقارية، قدمت البنوك 13 اعتراضا عليها، على رأسها ضرورة عدم احتسابها على الأصول التى تؤول ملكيتها للبنوك، نظير مديونياتها متعثرة، إلا بعد انقضاء 5 سنوات، حددها المركزى للتصرف فى تلك الأصول.

وطلبت البنوك عدم خضوع الأراضى الفضاء التى تمتلكها كأصول، أو التى آلت ملكيتها كسداد عينى من العملاء للضريبة، وتوقف المصلحة عن إصدار انذارات الحجز الإدارى على البنوك، مع أحقية الأخيرة فى الطعن على تقدير الضريبة.

وتمتلك البنوك أصولاً عقارية نتيجة التسويات العينية بمبالغ طائلة، فبنكا الأهلى ومصر يمتلكان أصولاً عقارية بأكثر من 10 مليارات جنيه، ويمتلك البنك العقارى المصرى العربى، أصولاً بأكثر من 3 مليارات جنيه.