د. نصار عبدالله يكتب: اعتذار واجب لذكرى: ممدوح مرعي

مقالات الرأي



فى لقاء جمع بينى وبين مسئول كبير بالمجلس الأعلى للإعلام، .. قال لى المسئول الكبير الذى تربطنى به صداقة قديمة إنه مندهش جدا مما نشرته بتاريخ 21/10 الماضى فى مقالى الأسبوعى بإحدى الصحف اليومية متعلقا بالمستشار ممدوح مرعى، قال لى إننى قد استخدمت فى مقالى أسلوبا مسيئا لم يعهده قبل منى، خاصة فى العنوان الذى هو صادم بكل المعايير فضلا عن أن المصادر التى اعتمدت عليها والتى استقيت منها ما ورد فى مقالى والتى وصفتها بأنها موثوقة ما هى فى الحقيقة إلا مصادر غير موثوقة على الإطلاق، بل إنها على الأرجح: إما مصادر مغرضة تستهدف تصفية حسابات خاصة بها، أو أنها مصادر تحاول الظهور بمظهر المطلع على بواطن الأمور، بينما الحقيقة التى يعلمها هو شخصيا على وجه اليقين تتمثل فى النقيض تماما مما نقلته عن تلك المصادر!! فهو يعرف المستشار ممدوح مرعى معرفة شخصية وثيقة منذ زمن طويل، وإن أول ما كان يتسم به سيادته هو أنه إنسان دمث ومهذب، وكم كان يتمنى قبل رحيله أن تتاح له الفرصة فى يوم من الأيام لكى يعرفنى به شخصيا فأقف بنفسى على مدى أدبه الجم، ومدى طيب خلقه،...صحيح أن ممدوح مرعى كان بطلا من أبطال الملاكمة والمصارعة، لكنه شأنه فى ذلك شأن سائر الأبطال الحقيقيين لم يكن ليستخدم العنف قط مع أى إنسان كائنا ما كان فضلا عن أن يكون هذا الإنسان قاضيا، وسيادته رحمه الله لم تغادره تلك السمات قط طيلة حياته، سواء أثناء عمله بالتفتيش القضائى، أو قبل ذلك، أوبعده، بل إنه كان يلجأ دائما إلى الحوار حتى مع من يسيئون إليه، وهذا هو واحد من الأسباب التى جعلت عرى المودة والتقدير تنعقد بينه وبين سائر أعضاء الجهاز القضائى، «وذلك إذا ما استثنينا فصيلا بعينه يتمثل فى بعض المنتمين إلى تيار معين يخلط بين الدين والسياسة، فهؤلاء دأبهم فى أغلب الأحوال، إن لم يكن فى جميعها، أنهم لا يتعففون عن استثمار مواقعهم الوظيفية أيا ما كانت فى خدمة تيارهم السياسى»، وأضاف المسئول الكبير والصديق القديم قائلا: لهذه الأسباب فإنه يرى أن الاعتذار واجب ينبغى أن أبادر إليه إلى سائر أحباء الراحل بوجه عام، وإلى الأسرة القضائية بوجه خاص، ...قلت للصديق القديم، قد يدهشك أنت أن أقول لك إنى قد بادرت ومن نفس المنطلقات تقريبا التى تفضلت بإيرادها، قد بادرت إلى الاعتذار فعلا، ولكن الصحيفة التى نشرت المقال لم تنشر الاعتذار!! معللة عدم نشرها بأن هناك بلاغا ضدى قد تم تقديمه بالفعل من قبل رئيس نادى القضاة إلى النائب العام وقد أسفر التحقيق فيه عن صدور قرار بإخلاء سبيلى بضمان مالى، والحقيقة أن هذا العذر لم أستطع فهمه لأن تقديم البلاغ وانتهاء التحقيق فيه، أدعى إلى نشر الاعتذار لا إلى حجبه عن النشر، خاصة أن بعض أصحاب المساعى الخيرة من داخل الجهاز القضائى ذاته تسعى حاليا إلى إنهاء الأزمة تماما بالشكل الودى، وقد حبذ أنصار تلك المساعى الخيرة نشر الاعتذار كمدخل فعلى وفعال إلى التصالح، ولا أظن أن تلك العناصر القضائية وهى أكثر إلماما بالقانون من سواها، لا أظنها تجهل الحجة التى تعللت بها الصحيفة وإلا لما كان نشر اعتذار طلبا من طلباتها..ما هو أهم من ذلك كله هو أن الاعتذار عن الخطأ وجل من لا يخطئ هو واجب فى حد ذاته بغض النظر عن الإجراءات التى قام بها أو سيقوم بها نادى القضاة أو غير نادى القضاة.. إنها واجب فى حد ذاته لأن تقديم الحقيقة الدقيقة الخالصة هى أول واجبات الكاتب بغض النظر عن أى اعتبار آخر، وعندما يحدث لسبب أو آخر أن يخطئ الكاتب فى إيراد معلومة ما (وهذا أمر وارد بالنسبة لجميع الكتاب)، فإنه يتعين عليه أن يبادر إلى تصحيح المعلومة حينما تتبين له الحقيقة، وأنا لا أزعم أنى لم أخطئ فى حياتى أو فى كتاباتى قط، لكننى أزعم أنى لم أترك قط معلومة غير صحيحة ترد فى أى مقال من مقالاتى، تمر بدون تصحيح، وأن هذه قاعدة قد التزمت بها منذ أن بدأت الكتابة والنشر منذ نصف قرن أو ما يزيد قليلا على نصف القرن، صحيح أن اعتبارات جاذبية الأسلوب وجاذبية العنوان هى من بين الاعتبارات المطلوبة فى الكتابة، ولكن عندما تتعارض متطلبات الجاذبية مع متطالبات الحقيقة، فإن الحقيقة هى التى ينبغى أن يكون لها الأولوية التى تجب أى أولوية أخرى..من هنا فإننى مرة أخرى أكرر اعتذارى الخالص لذكرى المستشار الجليل ممدوح مرعى ولكل أحبائه وزملائه وأبنائه من أعضاء الهيئة القضائية الموقرة.