عمليات الرئات الصناعية تهدد حياة أطفال مصر (تحقيق)

تقارير وحوارات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


أزمة جديدة وطارئة في بعض المستشفيات بمصر تهدد قلوب الآلاف من الأطفال نتيجة نقص الفلاتر والرئات الصناعية، تتعالى أصوات الأطباء والحقوقيين المهتمين بمجال الصحة بتفاقم الأزمة وتوقفت العمليات بسبب نقص تلك المستلزمات الطبية، بينما تنفي وزارة الصحة الأمر وتؤكد أن المستشفيات لديها المخزون الكافي من المستلزمات ولا توقف لأي عمليات.

للفصل بين ما أكده الأطباء وردود وزارة الصحة، قامت "الفجر" بالبحث والتحري، للتعرف عن قرب تفاصيل الأزمة لكشف حقيقة وجود نقص يهدد أطفال مصر، لإزالة العقبات التي تواجههم حفاظًا على حياتهم.

دكتور خالد سمير، أستاذ جراحة القلب بمستشفى عين شمس، قال إن الأطفال المصابين بعيوب في القلب يتراوح عددهم من 50 لـ60 ألف طفل سنويًا، 30 ألف من بينهم ولدوا بعيوب خلقية، والآخرين أصيبوا بعيوب مكتسبة، موضحًا أنه من بينهم 12 ألف طفل يحتاجوا لإجراء عمليات في القلب، مؤكداً أن كافة مستشفيات ومراكز القلب في مصر تقوم بإجراء 5 آلاف عملية منهم فقط سنويًا، ومستشفى أطفال مصر التي تعتبر أكبر مركز لجراحة قلب الأطفال في مصر كانت تجري 1500 عملية منهم بمعدل 5 عمليات يوميًا، ولكن في السنوات الأربع الأخيرة قلَ ذلك العدد ووصل لـ800 طفل فقط حتى وصل معدل العمليات اليومية من 3 لعمليتين، منوهًا أن سبب قلة العمليات هو نقص العاملين في المجال الصحي المتعاقدين مع هيئة التأمين الصحي لقلة مرتباتهم الأمر الذي جعل الدكتورة سهير رئيس هيئة التأمين الصحي تقوم بزيادة المرتبات مؤخرا، والسبب الثاني هو نقص المستلزمات الطبية التي يحتاجونها في العمليات.

ويشير سمير، في تصريحاته لـ"الفجر"، إلى أن السبب الثاني هو الذي أدى لوقف عمليات القلب للأطفال الرضع في مستشفى أطفال مصر منذ شهر، حيث أنه لا يوجد رئات صناعية للأطفال أقل من 8 كيلو، موضحًا أنه لم يتبق في المستشفى سوى رئات صناعية لأوزان فوق 40 كيلو، ولن يكفي المخزون المتبقي منها لأكثر من ثلاثة أشهر فقط.

ويضيف أستاذ جراحة القلب، أن توفير مستلزمات عمليات القلب في المستشفى حاليًا يتم الاعتماد فيها على أموال التبرعات ومن فائض مستلزمات مركز مجدي يعقوب لجراحة القلب في أسوان من التبرعات، منوهًا إلى أن أخر مجموعة رئات صناعية دخلت مصر 250 رئة تم توريدها لمركز مجدي يعقوب، ومستشفى أطفال مصر لا يوجد بها رئات للرضع وللاطفال أقل من 40 كيلو، ويشير إلى أن تلك الأزمة بسبب خلافات بين الحكومة وبين شركات استيراد المستلزمات الطبية، على الأسعار الأمر الذي جعل الشركات تتوقف عن استيراد الرئات الصناعية، ومنها توقفت عمليات القلب بالمستشفى.

وبالتواصل مع إحدى الشركات المستوردة للمستلزمات الطبية، أكدوا أن الشركات توقفت عن تخزين الرئات الصناعية وتقوم بشرائها بالطلب من المستشفيات، موضحين أن الشركات لديها أزمة بين الحكومة بسبب قلة الأسعار التي يشترون بها المستلزمات من خلال المناقصات الأمر الذي جعلهم يتوقفون عن الاستيراد الائم كما كان في الماضي.

وبمواجهة دكتور ياسر فوزي مدير مستشفى أطفال مصر، رفض الرد قائلاً: "أي حاجة عايزين تعرفوها كلموا رئيس هيئة التأمين الصحي، أنا معنديش تعليق".

ومن جهتها نفت دكتورة سهير عبد الحميد، رئيس قطاع التأمين الصحي، توقف عمليات القلب، بسبب وجود نقص في الرئات الصناعية والفلاتر، مؤكدةً أن جميع المستلزمات متوفرة في المخازن، موضحة أن مستشفى أطفال مصر أجرت 230 جراحة للأطفال خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين، وفيما يخص كلام دكتور خالد سمير قالت: "هذه ادعاءات غير صادقة يدعيها دكتور خالد لاننا مشيناه من المستشفى نتيجة تكرار أخطاء في عمليات الأطفال الخاصة به".

وللفصل بين ما قاله دكتور خالد، وما أشارت له الوزارة قمنا بجولة ميدانية لمستشفى أطفال مصر، هناك التقينا بالطفل أحمد جمال، وعمره عام ونصف، يعاني من عدة مشاكل في القلب، يحتاج لجراحة قلب مفتوح ولكنه يترقب دوره في قائمة الانتظار بالمستشفى منذ خمسة أشهر بسبب نقص الرئات الصناعية والفلاتر، حالة الطفل تسوء يومًا بعد يوم حتى أصبح أقرب للموت فملامح وجهه تميل للشيخوخة بدلاً من ملامحه الطفولية فعظام وجهه بارزة وشفتيه زرقوان.

"الدكاترة قالولي إحنا معندناش إمكانيات في مصر والمفروض يتعالج 12 ألف طفل في السنة، إمكانيات المستشفى بتكفي نعالج ألف والباقي بيموت".. بتلك الكلمات تمتمت والدة الطفل أحمد، وهي تبكي، مشيرةً إلى أنها بين اللحظة والثانية تنتظر وفاة صغيرها، حيث أن مستشفى أطفال مصر يؤجلون لطفلها العملية، وحالته تزداد سوءًا ومع ذلك لم يعجلون بها بحجة نقص المستلزمات.

والتقينا أيضًا بالطفلة مريم إسلام، عمرها 4 سنوات، تعاني من عيب خلقي في القلب، تقول والدتها إن معاناة مريم بدأت منذ عام وهي تتردد على مستشفى أطفال مصر، موضحةً أن طفلتها خضعت لعملية قسطرة، ولكنها لم تحل مشكلتها، وأكد الطبيب أنها بحاجة لإجراء عملية قلب مفتوح، وتشير الأم أنها على مدار أربعة أشهر تتردد يوميًا على المستشفى لتحديد موعد لإجراء العملية للطفلة، ولكن المستشفى تؤجل لها الميعاد بحجة عدم وجود المستلزمات الخاصة بالعملية.

أما في مستشفى أبو الريش، أكبر مستشفى أطفال في الشرق الأوسط، قمنا من خلال مكتب التبرعات بمحاولة معرفة المستلزمات الناقصة في المستشفى بحجة التبرع لمعرفة إذا كانت الرئات الصناعية مدرجة ضمن النواقص، ولكننا فوجئنا أن احتياجات قسم القلب سرنجات محاليل وجهاز تدفئة، وبسؤال المسئولة عن الرئات الصناعية نفت وقالت: "كلام الفيسبوك غير حقيقي إحنا معندناش نقص في الرئات الصناعية".

خرجنا من مكتب التبرعات وتوجهنا بعد ذلك لقسم القلب، وهناك وجدنا أن الأطفال فيها الموجودين في قائمة الانتظار لإجراء عمليات القلب تقوم إدارة المستشفى بطردهم بسبب نقص المستلزمات الطبية، حسب ما أكد لنا علاء والد واحدة من الأطفال المحجوزين بالمستشفى، كما أشار لنا أنه بعد إبلاغهم بموعد العملية منذ شهرين، وحجز الطفلة لتجهيزها للعمليات، طلبت منهم إدارة المستشفى المغادرة لحين تحديد ميعاد آخربسبب نقص الرئات الصناعية، ويقول الوالد أنه لولا تدخل دكتور إيهاب الطاهر أمين عام نقابة الأطباء لكانت الطفلة في الشارع تنتظر تحديد ميعاد آخر للعملية.

أما الطفلة الخديجة، التي لم يتخطى عمرها الـ3 سنوات، تقول والدتها أن إدارة المستشفى تحاول إقناعها بتأجيل العملية إلى ان تقوم بتوفير الرئات الصناعية، موضحةً أن خديجة خضعت لعملية قبل عملية القلب المفتوح التي ينتظرون تحديد ميعاد لها منذ أربعة أشهر، وهي عملية شفط للصديد، مشيرةً إلى أنهم تحملوا تكاليف تأجير الجهاز لأنه كان غير متوفر بالمستشفى، مؤكدة أنه لولا ذلك لكانت طفلتها ماتت وانضمت لقائمة الأطفال الذين يموتون بسبب تأجيل عملياتهم.

وعلى عكس كلام مسئولة قسم التبرعات بالمستشفى أكدت إحدى الممرضات أن عمليات القلب متوقفة في المستشفى بسبب نقص الرئات الصناعية والفلاتر والوصلات الشريانية، موضحة أن سياسة إدارة المستشفى هي التي تمنع مسئولة قسم التبرعات من تأكيد وجود نواقص في تلك المستلزمات، حيث أن الحديث عن وجود نواقص في الرئات الصناعية ممنوع التصريح به لأي شخص خارج المستشفى.

وبالتواصل مع دكتورة كريمة، مدير قسم جراحة القلب بمستشفى أبو الريش، بصفتنا متبرعين، أكدت لنا أن المستشفى تعاني نقص الرئات الصناعية حيث أن الرئات المتوفرة حاليًا تكفي لعدد خمس أفراد فقط، وانهينا الحديث بعد الاتفاق على انها سوف تقوم بمراجعة شركات الخاصة ببيع المستلزمات الطبية التي أكدت لنا أنهم 4 شركات فقط في السوق المصري لشراء الرئات الصناعيةن لمعرفة تكلفة الرئة الواحدة لتحديد عدة الرئات التي سنقوم بالتبرع بهم لصالح المستشفى.

وخلال الاتفاق، قالت الدكتورة أن أخر رئات صناعية دخلت المستشفى كانت 25 رئة من أحد المتبرعين الذين قاموا بالتبرع لصالح مستشفى مجدي يعقوب لجراحة القلب، حيث أنه بسبب النواقص في مستشفى أبو الريش قاموا بأخذ جزء من الرئات الصناعية الخاصة بمركز مجدي يعقوب.