الذهب الأبيض على الهاوية.. إجراءات حكومية غير كافية والمزارعون: "نزرعها بطاطس أحسن"

الاقتصاد

بوابة الفجر


"القطن فتح هنا البال إجمعوا خيره ملناش غيره يغنى البلد، ويهنى البال" كلمات كانت دائمًا ما تتردد على ألسنة الفلاحين أثناء مواسم حصاد القطن احتفالاَ ببشرى الخير والرزق، ولكن لم يستمر الأمر كذلك فمع الأزمات والمشاكل المتلاحقة باتت زراعة القطن في مصر تمر بأزمات عصيبة خلال المرحلة الراهنة، ليس بسبب عدم توافر المنتجات الزراعية اللازمة ولا مشاكل خاصة تواجه المحصول بعد زراعته، وإنما لأسباب أخرى تنوعت ما بين ضعف التسويق تارة وغياب الخطط الحكومية لتطوير استخدامات القطن المصري وزيادة معدلات صادراته للخارج تارة أخرى.

 عرف عن القطن المصري منذ القدم السمعة الحسنة من حيث كفائته وجودته وصلاحيته لكثير من أنواع الصناعات المختلفة ولا زال الذهب الأبيض يحتفظ بهذه السمعة الجيدة حتى الآن ولكن مع تعدد المشاكل التي تواجه قطاع الزراعة في مصر وعدم وجود خطط تسويقية واضحة للمحصول وترويجه وإعداده للريادة عالميًا،  أصبح القطن المصري في منافسة قوية مع غيره من الأقطان الأجنبية، منافسة لا يقدر على مواجهتها وحده مستعينيًا بكفاءئه وجودته لذلك كان لزامًا على الحكومة متمثلة في وزارة الزراعة التكاتف يدًا بيد مع المزارعين للحفاظ على قيمة لقطن المصري ووضعه في صداره الخريطة العالمية لصادارات القطن حول العالم.

 البداية كانت مع قرار الدولة متمثلة في مركز بحوث الزراعية، بوزارة الزراعة الخاص بزيادة المساحة من 220 ألف فدان عام 2016\2017 إلى 320 ألف فدان هذا العام، بواقع 100ألف فدان زيادة، تمهيدا لاستعادة العصر الذهبي للقطن المصري، وعليه في مارس من العام الماضي حددت الحكومة أسعار القطن بأن يكون قنطار الوجه القبلي بـ 2500 جنيها، والوجه البحري 2700 جنيها.

وبينما شرع المزارعون في زيادة المساحات المزوعة من القطن بعد وعود الحكومة بمزيد من التطوير والخطط الاستراتيجية، فجرت الشركة القابضة للنسج والغزل قنبلة بقرار عدم التعاقد مع المنتجين، الأمر الذي كان بمثابة كارثة حقيقة لجميع منتجى ومزاعى القطن في مصر ليس ذلك وحسب وإنما خسائر كبيرة للدولة تقدر بالملايين.

 في هذه الأثناء، تعالت أصوات العاملين في قطاع القطن وأمالهم المتعلقة بمجال زراعة وتصدير القطن المصري وإعادة ريادته عالميا وتوفير الحملات الترويحية والتسويقية اللازمة لهذا المنتج مطالبين بالأتي:

رفع الكفاءة الانتاجية لشركات الغزل والنسيج، حيث عبر العاملين عن استيائهم من الكميات الضئيلة التي تعتمد على إنتاجها الشركة القابضة للغزل والنسيج والتي تصل إلى 450 قنطار فقط وهى كمية ضئيلة جدًا لتلبية احتياجات السوق المحلية والتصدير العالمي، بحسب تعبيرهم.

لم تكن الكفاءة الانتاجية للشركات هى سبب استياء العاملين وحسب، وإنما كان اعتماد هيئة السلع التموينية على استيراد زيت العباد وزيت الصويا لاستخدامه في منتجاتها بدلًا من الاعتماد على زيت بذرة القطن المتوافر بكثرة من أكثر الأشياء التي أثارت استياء العمال، حيث تستورد هيئة السلع التموينية هذه الزيوت بما يقارب 10 مليارات جنيه سنويًا لتلبية احتياجاتها.

وفيما يخص توفير الدعم للشركات المنتجة والمصدرة طالب العمال بتخفيض معدلات الفائدة على التسهيلات الائتمانية للشركات والتي تصل إلى 22% الأمر الذي اعتبروه دعم استراتيجى من الدولة للنهوض بالقطن المصري.

جهود الدولة للحفاظ على الذهب الأبيض

كان للحكومة خطوات جادة في هذا الصدد منذ بداية عام 2017 تمثلت في إشراف وزارة الزراعة على جودة البذور وتوزيعها بشكل جيد للحصول على الجودة المطلوبة للمنتج النهائي، ورفع سعر توريد القطن إلى ما يزيد عن 400 جنيه عن الموسم السابق إلى أن وصلت القيمة إلى 2.700 حنيه للقنطار الواحد طويل التيلة و2.500 للقنطار متوسط التيلة.

 على الرغم من جدية وأهمية الخطوات السابقة إلا أنها لم تحقق النتائج المرجوة منها لم تكن كافية لانتشال القطن المصري من مستنقع الخسائر والاضمحلال فمازال هناك الكثير من المشاكل التي تحتاج إلى حلول قاطعة وتكاتف واضح، فمحاولات الدولة كانت من جانب واحد فقط وهو تحسين الانتاج وجودته كفائته ولكنها لن تهتم بالجانب التسويقي والترويجي اللازم للمنتج في الداخل والخارج ليحتل مكانه كأحد أشهر الأقطان على مستوى العالم.

جولة حول صادرات القطن المصري

تحتل كل من الهند وتركيا والصين وباكستان والبرتغال وبنجلادش قائمة أكبر مستورى القطن المصري على مستوى العالمى، حيث تستورد الهند وحدها ما يقرب من 50% من إجمالي صادرات القطن المصري بالكامل.

وعن استخدامات السوق المحلى فهي تصل إلى نحو 1.5 مليون قنطار من القطن الذي يتم توزيعه ما بين التصدير والاستخدامات المحلية.

نستشف من الجول السابقة وجود فائض كبير جدًا من إجمالى إنتاج القطن المصري يصل إلى 1.1 مليون قنطار بالإضافة إلى 900 ألف قنطار من إنتاج الموسم الجديد و200 الأف قنظار من مخزون الموسم الماضي، بحسب التقارير الصادرة عن وزارة الزراعة.

عماد أبو حسين النقيب العام للفلاحين يقول، إن الأزمة الحقيقة التي يواجهها محصول القطن في مصر هى عدم وجود خطط تسويقة واضحة وبالتالي ضعف الإقبال على الإنتاج حتى من الشركات المحلية التي تفضل الاتجاه للأقطان المستوردة منخفضة الأسعار.

أضاف "أبو حسين"، أنه على الرغم من أن زراعة وتجارة وتصنيع القطن من أكثر المجالات التي توفر فرص عمل وتسهم في حل مشاكل البطالة إلا أن الاهتمام بها ليس على المستوى المطلوب.

 ذكر عادل عبد العظيم رئيس معهد بحوث القطن بوزارة الزراعة، أن إجراءات الحكومة لم تساعد على حل الأزمة واللجنة التي تم تشكليها من وزارات الزراعة وقطاع الأعمال والصناعة لم تؤدى دورها المطلوب ولم تحقق النتائح المرجوة منها، معللًا ذلك بكثرة المعوقات التي تواجه المنتج في مصر والتي واجهت اللجنة أثناء عملها.

 في الإطار ذاته أبدى بعض المزراعين لـ"الفجر"، استيائهم من المشاكل المتلاحقة التي تواجهها زراعة القطن حيث تتطلب زراعة محصول القطن لمزيد من الاهتمام والجهد مقارنة بغيره من أكثر الزراعات الأخرى، قائلين "نزرعها بطاطس أحسن" متشهدهين في ذلك بالأزمة التي الأسواق في الفترة الراهنة من عدم توافر محصول البطاطس بشكل كافي وارتفاع أسعارها.

كما أعرب المزارعون عن أسفهم لذهاب كل ذلك الوقت والجهد سدى؛ نتيجة لعدم وجود مشترى للمحصول بعد زيادته وفقًا لقرار وزارة الزراعة أو اضطرارهم لبيعه بأقل من قيمته الحقيقة تجنبًا لمزيد من الخسائر.