فقه السنة النبوية‎

إسلاميات

فقه السنة النبوية‎
فقه السنة النبوية‎


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

ففي صحيح البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح صلاته فيقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، الله نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد .

قال العلماء: جمع بين الماء والثلج والبرد مبالغة في الإنقاء، لأن ما غسل بالثلاثة أنقى مما غسل بالماء وحده، فسأله أن يطهر التطهير الأعلى الموجب لجنة المأوى، والمراد: طهرني بأنواع مغفرتك. انتهى من تحفة الأحوذي.

وقال الحافظ في الفتح : قوله بالماء والثلج والبرد قال الخطابي: ذكر الثلج والبرد تأكيد أو لأنهما ماءان لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال، وقال ابن دقيق العيد: عبر بذلك عن غاية المحو، فإن الثوب الذي يتكرر عليه ثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء، قال: ويحتمل أن يكون المراد أن كل واحد من هذه الأشياء مجاز عن صفة يقع بها المحو، وكأنه كقوله تعالى : واعف عنا واغفر لنا وارحمنا. وأشار الطيبي إلى هذا بحثا فقال: يمكن أن يكون المطلوب من ذكر الثلج والبرد بعد الماء شمول أنواع الرحمة والمغفرة بعد العفو لإطفاء حرارة العذاب التي هي في غاية الحرارة، ومنه قولهم: برَّدَ الله مضجعه أي رحمه ووقاه عذاب النار. انتهى.

خص هذه الثلاثة بالذكر لأنها منزلة من السماء . انتهى من الفتح.

وقال في شرح النسائي : : اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج.. قال النووي: استعارة للمبالغة في الطهارة من الذنوب، قال الكرماني : فإن قلت العادة أنه إذا أريد المبالغة في الغاسل أن يغسل بالماء الحار لا بالبارد لا سيما الثلج ونحوه، قلت: قال الخطابي: هذه أمثال لم يحدد بها أعيان المسميات، وإنما أريد بها التوكيد في التطهير من الخطايا والمبالغة من محوها عنه... .

هذا الدعاء شبه الذنوب و الخطايا باﻷوساخ التي ينظفها الماء، فكيف تحدث عملية التنظيف بالماء ؟ عندما تعلق البقع و اﻷوساخ بالثوب تحدث قوى جذب بين القماش و اﻷوساخ تسمى علميا بقوى اﻻلتصاق والماء الذي اختصه الله تعالى بقدرة كبيرة على إذابة المواد بسبب الخاصية القطبية وخاصية التوتر السطحي له والتي تساعده في التغلغل داخل خيوط القماش )بالخاصية الشعرية ( فيخترق البقعة و يبلل القماش و بالتالي يذيب اﻷوساخ بعزل ايوناتها عن بعضها فتضعف قوى التجاذب بينها إذا كانت من النوع الذي يذوب في الماء. أما إذا كانت البقع دهنية وﻻ تذوب في الماء فان الماء ينقطع على شكل كرات وﻻ يبلل سطح النسيج ﻻن قوى اﻻلتصاق بين الماء و البقع اقل من قوى التماسك بين جزيئات الماء. لذلك يمكن غسلها بالماء و الصابون حيث إن محلول الصابون يقلل التوتر السطحي للماء فينتشر محلول الصابون على الدهون و يتفاعل معها مكونا مستحلباً دهنياً و تزداد قوى التجاذب بين الماء و البقع فتترك اﻷوساخ السطح العالقة به ..ولكن الدعاء أشار إلى طريقة أخرى للتنظيف وهي الثلج فكيف يكون الثلج وسيلة للتنظيف؟ كلنا نعلم أن الماء عندما يتجمد يصبح ثلجا عند درجة الصفر المئوي و تتغير طريقة ارتباط الجزيئات فتصبح مثل حلقة البنزين.. فهناك بعض اﻷوساخ التي ﻻ تزول بالماء أو بالماء و الصابون و ذلك ﻻن قوى اﻻلتصاق بين هذه البقع و القماش تكون كبيرة مثل بقع الشمع أو العلك على القماش. فعند وضع قطعة من الثلج عليها فان البرودة تعمل على تقارب جزيئات هذه المادة ) تنكمش ( فتقل قوى اﻻلتصاق بينها و بين القماش مما يؤدي إلى انفصالها ) و يمكن لكل منا تجربة ذلك في منزله . ( أما البرد فهو يتكون عند درجة حرارة اقل من الصفر المئوي فإذا كانت هناك أوساخ مستعصية فان البرد يعمل عل انكماش جزيئات هذه اﻷوساخ بدرجة اكبر من الثلج فتنفصل و تزول. هذا الدعاء الذي شبه الخطايا باﻷوساخ التي يجب غسلها بالماء و التي ﻻ تزول بالماء يزيلها الثلج و التي ﻻ تزول بالثلج يزيلها البرد، حتى ﻻ يبقى شيء من خطايا اﻹنسان .

والله أعلم