في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. حكاية صحفيين ذاقوا مرارة التعذيب داخل سجون الحوثي

تقارير وحوارات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


غادر الصحفي صلاح القاعدي وزوجته بيتهم المتداعي على أطراف حي السنينة بالعاصمة اليمنية صنعاء، متجهين صوب منزل شقيق الأول، في زيارة عائلية استغرقت ساعة، ثم ودع زوجته متوجهًا إلى عمله، وقبل وصوله اختطفه مسلحين تابعين لجماعة الحوثي، حينها كانت تبدو الأجواء هادئة في بيت عبد الباسط، الذي أسرع للاطمئنان على زوجة شقيقه وطفلها الوحيد هاتفيًا، لتنتفَض من مكانها وتصمت ولم تتنغّم بحرف، ممسكه بهاتفها وقررت الاتصال بزوجها، ومع عدم رده أَيقَنت أنه تم اختطافه.

 

يدخل الصحفي صاحب الثلاثة والثلاثين ربيعًا، عامه الثالث في سجن الأمن السياسي بصنعاء، تعرض خلالها لابشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي، وبالرغم من تعاون بعض المنظمات الحقوقية مع أسرة "القاعدي"، إلا أن جماعة الحوثي- التي عرفت إعلاميًا باسم الحوثيين نسبة إلى مؤسسها بدر الدين الحوثي، واتخذت من صعدة شمال اليمن مركزًا رئيسيا لها-، لم تنصت لأحد ولا تسمح بالتعامل مع هذه الجهات، وهو ما حجم دور بعض الحقوقيين في ملف الصحفيين المختطفين باليمن، حتي باليوم العالمي لحقوق الإنسان- والذي يتزامن الاحتفال به اليوم، بعدما صدر في عام 1948 الإعلان العالمي عن عصبة الأمم المتحدة، والتي شددت على إعداد مواثيق تعبر عن التزامات قانونية واضحة مع الدول لتنفيذ هذه الالتزامات- لم يتحرك ساكنًا حتى رزحتْ قوّى الأسير هو وزملائه العشر الذين يقبعون معه في نفس الزنزانة، حسب ما وصفت زوجته صاحبة السادسة والعشرين ربيعًا.


اقتيد صلاح محمد أحمد القاعدي، في الثامن والعشرين من أغسطس 2015، إلى قسم شرطة "الجديري" بصنعاء- الذي تحول إلى مركز تعذيب للمناهضين لجماعة الحوثي-، مكث فيه لمدة شهرين ذاقَ فيها مختلف أنواع الذل "بعد اختطافه بشهر ادخلوا عليه الكلاب البوليسية ضربوه في وجهه حتى فقد سمع أذنه اليسرى، وبعد شهرين من اختطافه تم نقله من سجن الجديري إلى سجن احتياطي "هبره" ظل فيه مختفي أربعه شهور ونصف وعانى فيه الكثير من التعذيب مثل دق رأسه بالبنادق وضرب رأسه في الجدار وبعد مرور هذه المدة تم السماح له بالزيارة.. فكنت أزوره وأواجه الكثير من الاهانات والسب من قبل الحوثيين.. مر الحال هكذ سبعه أشهر.. حتى أضرب زوجي عن الطعام وحينها هددوه بالتصفيه والاخفاء إلى أن تم نقله إلى سجن الأمن السياسي".

 

ظل الصحفي السجين لدى جماعة الحوثي، يقاوم بكل صبر وثبات، فيما تعاني أسرته آلام الإنتظار الموحش، بعدما منع عنه الزيارة مرة أخرى لمدة خمسه أشهر إلى أن تم السماح لزوجته بزيارته والتي شهدت جسده يعاني كثير من الأمراض الجلدية والجسدية، وخارت عزيمته "كلما ازوره من بعدها أشوف نفسيته مش طبيعيه من خلال كلامه فقبل أسبوعين تم تعذيبه ضرب حتى اغمى عليه ودخل في غيبوبة، و اليوم خلال زيارته لاحظت أن جسده لونه أصفر ولم يستطع الوقوف رغم من مقاومته". لم تستطع زوجته رؤية شريكها في الحياة ووالد نجلها الوحيد "أوس" البالغ من العمر أربع سنوات- ولم يعش طفولته مع والده سوى من خلف القضبان"بأخذ ابني معي كل زيارة للتعرف على والده.. فصلاح اختطف وعمر أوس 8 أشهر و اختطف مني بعد سنة وتسعة أشهر من زواجنا.. وباتت علاقته بولده مجرد نظرات ومداعبة وتوصية بالحفاظ عليه مشدد على تعليمه"-، في هذه الحالة فهرولت برفقة شقيقه الأكبر، إلى المسؤولين من الحوثيين للسؤال عن ملف قضيته لاستلامها، لكن دون جدوى"عندما نتابع مع قيادات الحوثي يقولوا حاولو ملفه للمحاكمة .. ويظلوا يضيعوا طريقنا من طرف لأخر حتى لا نستطيع نشوف قضيته وهكذا الحال على مدار ثلاثة سنوات.. وبالنهاية يحاولوا توصيل الحكم لإعدام زوجي وزملائه".



صراعات واقتتال دائر منذ ست سنوات وتبعاته تزداد يوميًا، تتناول خلال هذه الفترة المؤتمرات الدولية أحوال الصحفيين اليمنيين دون تعديل يُذكر، فلا يختلف حال الصحفي عبد الخالق عمران كثيرًا عن "القاعدي"، فمنذ التاسع من يونيو 2015، ويقبع  في سجون الحوثي، تحمل التعذيب بكل أنواعه من تعليق وصعق وتجويع، لم تشفع له مواطناته لنيل الحرية وحقوقه الإنسانية- حسب ما قالت أم الحارث، ابنة عمه وزوجة شقيقه الأكبر "لم نكن نتوقع  يوما ما أن تصبح قضية الصحفيين ورقة سياسية بيد الحوثيين ويتلاعب بها  المنظمات حسب سير المعركة في الهزيمة والانتصار".

 

كان يستمد عمران- بعد أن تم اختطافه من فندق بحرالأحلام بحي السنينة، مع ثماني صحفيين تم تفسيمهم ما بين قسمين في مراكزالشرطة قسم الأحمر وقسم الحصبة، ظلوا هناك ما يقارب الأسبوعين من ثم قُطعتّ أخبارهم لمدة أربعة أشهر وهم بين الإخفاء القسري والتعذيب الوحشي- قوته وعزيمته بالأمل من انتصار قضيته في البداية،  لكن تعنت الحوثيين وخذلان بعض المنظمات جعله يستسلم للحل الوحيد وهوالقبول والانتظار لتبادل الصحفي بأسير حرب حامل للسلاح.

 



أيام انتظار أسبوعية يتبعها ألم وحسرة، تزيدها ساعات ما قبل اللقاء ترقبًا ووجعًا، هكذا وصفت ابنة عمه التي تداوم على زيارته لقرب سكنها من مكان سجنه، حال أسرته "أسرة المختطف تعاني أضعاف مايعاني منه الشعب اليمني.. فيعجز أولاده وزوجته عن زيارته.. وأمه أصبحت عاجزة على كرسي متحرك واكثر من مرة تعود خائبة بسبب منع الزيارة.. وكل ماحاول شخص السؤال عنه قابلوه بالتحقيق والتهديد بالسجن .. وعندما حصلنا على زيارة له ذهبت أنا وأبني الحارث الذي استشهد بعدما وضعه الحوثيون مع مجموعة أسرى كدروع بشرية رحمة الله علي.. كان الحارث في ذالك اليوم كالمصدوم من منظرعمه لقد كان ضعيف جدًا نحيف عيناه عليها اثرالأصفرار، ولحيته طويلة وجسمه منهك حتى أنه لم يقوى على تحمل  احتضان الحارث له وكان يتأوه وجع أخبرنا عن عدة أساليب تعذيب قاموا به معه منها التعليق بيديه لساعات طويلة مع  رفع "البلك" بيديه ووضعها على أجسادهم وصعقهم بالكهرباء.. بالاضافة إلى أنه ضل لأكثر من شهر في زنزانة انفرادية، يتقيئ دماء من معدته وأصيب بأوجاع بالكلى".

 

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد "فالتحقيقات كانت عبثية وتتم داخل السجون دون حضورمحامي أو عطاء فرصة للجواب وانما وضع تهمة واجبارهم على الاعتراف والتوقيع.. ولكي يجعلو هذه التحقيقات قانونية قاموا بتحويل الصحفيين إلى النيابة المختصة وسمحوا بوجود المحامين لكنهم أوقفو التحقيق لمدة سبعة أشهر ثم فوجئنا أخيرًا بالتحقيق معه من النيابة الجزائية وهذا ليس من اختصاصها..وكل ما حاولنا ايجاد طريق قانوني اغلقوه علينا ".





وسط العاصمة صنعاء، في الثالث عشر من أكتوبر 2016، أقدم مسلحون بلباس عسكري على متن طقم واشهروا أسلحتهم في وجه الصحفي يوسف عجلان، حينما كان على متن سيارة التاكسي وطلبوا منه الذهاب معهم إلى قسم شرطة الحميري الذي ظل فيه لعدة ساعات دون تحقيق قبل أن ينقل إلى البحث الجنائي، ليقبع عامًا وشهر ونصف توزع خلاله بين 6 سجون، واختلف التعامل من سجن إلى آخر لكن ما يجمعها هو أن المعتقل يعامل باذلال وإهانة وتوجيه له تهمة "داعشي" بشكل دائم، كما تم اتهامه بأنه المسؤول الإعلامي لخلية إرهابية تابعة للعدوان "حاليا يتم محاكمتها في صنعاء وعدد أفرادها 36 ".


ظلت الاتهامات تحاصر الشاب ذو الثلاثين ربيعًا، كانت أخرها ادعائهم بأنه مسؤول عن 21 مخزن سلاح وامتلكها، حتى تمت صفقة تبادله مقابل أسير حوثي في 23 نوفمبر من العام الحالي، وسافر لتركيا ومنع من العودة إلى صنعاء، وبالرغم من أنه اعتبر نفسه أقل شخص تعرض للتعذيب مقارنة بزملائه، إلا أن حياة المعتقل أثرت نفسيًا وجسديًا عليه فيعاني من بعض الامراض للان، بالاضافة لحرمانه من الالتقاء بزوجته واطفاله لاكثر من عامين، وعدم رؤية طفله الذي رزق به عقب اشهر من اعتقاله، سوى أمس بعدما وصلت أسرته إلى تركيا، وصار عمر نجله سنة و٩ أشهر، لكنه مُتجذرًا بقضية بلاده "ذهبت إلى جنيف والقيت شهادتي في مجلس حقوق الإنسان.. وكالعادة يستمعوا لحديثك ولا يحدث شيء.. لذا سأستمر في مهاجمة الحوثيين وكشف انتهاكتهم"، يقولها الصحفي الذي يعمل في قناة  شباب يمنية بمكتبها باسطنبول.