من السد لـ "الكانز".. ذكريات ثمانيني على الرصيف (فيديو)

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


خصلات من الشعر الأبيض تتلألأ مع أشعة الشمس كحبات اللؤلؤ، وتجاعيد ترتسم معها سنوات من الشقى، ويد ترتفع لتطرق على فوارغ علب الكانز لتهيئتها لصهرها وإعادة تصنيعها من جديد.

فيختفي نبيل حسين أحمد، في الشال الأبيض المحاوط لرقبته من هواء الشتاء، مطلقًا يديه للمطرقة التي يطبق بها على فوارغ الكانز في حركة تتكرر عشرات المرات يوميًا منذ أن يبدأ يومه في التاسعة من صباح كل يوم، إلى أن يعود ليحتضن بناته ويطمئن على المتزوجات منهن.


يقطع حبل أفكار الثمانيني طرقاته على الكانز، ويعود لعمره عندما كان في التاسعة عشر من عمره ويتذكر عمله حداد مسلح ومشاركته في بناء السد العالي ومن ثم مجمع التحرير، وجولاته في  السعودية ونيجيريا للمشاركة في الكثير من المشروعات.



يخيم الحزن على وجه الرجل الثمانيني، فلا يملك من الصحة إلا القليل منها بعدما كان تصهر قوته الحديد، ليكون عكازه في ذلك الحين هو سنده عندما بلغ من العمر أرزله، إلى أن يعود إلى بناته ليستمد بعض القوة ليستطع إسنادهن في حياتهن، فلديه ابنتين إحداهما في المرحلة الثانوية والآخرى في كلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان، بالإضافة إلى ثلاثة من البنات متزوجات.



يغلب الرجل الثمانيني التفكير في مصير بناته وكيفية تكملة تعليهمن، فيريد أن ينال من الدولة معاش يمكنه من العيش في حياة كريمة، بعدما فقد استمارة 6 بالأماكن التي عمل بها، وما يزيد على ذلك كونه يعيش في شقة بالإيجار يغيرها بين الحين والآخر عندما تشتد عليه الأموال، "هي البلد دى هتديني معاش"، يقولها الرجل العجوز واليأس يغلبه بعدما حاول مرارًا وتكرارًا لكي يحصل على معاش.



يجمع الرجل الثمانيني خيباته، تحت طرقاته على الكانز، ليكون في صوت المطرقة وسيلة لإبعاد التفكير عن رأسه ولو للحظات، فكل ما يحتكم عليه من بيع الكانز 15 جنيهًا على الكيلو الواحد.



وما إن ينتهي الرجل الثمانيني من إعداد فوارغ الكانز جميعها، يدخلها في طيات الجوال الذي يملكه، وينهض مستندًا على عكازه، ليخطو خطوات بطيئة تتناسب مع عمره عائدًا إلى منزله، مختطفًأ بضع ساعات مع الراحة قبل بدء يوم آخر مع الشقى الذي لا ينتهي.