د. نصار عبدالله يكتب: فى مطلع الشتاء الرابع والسبعين!

مقالات الرأي



فى الرابع والعشرين من شهر ديسمبر الماضى، أكملت من العمر ثلاثة وسبعين عاما، لم أكن أتصور قط أنى سأبلغها، لكن إرادة الله شاءت ذلك، فاحتفلت مع أسرتى الصغيرة بالمناسبة، أو بالأحرى فإن أسرتى هى التى تذكرت عيد ميلادى (الذى كثيرا ما أنساه) وقررت أن تحتفل به هذا العام كما تفعل فى كل عام.. لكن العيد هذا العام كان مختلفا، فابنتاى الطبيبتان كلاهما فى خارج البلاد: إحداهما فى الولايات المتحدة الأمريكية والأخرى فى ألمانيا والتواصل بيننا يجرى من خلال شبكة الإنترنت.. تحديدا من خلال موقع الفيسبوك.. ومن خلاله راح الجميع ينظرون إلى صورة التورتة، ويمثلون دور المشاركين فى إطفاء الشموع وهم يهتفون: عيد ميلاد سعيد يابابا.. وفى الوقت نفسه كان العالم الغربى بأكمله يحتفل بحلول عيد الميلاد..فلقد شاءت المصادفة أن يكون الاحتفال بهذا اليوم احتفالا عائليا بالنسبة لى.. وعالميا.. بالنسبة للذين يحتفلون بذكرى مولد السيد المسيح!. سألت نفسى فى هذه المناسبة: كم طرأت من التغيرات على بلادنا وعلى العالم بأكمله خلال الثلاثة والسبعين عاما التى عشتها؟.. الجواب بلا تردد: الكثير.. الكثير، فلا أظن أن هناك حقبة من حقب التاريخ كان إيقاع التغير فيها يعادل إيقاع التغير خلال القرن الماضى، وتحديدا ثلاثة الأرباع الأخيرة.. أهم هذه التغيرات ما حدث فى ربع القرن الأخير، وأعنى به ثورة الاتصالات والمعلومات.. التى بفضلها تمكنت وأنا فى منزلى فى سوهاج أن أواجه بالصوت والصورة ابنتى «دينا» وحفيدتى «هيا» وهما فى نيويورك، وابنتى «يارا» وحفيدى «ياسين» وهما قى شتوتجارت وأن يتجاذبا أطراف الحديث مع والدتهما وشقيقهما عمرو وكلا الأخيرين يطفئان الشموع بالفعل لا بالصورة فى سوهاج ويقطعان التورتة ويأكلانها فعلا.. بينما الآخرون يمثلون أنهم يفعلون ذلك.. لكن الأثر النفسى النهائى هو نفس الأثر..فشمل الأسرة..بمعنى ما ملتئم.. و(اللمة) بمعنى قائمة ومتحققة!...ترى هل كان بوسع أبى ووالدتى رحمهما الله أن يتصورا أو أن يخطر ببالهما يوما أن شيئا من هذا يمكن أن يحدث فى يوم من الأيام؟..الجواب بالطبع..لا أظن.. إذن فما الذى سوف تخبئه الأيام للأبناء والأحفاد؟.. وكيف سيكون احتفال أبناء الأجيال التالية بأعياد ميلادهم بعد ثلاثة وسبعين عاما أخرى من الآن؟.. مبرر هذا السؤال هو أن مسيرة العلم والتكنولوجيا لا تنقطع قط، فكلما ظهر ما هو طريف أو غريب بالنسبة لأبناء جيل معين، إذا بالجعبة تخبئ له وللأجيال التالية ما هو أطرف وأغرب..قارن على سبيل المثال صورة العالم فى 2018، بمثيلتها فى 1918،ثم قارن تلك الأخيرة بصورة العالم فى 1818، فى عام 1918 لم يكن هناك إنترنت بطبيعة الحال، ولم يكن هناك أيضا إرسال تليفزيونى أما الراديو فقد كان فى بدايته الأولى، ولم تكن هناك أجهزة كمبيوتر، وإن كانت قد ظهرت بعض الآلات الحاسبة البدائية التى تتسم بضخامة الحجم وضآلة الإمكانيات. كان الطيران قد ظهر إلى الوجود ولكن الطائرات كانت محدودة السرعة والإمكانات، ورغم هذه الإمكانات المحدودة فقد استخدم الطيران فى أغراض الاستطلاع الحربى بل أحيانا فى أغراض القتال الفعلى أثناء اشتعال الحرب العالمية الأولى، ثم توسعت الدول الكبرى فى امتلاك الطائرات الحربية، حيث كان يقدر عدد الطائرات التى كانت تمتلكلها فرنسا فى عام 1918 بأربعة آلاف وخمسمائة طائرة تقريبا بينما كانت تمتلك بريطانيا ثلاثة آلاف وخمسمائة فى حين كان لألمانيا ألفان وخمسمائة طائرة، أما السينما فقد كانت ظهرت إلى الوجود فعلا ،وإن كانت ما تزال صامتة، حيث عرض فى مصر فى عام 1917 أول فيلم روائى صامت من إنتاج الشركة الإيطالية المصرية وهى الشركة الوحيدة فى مجال السينما فى مصر فى ذلك الوقت. فإذا ما قارنا الصورة فى عام 1918 بمثيلتها فى عام 1818 لوجدنا أن شيئا من ذلك كله لم يكن قد ظهر بعد، وأن أقصى ما كان يتمتع به العالم من التكنولوجيا هو الآلات البخارية.