عادل حمودة يكتب: حادث منتصف الليل على شجرة كريسماس الكوربة

مقالات الرأي



هؤلاء المرضى المصنوعون من عجينة الجلاش والمصابون بجنون العظمة 

توارينا خلف وسائل التواصل الاجتماعى لتكشف عن العقد النفسية والطبقية واللغوية فى أعماقنا

ما أن ينزل الطفل من بطن أمه إلى الدنيا حتى ترفع الممرضة فى وجهه لافتة كتب عليها: ممنوع الصراخ.

وعندما يصبح صبيا يصاب بالدوار من تحذيرات عائلته بأن يمشى بجانب الحائط وألا يتكلم إلا طلبا للطعام أو لدخول الحمام.

وفى اليوم الأول للمدرسة لن يفاجأ بالعصا الغليظة التى يحملها سيادة الناظر فى يده وكأنه فاشى ينتمى إلى جمعية الخرس العام.

وما أن يطالب بحقه فى التعبير عما يجرى حوله حتى يقولون له: إن الوطن فى إجازة وعندما يعود سنفرج عن لسانك بتأشيرة كلام لمرة واحدة.

وحتى سنوات قريبة كان يجد من يدلى بصوته نيابة عنه لكى لا يكلفه مشقة الحضور إلى لجان الانتخابات.

أجيال وأجيال منا كفت غيرها شرها وآمنت بالتقية فكان ما ينطق به اللسان يختلف تماما عما يحمله القلب ويخزنه الضمير ويحتفظ به العقل.

ولكن ما أن عرفنا وسائل التواصل الاجتماعى حتى توارينا خلفها فى شجاعة غريبة عنا وانفجر الصمت المكبوت عقودا طويلة بثرثرة كاشفة عن ما فى أعماقنا من عقد نفسية وطبقية ولغوية.

وآخر دليل على ذلك حادث شجرة كريسماس الكوربة.

تعودت شعوب الدنيا المختلفة على وداع عام قديم واستقبال عام جديد بأسلوب مبتكر لا يخلو من الغرابة والخرافة وأحيانا الشراسة.

فى إيطاليا يرمون الأثاث القديم من الشرفات على رؤوس المارة.. وفى إسبانيا يحملون تمثالا لطفل يقضى حاجته يطلقون عليه إى كاجارنر.. وفى بورتريكو يرشون الجيران بخراطيم المياه.. وفى فرنسا يحدثون ضجة هائلة بأوانٍ نحاسية لطرد الأرواح الشريرة.. وفى اليونان يكسرون الأطباق الصينية التى أكلوا فيها.. وفى الدنمارك يكسرونها ويضعونها على أبواب البيوت حتى تمنع الشياطين من دخولها.. وفى هولندا يحرقون نباتات كريهة الرائحة للسبب نفسه.

ولكننا فى مصر ليس لدينا تقليد يجمعنا فى هذه المناسبة.. كل منا يختار ما يحلو له.. بما فى ذلك إلقاء السيارات بالحجارة.. أو التحرش بالبنات.. أو خلع الملابس.. وهو ما سجلته محاضر الشرطة فى أعوام سابقة.

على أن هذا العام شهد حادثا من نوع آخر مختلف.

لسنوات طوال أفتت التيارات الدينية المتطرفة بتكفير من يحتفل برأس السنة وهددت الفنادق والمطاعم بالحرق إذا ما أضاءت زينة أعياد الميلاد فساد الظلام العقول قبل أن يفرض نفسه على المدن.. ولكن.. ما أن تراجعت الظاهرة حتى عادت شجرة الكريسماس تتألق من جديد فى أماكن متنوعة.. منها منطقة الكوربة التى توصف بأنها المنطقة الأرقى فى حى مصر الجديدة.

وبينما مئات من زوار المنطقة يلتفون حول الشجرة تسلل ستة من الشباب وتسلقوا الشجرة.. حسب ما أعلن رئيس الحى العميد أحمد أنور واتخذت معهم الإجراءات القانونية.. لم تتسامح الشرطة معهم كما تتسامح الشرطة فى مختلف بلاد العالم عادة مع المتجاوزين فى تلك الليلة بإبعادهم بهدوء حتى يمر الاحتفال بسلام.

لست بالقطع مع تصرفات المتهمين.. وإن كنت أطالب بتحديد شخصياتهم.. وأعمارهم.. ومستوى تعليمهم.. وظروفهم الاجتماعية قبل الحكم عليهم.

ولكن ذلك لم يرض على ما يبدو الكثير من سكان مصر الجديدة.. حيث يشعر بعضهم أنه من طبقة أرستقراطية مصنوعة من عجينة البسكويت أو الجلاش.. فلم يفترض أن يكون الجناة من أبناء الحى الراقى الذى يعيشون فيه.. وسارعوا باتهام أبناء من أحياء شعبية مجاورة.. دون دليل واحد قدموه.. فى حالة من الغطرسة الاجتماعية تفضح ما فى النفوس المحترمة من خراب.

ودون تردد سجلوا تعليقاتهم على السوشيال ميديا بكم هائل من الكلمات تحتاج لتعاون جاد بين أطباء النفس وعلماء الاجتماع لتفسيرها والكشف عن خطورتها خاصة أنها صادرة عمن نصفهم بالكريمة أو النخبة.

على مختار: ده شيء بسيط كنت تشوفهم فى منطقة سيتى ستارز وعباس العقاد والغريب كان كتير منهم آنسات.. قمة الهمجية والبعد عن أى صفة آدمية.. ده اعتقاد فى داخلهم نشأوا عليه وتشبعوا به من الأفلام والأغانى والسموم اللى بيتناولوها.

جورجى مكرم: أكيد الغوغاء المدمرين دائما لأى جمال فى مصر عرفوا بالاحتفال من على المواقع وقرروا إنهم يروحوا يعملوا شغلهم اللى هو تدمير كل ما هو جميل.

صوفيا: دول مش هيكونوا أبدا من أهل مصر الجديدة! ما استبعدش أبدا أنهم يكونوا إخوان ولا سلفيين وجايين من مناطق عشوائية.

أمنية حمدى: حاجة آخر قرف وتخلف.

محمد أحمد: دول مش من سكان مصر الجديدة دول أوسخ ناس فى العشوائيات وجايين يعلموا على أهل مصر الجديدة ويعكننوا عليهم.

مؤمن (4): مش من مصر الجديدة عيال سريحة من المطرية واتقبض عليهم.

الهانم: بجد.

مؤمن (4): خلاص يا فندم اتقبض عليهم.

الهانم: الحمد لله علشان يتربوا.

وفاء عادل: همج.

شريف الدرديرى: احتمال يكونوا فكرينها طقوس ما هو احنا بقينا فى الحضيض الثقافى.

هشام حامد: مين قال إن دى أرقى مكان فى مصر للأسف أصبح شعبى وولاد الناس المحترمة إما فى البيوت أو نزحوا للتجمع وأكتوبر هربا من الأشكال دى.

علاء الدين حسن: ومين قال إن الناس الشعبية مش محترمين أنا مختلف معاك.

هشام حامد: لا لا لا حاش لله لكن خلينا صادقين التصرفات دى دايما فى الأحياء الشعبية.

علاء الدين حسن: ممكن أصدق بس صعب التعميم فى كل مكان فيه الحلو والوحش.

نجوى غازى: إيه السلبية دى وكل الناس حواليهم ساكتين عليهم ليه.

محمود البدوى: للأسف.

سيد غريب: ومين قال إن مصر الجديدة ومدينة نصر لسه مناطق راقية ده كان زمان فى الستينيات والسبعينيات أما الآن فهى شوية لمامة وهى الآن مناطق شعبية تعبانة.

رؤوف: دول 7 أفراد وسط 7 آلاف بنى آدم.. خلاص هم السبعة دول اللى بيعبروا عن الشباب وبقية الـ7 آلاف اللى استنكروا الفعل مش شايفهم يعنى نحكم عالقرد أن لونه أحمر من حتة واحدة حمرا تروح عليها وتشمها.

دياب الشعيبى: ده يبقى كلنا إرهابيين بقى.

شريف النجيب: وهيا الشجرة ما وقعتش بيهم وريحتنا.

إيمان سليمان: غباء وتخلف وبلطجة.

محمد الكامل: الأخلاق مش بالمناطق بالأهل والتربية أنا شوفت ناس من أماكن أحقر ما رأت عينى وشوفت ناس من قرى وأماكن نائية ياليت كل المصريين مثلهم.

شيرو: وهما دول شباب مصر الجديدة باردو؟.

حنان أحمد: احنا محتاجين معجزة إلهية لإصلاح الشعب المصرى كله لا استثنى أحدا.

حنان عامر: زبالة الشعب لازم كان يتقبض عليهم.

سامح السويفى: كلام مضبوط ولابد من محاسبتهم.

بلال هنوت: أعوذ بالله من دى أخلاق وطباع.

حسن صالح: ما تزعلوش لما نقول احنا متخلفين ولا ثقافة ولا رقى لابسين غالى وهم رخاص العقل والبيت مالناش غير الجمل نركبه ومش حيشتكى مننا.

ميمى حنا: هم دول برضة اللى بيكونوا وراء كل الحرائق المتعمدة وهدم كل ما تقع عليه عيونهم الأشكال دى وراء الخراب اللى بيحصل.

جيمى مدين: فيها كوابيس لا يعرفها سوى من رآها بأم العين.

مشيرة خيرى: شوية أغبياء.

حنان مصطفى: موصلوش لمرحلة القرود.

عندليب عادل: حضرتك بتعرض اللى يسىء لنا فى احتفالات تانية.. ومحصلش فيها ده المقصود الإساءة.

محمود البدوى: فعلا فى مدينتى والرحاب كان زى الفل.

حسن صلاح: لكن أنا اللى رجعنى للصورة هى الشباب والناس المحترمة اكتفوا بالتصوير وكلمة بص ويا نهار أسود.

لولا جورجى: الناس دى تنزل وتاخد علقة موت علشان يعرفوا أصول التربية المصيبة الشباب اللى واقف يتفرج عليهم ونعم الرجولة والجدعنة.

مصر الحلوة: صدقينى مش عارف إحنا رايحين لفين كنا أطيب ومتسامحين أكثر بس محدش ناوى يطبق القانون حتى الغرامة لو كل واحد بات فى القسم وخرج بعد دفع كفالة كانوا حرسوها بدل ما يكسروها.

لولا جوجى: دول مرضى فى حالة غل جواهم مش أفراد طبيعيين.. أخس على كده.

مصر الحلوة: متزعليش الأمور حتوصل للآخر وبعدين حتتعدل مشكلتنا أننا شفنا الرقى والطيبة وبعدين شوفنا التدهور وبنقارن.

لولا جورجى: لا وجه للمقارنة من الأساس عشنا الزمن الجميل زرع فينا الحب والتسامح بس يا خسارة بنحصد الكره والعداوة والغل والحقد وكل الموبيقات.

مصر الحلوة: الحب كان عند الفقراء والأغنياء كنت تحسى بالحب فى ردود البسطاء دلوقتى بنقول على اللى مات استريح.

ولا تتوقف التعليقات لتكشف لنا عما يعانى منه أصحابها من سوء ظن أو سوء تقدير غالبا.

تحدث بعضهم بغرور لا مبرر له وكأنه فوق البشر وسارع خياله بتحديد الجناة ومنطقتهم العشوائية وطبقته الاجتماعية مصدرا أحكاما بدت قاطعة دون أن يثبت حيثياتها.

ولم ينس هؤلاء ممن يدعون الرقى أن يستخدم ألفاظا سوقية دفعت به إلى الوقوف جنبا إلى جنب الجناة فى نفس الصف.

ورغم تدخل البعض لتوضيح الصورة مستخدما منطقا سليما فإن الغالبية رفضت الرجوع عن ما فى رأسها من تصور عن الجناة رغم عدم وجود دليل عليه.

ولو كانت القلة طالبت باستخدام القانون لمحاسبة الجناة فإن الكثرة حرضت على عقابهم دون التحقيق معهم بضربهم علقة موت لتربيتهم.

وتفسر الغالبية ما فعل الشباب الستة بأنه غل وحقد نافسوا بها القردة ولكن المفسرين يكتفون بذلك دون أن يربطوا ما بين البطالة والبلطجة والأمية والدونية.

لا أمل فى مجتمع يصنف نفسه راقيا ما لم يقاطع جميع أنواع المعلبات الفكرية والسياسية والتربوية والعرقية والطائفية والقبلية.

ليس لدينا أفكار طازجة.. ولا تعليقات طازجة.. ولا شخصيات طازجة.. ومن أين تأتى وحياتنا قائمة على المعلبات؟.