الرئيس التركي يسعى لتبييض وجهه بعد ترحيل "عبد الحفيظ"

عربي ودولي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية



لم يكن غريبًا أن يبيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عناصر جماعة الإخوان، بعد ٦ سنوات من التحالف بينهما.

ترحيل المتهم المصري بقتل النائب العام هشام بركات، المدعو محمد عبد الحفيظ حسين، أماط اللثام عن أن ذاك التحالف الذي كان يبدو متماسكًا لم يعد كذلك، ففي داخله تكمن جميع عوامل الضعف والهشاشة.

هذا ما يؤكده خبراء، منهم باحثون بمعهد كارينجي الأمريكي، الذين يقولون إن هناك علاقات وظيفية محكومة لجيوبوليتك أردوغان، وما يعتريها من تقلّب في المصالح السياسية والأولويات.

ويرى محللون أن ترحيل "حسين" يكشف عن حقيقة علاقة أردوغان بالإخوان، معتبرين أن أردوغان استخدم الإخوان، طويلًا، كجزء تعبوي وترويجي لمشروعه في الإسلام السياسي، والإخوان كانوا دومًا يعرفون ذلك ويحاولون تقاسم الأهداف والوسائل.

وتعود علاقة أردوغان مع إخوان "مصر" إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما التقى الناطق باسمهم كمال الهلباوي في غير مناسبة، أيامها كان أردوغان مستشارًا لنجم الدين أربكان الذي أسس وتنقل بين عدة أحزاب ذات مرجعية دينية، آخرها حزب النهضة (١٩٩٧)، وتحدّث فيه عن حلمه بتشكيل حلف ناتو إسلامي.

ويأتي ترحيل عبد الحفيظ إلى القاهرة ليواجه حكم الإعدام في توقيت تشهد فيه استراتيجية أردوغان بالمنطقة انعطافات مفتوحة السيناريوهات.

فللمرة الأولى منذ سبع سنوات يعترف أردوغان أن لديه شبكة علاقات مع النظام السوري، وترجع مرجعيتها إلى اتفاقية أضنة.

وتصف تقارير إعلامية، العلاقة متعددة الطبقات بين أردوغان والتنظيم العالمي للإخوان بـ"العلاقة المافيوية" نسبة إلى عصابات المافيا، التي تجمع طرفين لكلّ منهما دوره ووظيفته وبرامجه، لكن تجمعهما معًا أفكار الإسلام السياسي التي تعد "ورقة سوليفان" لإخفاء بضاعتهما الفاسدة!.

العلاقة المافيوية بين الرئيس التركي والإخوان، فيها من الإيحاءات ما كان كافيًا للتوسع في احتمالات أن تكون هذه العلاقة اصطدمت بتغييرات استجدت على برنامج وأولويات أردوغان في الشرق الأوسط، فكانت قصة محمد حسين، هي الدمّل الذي كشف سرطانها.

وكثيرًا ما كانت "تركيا الأردوغانية"، تعتبر جماعة الإخوان، ذراع القوى الناعمة لها في العالم العربي، ولكن يبدو أن انقلاب إسطنبول عليها لم يأت من فراغ.

محللون يؤكدون أن الرئيس التركي يسعى لتبييض وجهه أمام الدول العربية في المرحلة المقبلة، قبيل الانتخابات الرئاسية التركية، حتى لا تطاله شبهات بالتزوير كما حدث في الانتخابات الماضية.

واستعان أردوغان في انتخابات الرئاسة في يونيو الماضي، بقيادات الجماعة وعناصرهم الهاربة في إسطنبول، للدعاية له خلال يوم الانتخابات، وهو ما فعلوه لرد الجميل للرئيس التركي الذي يستضيف قياداتهم الهاربة.

وكما فعلت جماعة الإخوان في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، وروجت له بالفوز قبل إعلان النتيجة النهائية في ٢٠١٢، روجت أيضا لفوز أردوغان قبل إعلان النتيجة، فمجاهد مليجي، القيادي الإخواني بتركيا، زعم فوز رجب طيب أردوغان بالانتخابات التركية قبل الإعلان عن النتيجة بـ٣ ساعات.

ومن المحتمل أن تشهد المرحلة المقبلة مفاجآت من قبل الرئيس التركي ضد جماعة الإخوان، في محاولة منه لغسل يديه من دعم للإرهابيين في بلاده.

قرار الترحيل، أثار رعبًا وهلعًا وسط عناصر الإخوان المقيمين في تركيا، حيث نشر العديد منهم اعتراضات على كيفية تعامل السلطات التركية مع الشاب المدان بقتل النائب العام، مشيرين إلى أنها المرة الأولى التي ترد السلطات التركية مصريًا إلى بلده.

الغريب في الأمر أن القيادات البارزة في جماعة الإخوان لم يظهروا أي موقف تجاه ترحيل الشاب المصري واكتفوا بالمشاهدة، وهو الأمر الذي يراه بعض الإخوان في تركيا تصرفًا غير مقبول.

وتعتبر جماعة الإخوان الإرهابية بأمس الحاجة للملاذ الآمن في تركيا التي احتوتهم بعد أن كشفت الشعوب العربية نفاقهم القائم على الكذب والادعاء وأنهم ضحايا لعقود من الاضطهاد، وأنهم يحملون الحلول لمشاكل العرب، لكنهم وفور وصولهم إلى الحكم نكلوا بالشعوب وضاعفوا المشاكل العربية، ففروا حاملين خيبتهم، وقد خلفوا في بعض الدول العربية مزيدًا من الإرهاب، ووجدوا في أنقرة الحضن الدافئ الذي يؤمن لهم القاعدة للانطلاق في تطبيق أفكارهم واللجوء إلى العنف المسلح "الإرهاب" لضرب الدولة الوطنية والانقضاض عليها بعد ذلك.

القيادة التركية التي توغلت في سوريا تحت زعم محاربة إرهاب الأكراد وباتت فعليا تسيطر على أرض دولة عربية وتهدد بالتدخل في العراق وتهدد العرب بالتحالف مع إيران وتمد يدها لقطر بعد أن قاطعتها الدول المكافحة للإرهاب، كانت تتباهى بأنها تؤوي في بلادها قيادات إرهابية وتستضيف مؤتمرات واحتفالات لتنظيم الإخوان الذي لا يعمل إلا على نشر الفكر الإرهابي والعنف.

ويتوقع مراقبون أن الموقف التركي الحالي تجاه جماعة الإخوان الإرهابية ما هو إلا محاولة من أردوغان لتنظيف فوضاه قبيل المعركة الرئاسية المقبلة، وستشهد المرحلة المقبلة تغييرات واسعة في الموقف التركي تجاه الجماعة، قد تؤدي إلى ترحيل كل القيادات الصادر ضدها أحكام في مصر، وهو ما يثير هلعًا ورعبًا داخل صفوف الإرهابية في تركيا.