د. نصار عبدالله يكتب: المولودة 2: يوسف إدريس يتكلم

مقالات الرأي



مازلنا مع كتاب المولودة من تأليف نادية كامل نجلة الكاتب والمناضل سعد كامل والتى تروى فيه سيرة حياة والدتها الإيطالية الأصل والمصرية القلب والروح والإقامة مارى روزنتال التى نذرت حياتها للدفاع عن قضايا العدل والحرية والسلام والتصدى للاستعمار ولدعاوى التعصب والعنصرية وعلى رأسها العنصرية الصهيونية التى تمكنت من إقامة كيان استعمارى غاشم هو دولة إسرائيل على حساب أصحاب الأرض الأصليين وهم الفلسطينيون، وفى سبيل تحقيق تلك الأهداف النبيلة انخرطت مارى روزنتال فى أحد التنظيمات الشيوعية التى تسعى إلى تحقيق هذه الأهداف، ثم ارتبطت برباط الحب والزواج بواحد من الرفاق المنتمين إلى التنظيم وهو سعد كامل، غير أن هذا لم يكن هو النهاية السعيدة، فسرعان ما ألقى القبض عليهما وقدما للمحاكمة حيث حكم على كل منهما بالسجن، بعد أن قضت مارى روزنتال التى أصبح اسمها نائلة كامل بعد أن أشهرت إسلامها وتزوجت من الكاتب و المناضل سعد كامل بعد أن قضت مدة العقوبة كاملة وهى السجن لمدة خمس سنوات بتهمة انضمامها إلى تنظيم شيوعى وبعد أن قضى سعد كامل مدة السجن ذاتها تقرر الإفراج عنهما مع وضعهما تحت المراقبة لمدة مماثلة أى خمس سنوات أخرى، وتحكى السيدة نائلة ما كان يحدث فى تلك السنوات طبقا لما أوردتها ابنتها نادية كامل فى كتاب المولودة الذى نواصل فى هذا الأسبوع ما بدأناه عنه من الحديث فى مقال الأسبوع الماضى.. تقول مارى روزنتال أو نائلة كامل: بعد الإفراج حطونا تحت المراقبة لمدة خمس سنين: يفوت علينا يوميا ضابط أو شاويش بعد السابعة مساء يتأكد إن إحنا الإتنين موجودين ما رحناش بعيد مش عارفة متصورين حنروح فين. دا كان بيحط شىء من القيود علينا، لأن معناه إننا ما نقدرش نسافر يومين اسكندرية مثلا، ولا نتأخر بالليل. ومرة فى الأسبوع نروح بنفسنا، كل يوم سبت أول ما نصحى نلبس وننزل، نجرى على القسم قبل الساعة 8 صباحا، ميعاد مزعج، أسبوع ورا أسبوع نصحى نلبس ونمشى بالخطوة السريعة فى الشارع الحلو اللى فيه قصر البدراوى، شارع بولس حنا، وقسم الدقى كان على رأس شارع فينى قصاد كوبرى الجلاء، كان اسمه كوبرى بديعة، المراقبة اليومية تيجى بعد الساعة 7، إحنا نتواجد قبل المغرب فى البيت، لكن ملمهش ميعاد محدد، ممكن بعد الغروب على طول، وممكن واحدة أو 2 الصبح، يضرب الجرس نقوم أنا وسعد نص نايمين كدا نفتح له، يبص لنا ويكتب عنده فى الدفتر وينزل. المهم إن على المغرب كنت تلاقينا دايما بنجرى ودايما متأخرين، وعلى آخر لحظة ناخد تخريمة من ناحية بيت شاهين نعدى فى خرابة وبعدين نفتح البوابة الصغيرة لجنينة الجيران نتسحب قدام بيتهم عشان ما نزعجهمش. التخريمة دى كانت بتختصر عشر دقايق من المشوار.. ما كانش لسه الدنيا اتزحمت عربيات والشوارع الجانبية من شارع التحرير كانت مهجورة. فى يوم واحنا بنجرى كالعادة شفنا عربية واحدة بس فى الشارع، فولكس خنفسة راكنة قدام العمارة الوحيدة، نزل منها واحد: يا سعد يا سعد.. طلع يوسف إدريس ورجاء مراته، أتاريهم ساكنين جنبنا على طول فى رابع دور، سلمنا عليهم قوى بس مستعجلين مفيش وقت نشرح إيه الحكاية، مش قادرين نقف ندردش: نشوفك بعدين، ناخد تليفون.. إحنا لازم نروح البيت بسرعة إنتو ساكنين فين؟ رايحين على فين؟.. شاورنا على البيت.. يوسف ابتسم وقال طيب باى نتكلم بعدين.. سبناه وجرينا.. بعدها بسنين يوسف إدريس موتنا من الضحك وهو بيحكى للناس المقابلة الأولانية دى.. كان حكاء موهوبًا: واقف قدام الباب لقيت اتنين بيجروا وبصيت كده لقيت الله؟ دا سعد ناديت عليه ياسعد ازيك؟ لكن سعد مستعجل عايز يسيبنى كويس.. كويس.. أشوفك مرة تانية .. طب ساكن فين؟.. قال لى: هنا بابص على هنا.. دى الخرابة المهجورة اللى قدام بيتى وسكة سد.. باى باى.. سلام سلام بيجروا هو ومارى ما وقفوش.. دخلوا الخرابة فعلا واختفوا.. أنا ساعتها قلت لنفسى: يا خبر أبيض يا سعد دانت ما اتغيرتش خالص حتى لما أقابلك بالصدفة ألاقيك بتسلل إنت ومراتك فى الخرابة.

nassarabdalla@ gmail.com