د. نصار عبدالله يكتب: فى ذكرى فاروق

مقالات الرأي



فى شهر مارس1965رحل الملك فاروق آخر ملوك مصر من سلالة محمد على باشا، وذلك إذا غضضنا النظر عن الملك أحمد فؤاد الثانى الذى تنازل له والده فاروق مكرها عن العرش فى 26 يوليو 1952 والذى لم يكمل عاما واحدا حاملا لقب «ملك» إذ سرعان ما ألغيت الملكية فى يونيو 1953، وكان كل ما تمتع به أحمد فؤاد الثانى من مظاهر الملك طيلة الأحد عشر شهرا التى قضاها فى مصر بعد استيلاء تنظيم الضباط الأحرار على الحكم فى 23 يوليو 1952، كان كل ما تمتع به هو ذكر اسمه كلما ذكر مسبوقا بلقب صاحب الجلالة، فضلا عن الدعاء له فى منابر المساجد فى نهاية خطبة الجمعة، غير أن هذا الدعاء لم يدم إلا أشهرا معدودة توقف الأئمة والخطباء بعدها عن ذكر اسمه مستبدلين به عبارات عامة تنطبق على أى حاكم ومن قبيلها مثلا: اللهم انصر ولاة أمرنا، وثبت أقدامهم، وأعز بهم الدين والدنيا... و.. و... إلخ، وقد كان هذا فى حد ذاته مؤشرا من المؤشرات التى توضح أن قادة الحركة المباركة (هكذا كانت تسمى ثورة يوليو فى بداية عهدها) كانوا يعتزمون منذ البداية إلغاء الحكم الملكى فى مصر وليس كما كانوا يعلنون مجرد تطهيره من الفساد ثم إقامة ملكية دستورية يكون الحكام والمحكومون فيها جميعا خاضعين للدستور والقانون، وأنهم فى سبيلهم إلى إعداد الملك أحمد فؤاد الثانى وتنشئته لكى يقوم بهذا الدور.. غير أن هذه الوعود قد تبددت تماما بإعلان الجمهورية، ولم يعد أمام الملك فاروق سوى أن يجتر الذكريات وأن ينفث عن أحزانه بالتهام كميات كبيرة من الطعام (يقول علماء النفس إن التهام الطعام بكميات كبيرة كثيرا ما يكون عرضا من أعراض إصابة الإنسان بالاكتئاب، وربما كان هذا هو الوضع بالنسبة للملك فاروق، وربما كان أيضا مجرد نوع من الشراهة التى اشتهر بها الكثيرون من أفراد أسرة محمد على، على أية حال فإن هذه الشراهة هى التى أودت بحياة الملك فاروق عندما تناول وجبة دسمة عجز عن هضمها، وإذا كان عصر الملك فاروق قد شابه قدر كبير من الفساد الذى مارسته بطانته وبوجه خاص أنطوان بوللى وإدواد جلاد وإلياس أندراوس وكريم ثابت وغيرهم ممن شجعوه على الفساد والانغماس فى موائد اللهو والمقامرة وليس أدل على فساده من أن ملكيته الزراعية قد ارتفعت من 15000 - خمسة عشر ألف فدان وقت توليه العرش عام 1936 إلى 95000 - خمسة وتسعين ألف فدان وقت تنازله عن الحكم فى يوليو 1952 وهى زيادة فاحشة يصعب تصور أنها قد تمت بالطرق المشروعة بالنسبة لشخص فى موقع الملك الذى يفترض فيه أن وقته مكرس بالكامل لمتابعة أمور شعبه ووطنه، ومع هذا فإن الأمانة تقتضى أن نشير إلى أن ما انخرط فيه الملك من اللهو والفساد لا ينبغى أن يجعلنا نغفل عما تم فى عصره من الإنجازات على مختلف الأصعدة ففى مجال التعليم تقررت فى عصره مجانية التعليم لأول مرة تطبيقا للشعار الذى نادى به الدكتور طه حسين من أن العلم كالماء والهواء، وفى عصره أنشئت ثلاث جامعات هى : جامعة فؤاد الأول التى عرفت بعد ذلك بجامعة القاهرة وجامعة فاروق التى عرفت بعد ذلك بجامعة الإسكندرية، وجامعة إبراهيم التى عرفت بعد ذلك بجامعة عين شمس، كما صدر فى عهده مرسوم ملكى قضى بإنشاء جامعة تحمل اسم مؤسس الأسرة محمد على وتخصص أساسا لأبناء الصعيد (من بين الألقاب التى كان يحملها فاروق لقب أمير الصعيد!!) وأوفدت البعثات إلى مختلف جامعات العالم الكبرى لتكوين ما تتطلبه تلك الجامعة من حاملى درجة الدكتوراة فى مختلف التخصصات غير أن تلك الجامعة لم يقدر لها أن تفتح أبوابها للطلاب إلا بعد الثورة حيث تغير اسمها إلى جامعة أسيوط، وفى مجال القضاء حصلت مصر لأول مرة فى عصر فاروق على استقلالها القضائى بعد إلغاء المحاكم المختلطة وإلغاء الامتيازات الأجنبية عام 1938، كما صدر أول قانون للسلطة القضائية عام 1942 وأنشئ مجلس الدولة عام 1946، وفى مجال العمل النقابى تم إنشاء نقابة الصحفيين عام 1942، وفى مجال الرى تم إنشاء خزان جبل الأولياء عام 1938 كما أنشئت قناطر الدلتا وقناطر أسيوط عام 1939 وتم افتتاح قناطر إسنا عام 1945، كما تم البدء فى حفر ترعة النوبارية عام 1952، وفى المجال العسكرى تم إنشاء مدرسة الطيران بألماظة عام 1937 التى تحولت بعد ذلك إلى كلية للطيران، كما تم إنتاج أول طائرة تدريب مصرية بمحركات توربينية فى عام 1951، وكان قد تم قبل ذلك تمصير الجيش المصرى بالكامل عام 1938، ...وفى مجال العمل العربى والدولى تم توقيع بروتوكول جامعة الدول العربية عام 1944، ثم انضمت مصر إلى الأمم المتحدة عام 1945.