مغامرة صحفية.. نصائح مستشفى العباسية لراغبي الانتحار: هتخش النار

أخبار مصر

الانتحار - أرشيفية
الانتحار - أرشيفية


"الخط الساخن" للانتحار دليلك للموت السريع

- يحول المرضى إلى العباسية والمستشفى لاتعلم بوجوده

- يحارب الانتحار برفع شعار "كفر".. وجهنم مصير المُنتحر

- طبيبة نفسية تحاضر محررة الفجر حول "عذاب جهنم" بدلًا من مواجهة الاكتئاب

- استشارى نفسى: المكتئب يحتاج علاجًا


أطلقت الأمانة العامة للصحة النفسية، التابعة لوزارة الصحة والسكان، منذ أيام مبادرة «حياتك تستاهل تتعاش»، للحد من حالات الانتحار، وتم تدشين خط ساخن برقم 0220816831، للرد على الذين يفكرون فى الانتحار ومساعدتهم وحل مشاكلهم.

«الفجر» خاضت تجربة صحفية مختلفة، إذ قررنا الاتصال على هذا الرقم، لمعرفة آليات عمل تلك المبادرة، وجدنا رسالة مسجلة ترحب بنا فى الخط الساخن للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، ثم رد علينا أحد أعضاء المبادرة.

على الفور، أخبرته أننى تراودنى أفكارا انتحارية، واتصلت بهم فى اليوم السابق ليلا ولكن لم يرد أحد، فقال إن مواعيد الخط الساخن من 9 صباحا حتى 3 مساء وفيما بعد سيمتد الوقت حتى الثامنة ليلا، لكن الخدمة لن تكون على مدار 24 ساعة، موضحا أن هذا خط ساخن خاص بالإدمان والانتحار والصحة النفسية.

وبعدها بدأ الحديث معى عن فكرة الانتحار وما أسبابه وتعرف على وعلى دراستى واسمى وعائلتى، وطلب رقم الهاتف الخاص بى حتى يتواصل معى أحد الأطباء النفسيين لمتابعتى، ومن ثم إرسالى لأقرب مستشفى، وهو مستشفى العباسية للصحة النفسية لأتلقى العلاج بها.

وتابع: توجهى إلى العيادة الخارجية بمستشفى العباسية، لقطع تذكرة كشف وقيمتها جنيها واحدا، والمواعيد من 9 صباحا حتى الـ12 ظهرا يوميا ما عدا يوم الجمعة، وهناك ستجلسين مع طبيب نفسى، وبعد دراسة حالتك سيعطيك أدوية وستخرجين فى نفس اليوم، وبعدها سيتابعون معى من خلال الخط الساخن.

بعد ذلك بدقيقتين فقط، اتصلت بى طبيبة تدعى داليا من أعضاء الحملة، ولكن ليس من رقم الخط الساخن، بل من رقم هاتف محمول، أخبرتها بأسباب رغبتى فى الانتحار، وبدأت تسمعنى وتتحدث معى جيدا، ثم أعطتنى أفكارا لعلاج الاكتئاب الذى أمر به حتى أبتعد عن فكرة الانتحار، وطلبت منى أن أبحث عن عمل وأن أخرج دائما لمقابلة الأصدقاء وممارسة الهوايات المفضلة، كما طلبت منى أن تتواصل مع عائلتى لتوجيههم وإعطائهم بعض النصائح للتعامل معى وأنهم يجب أن يستمعون لحديثى جيدا.

طلبت منها رقم هاتفها ولكنها رفضت، وأوضحت أنني حينما أتصل على الرقم الذي طلبتني منه سترد علي حتى الساعة الثامنة.

وأخبرتنى أن الحل هو أن أذهب إلى مستشفى العباسية كخطوة أولى، وطلبت منى عندما أذهب إلى المستشفى أن أحدثها عبر الهاتف وأخبرها أننى بالطريق حتى تتصل بهم هناك ويسهلون لى الدخول.

كان التعامل منهم حتى هذه اللحظة جيدا ولكن أن يكون هذا الخط الساخن حتى الثالثة عصرا أمرا سيئا للغاية، لأن الكثيرون تأتيهم الأفكار الانتحارية ليلا، وحينما يتصل الشخص الراغب في الانتحار بالخط الساخن ليلا لن يرد عليه أحد.

وبعدها بيومين ذهبت إلى المستشفى فى العاشرة صباحا واتصلت بها وأنا فى الطريق، ثم أخبرتنى أنها تواصلت معهم فى مستشفى العباسية، وطلبت منى أن أتوجه إلى مكتب مدير المستشفى ويدعى مصطفى شحاتة، وهو سيسهل لى كل شيء وأى شخص يقابلنى أخبره أننى جئت من طرف الخط الساخن وسأدخل فورا.

وبالفعل ذهبت إلى مكتب مدير المستشفى، وأخبرت العاملين أننى جئت من طرف الخط الساخن وأريد مقابلة الدكتور مصطفى شحاتة مدير المستشفى، فقال لى أحدهم تقصدين الخط الساخن الخاص بالإدمان، قلت له لا انتحار، أخبرنى أن الانتحار ليس له خط ساخن ويجب أن أتوجه إلى العيادة الخارجية للكشف، لم يكن لديه أى فكرة عن الخط الساخن الخاص بالانتحار، ليس هو بمفرده ولكن كل العاملين فى هذا المكان لم يكونوا على دراية بهذا الخط من الأساس.

اتصلت مرة أخرى بطبيبة الخط الساخن وأكدت لى أنها تحدثت مع المدير وطلبت أن تتحدث مع العامل حتى يسمح لى بالدخول إلى المدير وبالفعل دخلت إلى المدير وكان لديه خبر بوصولى ورحب بى وطلب منى أن أنتظره.

عندما دخلت مكتب المدير وجدته ممتليء بأكثر من 10 أشخاص، جميعهم موظفون بالمستشفى يعرضون على المدير بعض الشكاوى لحلها، ومنهم ممرضة قالت له أنها تريد إصلاح باب القسم المسؤولة عنه، لإنه لا يغلق جيدا وهناك مريضة تخلع ملابسها بالكامل وتقف أمام الباب وهو مفتوح وأن لجنة حقوق المرأة كتبت في تقريرها أنه يجب اصلاح هذا الباب.

وموظف آخر يتحدث مع زميلة له ويخبرها أن القاهرة من أكثر المدن تلوثا على مستوى العالم وستصاب بالسرطان عاجلا أم آجلا.

جلست في المكتب مع هؤلاء الموظفون  وهم يتحدثون مع المدير عن مشاكلهم بصوت عال ومزعج.

مجرد الاستماع إلى حديثهم كان أمرا محبطا للغاية ويصيب أي إنسان طبيعي بالاكتئاب.

وبعد أكثر من 20 دقيقة تذكر المدير أننى بالمكتب وقام من على كرسى مكتبه وجلس بالقرب منى وقال لى إنه يريد أن يحدد معى موعدا فيما بعد حتى يتحدث معى على انفراد، وسألنى عن المنطقة التى أسكن بها، وبعدها قال لى «هشوف لو فى أى دكتور فاضى يقعد معاكي»، وبعد 5 دقائق طلب من أحد الموظفين أن يذهب معى إلى العيادة الخارجية، حتى أجلس مع طبيبة نفسية تدعى الدكتورة هالة وهى مديرة العيادة الخارجية.



طبيبة نفسية تحاضر محررة "الفجر" حول عذاب جهنم  بدلًا من مواجهة الاكتئاب



وبالفعل ذهبت إلى العياة الخارجية لأجد طبيبة تدعى "هالة" جالسة مرتدية الحجاب وهي في أواخر العقد الرابع من عمرها، أخبرتها أنني جئت من طرف الخط الساخن فاعتقدت أنه خط الإدمان ولا يوجد لديها علم بالخط الساخن الخاص بالانتحار، قائلة: "إحنا معندناش خط ساخن نفسي".

وبدأت أوضح لها سبب حضوري لأخبرها أنني تراودني أفكارًا انتحارية، فهزت رأسها وسمحت لي بالجلوس وبدأت تتحدث معي، لتطلب مني بطاقة الرقم القومي لقطع كشف وإنشاء ملف باسمي، وحينما طلبت منها عدم تقديم أي معلومات عن نفسي قالت إن في هذه الحالة سيكون الكشف "ودي".

واستكملت معها الحديث لأروي لها قصة قمت بفبركتها بأنني أفكر في الانتحار بسبب وفاة والدي، ومررت بأكثر من محاولة فاشلة للانتحار لكن كان يتم إنقاذي في كل مرة من خلال أسرتي، لأجدها تنجذب إلى حديثي وتطلب مني غلق الباب حتى أتحدث معها بحرية ودون أن يستمع إلينا أحد.

وبدأت تسألني، عن أسرتي وعلاقتي بأفرادها، لتعلق: "الموت كأس يمر على الجميع ويجب أن نتقبل الفكرة لأن الله خلقنا هكذا ولايوجد إنسان كبير على الموت.. والله هو الذي شاء بإرادته أن يأتي بي إلى هذه الدنيا ومكتوب إذا كنت سأموت منتحرة أو أتوفى وفاة طبيعية بإرادة الله".

وأضافت: "الدين الإسلامي يؤكد أن المنتحر مصيره إلى النار"، موجهة لي سؤال: "هل أريد أن أحكم على نفسي بالشقاء في الحياة الأبدية، فمن الممكن أن ألتقي بوالدي في الجنة بينما في حال انتحاري سيكون مصيري عذاب جهنم".


لتنتقل إلى إقناعي بديني الإسلامي، قائلة: "أراكِ ملتزمة بحجابك وإلى حد ما لديكِ قناعة بالإسلام لأنه الدين الوحيد الذي يحث النساء على الحجاب، وبناء على ذلك فإن تعاليم ديننا الإسلامي تقر بأن المنتحر مصيره الشقاء وسيبعث على ما كان عليه وهو كافر ومصيره النار"، مشددة بأن وفاتي في ظروف طبيعية سيكون مصيري بعدها الجنة بينما في حال أقدمت على الانتحار سأكون من أهل الشقاء.

أخبرتها أنني على الرغم من معرفة ذلك إلا أني مازلت أفكر في الانتحار بجدية ومن الممكن أن يسامحني الله على فعلتي، لترد: "إن الله وضع لنا
دستور للحياة يوضح لنا الصواب من الخطأ والله حذرك من الانتحار ومع ذلك عصيته وغيرت قراره وقدره مضيفة أنني سأموت في لحظة ما ولكنني أريد أن أفعلها بطريقة دخل لي الشيطان من خلالها".

واستكملت لأؤكد لها مرة أخرى أنني أعلم أن الانتحار حرام وكفر وأن من يلقون أنفسهم أمام عربات مترو الأنفاق يعلمون أيضًا أن الانتحار كفر في محاولة مني أن تتطرق الطبيبة إلى منطقة أخرى في الحديث وأن تحاول سماعي، لأجد الانفعال يظهر على ملامح وجهها وتحتد في طريقة حديثها، قائلة: "يجب أن تتصوري حياتك فيما بعد وحياة الشقاء التي ستعيشين فيها بسبب الانتحار".

وتطرقت للحديث معي حول إمكانية أن أجعل نفسي سعيدة ليست مكتئبة، من خلال مظهري وارتداء ملابس ذات ألوان مبهجة، وقولت لها إن التظاهر بالبهجة ليس شرطًا لأن أكون بحالة نفسية جيدة واستشهدت بحالة أحد المطربين العالميين الذي قرر أن ينهي حياته بنفسه بعد أن التقط لنفسه صورًا وهو يضحك، لينتحر في ظل أن كان الكثييرون يعتقدون أنه على ما يرام.

لترد في غضب شديد قائلة: "وضعهم يختلف عنا فليس لديهم فكرة الثواب والعقاب ودينهم وعقيدتهم ليس كعقيدتنا فعندما تأتي لهم فكرة الانتحار لم
يكن لديهم وازع ديني يمنعهم من ذلك".

أخبرتها أن محاولة انتحاري الأولى أهلي قاموا بتعنيفي معللين أن هذا كفر ويجب أن ألتزم في الصلاة، فقالت إنهم تعاملوا معي بهذه الطريقة من أجل تحقيق مصلحتي، لكن العنف لن يثمر عن نتيجة، موضحة أن الصلاة تريح الإنسان بالفعل وأن الإنسان يجدد صلته بالله خمس مرات باليوم، وعندما تبتعدين عن الله، الشيطان يجد لكي مدخلا، فالصلاة تردعه.


سألتها هل ما أعاني منه هو بفعل "شيطان"، لترد بأن الإنسان مادة وروح، وأن أي اضطراب يحدث للمخ من الاكتئاب يتم علاجه من خلال الكيمياء "الدواء"، وهو ما يتعلق بالمادة، أما فيما يتعلق بالروح فهي من أمر الله، لكن الشيطان دائما ينزغ للإنسان منزغ الدم ويدخل للإنسان عندما يكون الإنسان ليس على صلة دائمة بالله.

وأضافت أنني أحتاج إلى العلاج وأنها ستعطيني علاجًا مناسبًا، لتنصحني بالمداومة عليه والمتابعة، كما نصحتني بالزواج حتى يكون هذا الزوج عوضًا عن أبي.

وفجأة قامت الطبيبة بإنهاء الجلسة التي امتدت لمدة عشرين دقيقة فقط، بعد تلقيها اتصالُا هاتفيًا من إدارة المستشفى، وخلال هذه المدة قامت بمقاطعة الحديث أكثر من مرة لتطلب مني فتح باب مكتبها لمن يطرقون عليه.


كانت الدكتورة هالة تتحدث معظم الوقت بنبرة صوت حادة كما كانت تتحدث في بعض الأوقات بطريقة تتسم بالانفعال، وطوال حديثها معي لم تحاول أن تعطيني حلولا لمواجهة الاكتئاب فكان حديثها بالكامل يدور حول النار والشقاء، والتأكيد على أن المنتحر كافر، وكأنني أتحدث مع أحد الشيوخ وليس مع طبيبة نفسية كبيرة بمستشفى العباسية ومديرة العيادة الخارجية بها.

وبعدها ذهبت إلى الطبيب مصطفى مدير المستشفى كما طلب مني، ليخبرني عامل الأمن أنه يحضر اجتماع فانصرفت من المكتب، وبعدها لم يتواصل معي الخط الساخن مرة أخرى كما وعدوني من قبل، بالإضافة إلى أن المستشفيات التي يحول عليها المرضى من الخط الساخن لا يعلمون من الأساس أن هناك خطًا ساخنًا للانتحار ولايوجد أي تنسيق بين المستشفى وهذا الخط بدليل أن لا أحد يعلم بالمستشفى أن هناك خطًا ساخن للانتحار.



استشاري بالطب النفسي: المكتئب يحتاج علاجًا

«الفجر» تواصلت مع الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى لمعرفة ما هى الإجراءات الواجب اتخاذها مع الشخص الذى لديه ميول وأفكار انتحارية، فقال: حينما يأتى له مريض تسيطر عليه فكرة الانتحار بقوة لا يدعه يذهب إلى منزله فى هذا اليوم، ويقوم بحجزه فى المستشفى على الفور، ويعطيه جلسة كهرباء لمصلحته، فبمجرد سيطرة الفكرة على الشخص يجب دخوله المستشفى على الفور، وهذا قرار لا يوجد فيه تردد، والطبيب الذى لا يفعل ذلك تجب محاسبته.

وأضاف: إذا رفض أهل المريض دخوله المستشفى، عليهم أن يوقعوا على ورقة، تفيد أنهم رفضوا حجز المريض، موضحا أنه إذا كان المريض لا يستطيع دفع تكاليف المستشفى سيرسله إلى مستشفى حكومى، مثل مستشفى الدمرداش مثلا.

وعن دواء سيسرين وتيجرال، الذى أعطته لى الطبيبة فى مستشفى العباسية، أكد أن الدواء صحيح وليس خطأ ولكن الجرعة غير كافية تماما لمريض الاكتئاب، الذى يحاول الانتحار، فالجرعة قليلة ولا تعطى النتيجة التى يريدها كطبيب، وبالتالى المريض لن يصل إلى الشفاء.

وتابع: هناك بعض مرضى اكتئاب يضحكون ويمزحون طوال الوقت، ومن الممكن أثناء المزاح أن يقدمون على الانتحار، ومن الممكن أن تجد فتاة تضع مساحيق التجميل ولكنها مكتئبة، فالمظهر ليس شرطا لمعرفة ما إذا كان الشخص مريضا بالاكتئاب أم لا، موضحا أنه لا يتحدث مع المريض عما إذا كان الانتحار كفرا أم لا، ولا يتحدث معه فى أمور دينية، لأن الدين ليس له علاقة بالمرض، وهذا ليس علاجا.