بعد اختيارها لرئاسة لجنة تحكيم في "كان" السينمائي.. رحلة نادين لبكي من الكليبات للعالمية

الفجر الفني

نادين لبكي
نادين لبكي


تعيش المخرجة اللبنانية نادين لبكي حالة من التوهج في الفترة الأخيرة، تحصد فيها نجاحات عدة، كان آخرها الإعلان عن اختيارها رئيسًا للجنة تحكيم مسابقة Un Certain Regard "نظرة ما" بمهرجان كان السينمائي فى دورته المقبلة، وذلك على الرغم من قصر عمرها الفني الذي لا يتجاوز العقدين إلا أنها استطاعت أن ترسخ لها مكانًا مميزًا في الأوساط الفنية العربية منها والعالمية.

بدأت نادين رحلتها عبر إخراج الكليبات والإعلانات، كما شاركت بالتمثيل في عدد من الأفلام، إلا أن نجاحها الأكبر جاء من خلال الشاشة الكبيرة، حين اتجهت لإخراج الأفلام السينمائية، ورغم أنها لم تقدم سوى ٣ أفلام إلا أنها وصلت للعالمية من أقصر الطرق وأيسرها، ولم تستغرق وقتًا طويلًا كغيرها من صناع السينما العرب، ليلتفت لها العالم، وأصبح الكثيرون يعتبرونها تجسيدًا حيًا للتعبير الشهير strong independent woman "امرأة مستقلة قوية".



ولدت نادين في الثامن عشر من فبراير عام ١٩٧٤، في العاصمة اللبنانية بيروت، وشقيقتها هي المخرجة كارولين لبكي، ودرست نادين الإعلام في جامعة القديس يوسف، وتخرجت فيها عام ١٩٩٧، وكان مشروع تخرجها هو الفيلم القصير "١١ شارع باستير"، والذي حصد جائزة أفضل فيلم قصير في حفل السينما العربية في المعهد العربي العالمي بباريس.

تتقن نادين ثلاث من اللغات الأجنبية هي: "الإنجليزية والفرنسية والإيطالية"، واهتمت بعد تخرجها بثقل مواهبها الفنية بالدراسة المتخصصة، حيث التحقت بورشة للتمثيل بمدرسة الدراما الفرنسية Cours Florent، كما شاركت في برنامج اكتشاف المواهب الشهير "ستوديو الفن" عن فئة الإخراج، وأخرجت خلاله فيديو كليب بعنوان"حبيبي يا" لكارلا، ومن ثم انطلقت مسيرتها في عالم إخراج الإعلانات والفيديو كليب.


أخرجت نادين عدد كبير من الفيديو كليبات لمطربين مشاهير في العالم العربي، وكانت بداية ذيوع صيتها في عام ٢٠٠٠، من خلال كليب "طير الغرام" للمطربة اللبنانية بسكال مشعلاني، تبعه عدد من الأغاني الناجحة لنجوم الصف الأول من بينهم: ماجدة الرومي التي أخرجت لها "اعتزلت الغرام"، وكارول سماحة التي تعاونت معاها في "حبيب قلبي"، و"اطلع في"، ونوال الزغبي في كليب "بعينك"، وغيرهم، لكن نجاحها الأكبر جاء من خلال تعاونها مع المطربة نانسي عجرم التي أخرجت العديد من الكليبات الناجحة بدأتها ب "أحبك آه" في عام ٢٠٠٢، و
واستكملتها في أغاني أخرى منها: "ياي"، و"يا سلام"، و"يا طبطب يا دلع"، و"في حاجات"، و"أنت إيه".


لم يتوقف نشاط نادين عند إخراج الكليبات والإعلانات، إنما خاصت تجربة التمثيل في عدة أفلام، وكانت الانطلاقة في عام ٢٠٠٦، من خلال فيلم "البوسطة"، كما شاركت في فيلم "رصاصة طايشة" ٢٠١٠، حيث لعبت دور البطولة، والفيلم المغربي"rock the casbah"، كما كان لها ظهور مميز في الأفلام التي أخرجتها.

في عام ٢٠٠٧، كانت نادين على موعد مع العالمية من خلال مشاركة فيلمها الأول "سكر بنات" في مهرجان كان السينمائي الدولي، حيث عُرض ضمن عروض أسبوعي المخرجين بالمهرجان، ويتتبع الفيلم حيوات خمس سيدات لبنانيات في أحد مراكز التجميل ببيروت، وتتناقش نادين من خلاله قضايا الحب والعادات والتقاليد وغيرها من الموضوعات بشكل غلب عليه الطابع الكوميدي الساخر، ولم يتوقف نجاح الفيلم نقديًا بحصوله على إشادات عالمية ومحلية، حيث حصلت نادين على شارة فارس وسام الفنون والآداب من وزارة الثقافة والإعلام الفرنسية واختيرت ضمن أفضل 10 مخرجين في مهرجان صندنس السينمائي، وإنما حقق نجاح جماهيري وأرقام قياسية بعد عرضه في الموسم الصيفي في لبنان.

بعد ثلاث سنوات من احتفاءها بعملها السينمائي الأول، أنجزت نادين فيلمها الثاني "وهلأ لوين؟"، والتي واصلت من خلاله طابعها الساخر والخيالي، حيث عرض الفيلم قصة مجموعة من النساء مسلمات ومسلمات يحاولن منع تجدد الحرب الطائفية في قريتهن، وحقق الفيلم أيضًا نجاحًا عالميًا، حيث كان عرضه الأول في مهرجان كان السينمائي في فئة "Un Certain Regard"نظرة خاصة، وتواصلت نجاحاته بحصوله على جائزة اختيار الجمهور بمهرجان تورنتو السينمائي الدولي، وغيرها من الجوائز في مهرجانات دولية منها ستوكهولم، وسان سيباستيان، إلى جانب ترشيحه لنيل جائزة أفضل فيلم أجنبي باختيار النقاد في لوس أنجلوس.


مارست نادين العمل السياسي، حيث شاركت في الانتخابات البلدية لبيروت في مايو ٢٠١٦، وكانت مرشحة ضمن لائحة الحركة السياسية الجديدة (بيروت مدينتي)، وحصلت خلالها على ٤٠٪؜ من أصوات الناخبين، لكن الحركة خسرت مقابل لائحة "البيارتة" والتي يدعمها رئيس الحكومة اللبنانية الحالي سعدالدين الحريري.

بعد خسارتها، عادت نادين للتركيز على مسيرتها الفنية، وفي العام الماضي خرج فيلمها الثالث "كفر ناحوم" للنور، وفيه اختارت نادين أن تبتعد عن الكوميديا والخيال التي اعتادته في فيلميها السابقين، واختارت الواقعية بديلًا، حيث قدمت فيلم أقرب لأن يكون وثائقيًا، واستعرضت فيه حياة طفل لبناني بلا أوراق هوية يقرر مقاضاة والديه على إنجابه للحياة دون إرادته.

عُرض الفيلم لأول مرة في مهرجان كان السينمائي الدولي، وحصد جائزة لجنة التحكيم، وواصل نجاحه بعدها بعرضه في قرابة ٢٥ مهرجان دولي، وحصده العديد من الجوائز الهامة، من بينها جائزة الجمهور فى مهرجان ملبورن بأستراليا، وجائزة لجنة التحكيم فى مهرجان النرويج السينمائي الدولي، وكُلل نجاح الفيلم بترشيحه لنيل جائزة الأوسكار ضمن فئة أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية، والتي خسرها لصالح الفيلم المكسيكي "روما"، وكعادة أعمالها، لم يتوقف النجاح مع إشادات النقاد والمختصين وحقق الفيلم أرقام قياسية بعد عرضه في صالات العرض اللبنانية.

وقبل ساعات، أُعلن اختيار نادين رئيسًا للجنة تحكيم مسابقة Un Certain Regard "نظرة ما" بمهرجان كان السينمائي فى دورته المقبلة، والتي اُختيرت عضوة فيه عام ٢٠١٥، وستحل نادين في رئاسة اللجنة خلفًت الممثل العالمي بينيشيو ديل تورو.



نجاح نادين لا يتوقف على الحياة العملية، فحياتها الشخصية مستقرة، حيث لا تزال قصة حبها مع زوجها الموسيقي اللبناني خالد مزنر التي تزوجته منذ عام ٢٠٠٧ متوهجة، وأنجبت منه طفلين، هما وليد وميرون، ويتشارك الاثنان حياتيهما الخاصة والعملية، حيث يضع خالد مزنر الموسيقى التصويرية لأفلام نادين، ومؤخرًا اتجه "مزنر" للانتاج السينمائي من أجل نادين، ليساعدها على إنجاز حلمها بإخراج فيلم "كفر ناحوم" للنور، والذي رهن من أجله منزلهما ليوفر نفاقاته، ولحسن الحظ، كان النجاح حليفهما واحتفل بيه سويًا، ولم يندم على خوض تجربة الانتاج.