منال لاشين تكتب : أصدقاء الإخوان فى تركيا وإيران يشاركون فى سد إثيوبيا

مقالات الرأي

منال لاشين تكتب :
منال لاشين تكتب : أصدقاء الإخوان فى تركيا وإيران يشاركون فى


خلال أعمال مؤتمر القمة الإفريقية الاستثنائى تم قطع الكهرباء على الدكتور مرسى لأنه تجاوز المدة المحددة لكلمات الرؤساء والزعماء، لم يكن قطع الكهرباء على مرسى مجرد استهانة بالرئيس المصرى فحسب، لكنه مشهد كاشف للإيقاع المضطرب والمرتبك لمرسى فى أزمة دول حوض النيل وعلى رأسها أزمة بناء سد النهضة بإثيوبيا.

فبعد أقل من 24 ساعة من زيارة مرسى لإثيوبيا وجهت حكومتها صفعة سياسية لمصر، فقد أعلنت إثيوبيا عن بدء تحويل مجرى النيل الأزرق استعدادًا وإيذائنا ببدء العمل فى سد النهضة بإثيوبيا، لم تتنظر إثيوبيا نتائج اللجنة الثلاثية التى حاول مرسى اسكات المعارضة بها، فمرسى استخدم اللجنة كعادته للايهام بأنه نحج أو حتى حقق تقدمًا فى أزمة السد الذى يهدد حصة مصر من مياه النيل.لم تكن هذه اللجنة هى الخطيئة الأولى لمرسى فى ملف السد وأزمة المياه، لكنها فى الحقيقة مجرد حلقة من سلسلة الأخطاء أو بالأحرى الخطايا فى الاستهانة بإثيوبيا والتعامل معها على طريقة سياسة مرسى الداخلية، فقد تصور مرسى انه يمكن أن يضحك على الساسة فى إثيوبيا بزيارة و«كام» قبلة وحضن من إياهم، وكلمتين على كام وعد، وأظن أن مرسى فى زيارته الأولى لإثيوبيا لم يسمع ولم يستوعب وجهة نظر الإثيوبيين، فقد تصور من مجرد الاستقبال الرسمى انه نجح فى تأجيل مشروع السد، ومن المفارقات أن مرسى اختار قنديل لرئاسة الحكومة بعد هذه الزيارة تحديدا، وقد بدا الأمر للبعض كمكافأة لقنديل على نجاحاته فى ملف دول حوض النيل، لكن إعلان تحويل مجرى النهر يفضح كل «القلش» الإخوانى لمرسى وعشيرته، فالسد أمر واقع يجب أن تتعامل مصر بواقعية وتواضع مع الأمر، والحقيقة أن السد كان منذ اليوم الأول لحكم مرسى من الحقائق الأساسية، لكن الإعلان عن تحويل مجرى النيل يوقف على الأقل سيل الانجازات الوهمية التى تم الإعلان عنها فى هذا الملف، على الأقل يجب أن نتعامل بجدية للاستعداد لتجنب الآثار السلبية للسد على مصر، جدية أكبر من التصريحات التى أطلقتها مؤسسة الرئاسة اليوم ردا على الموقف الإثيوبى، فقد قالت الرئاسة أن قرار تحويل مجرى النهر ليس له أثر سلبى على كميات المياه التى تصل لمصر، ومرة ثانية وعاشرة تتلاعب الرئاسة بالكلمات والوقائع لتحقيق انجازات وهمية، واخفاء الكوارث التى ستلحق بمصر من جراء السد وبعد الانتهاء منه.


1 - سباق الغرور بين مرسى ومبارك

لم تختلف سياسة مرسى عن سلفه مبارك فى التعامل مع ملف دول حوض النيل، كلاهما يتعامل بغرور غير مبرر وبجهل بالشأن الإفريقى فاضح ومدمر، فعندما ظهرت قضية السد أمام مبارك تجاهل المشكلة وقتا طويلا، ثم صور له غروره أنه يستطيع أن يلجأ إلى الأيام الخوالى و(يدك) إثيوبيا، وكان الطيار حسنى مبارك قد شارك فى عملية قرى سودانية فى عملية ظلت تطارده حينا عندما وصل للرئاسة، وعندما بدأ اصرار إثيوبيا على بناء سد النهضة ظهرت فكرة استعمال القوة مع السد، وذلك من خلال عملية عسكرية. لم يكن هذا التفكير معلنًا لكنه كان أحد الخيارات المطروحة على مائدة مبارك، وكان النظام المصرى فى عهده قد بنى خطته لمواجهة السد على حسابات خاطئة. أول هذه الحسابات أن البنك الدولى لن يدعم إثيوبيا لبناء السد، وذلك لمخالفته للاتفاقيات الدولية، ولكن إثيوبيا لم تتقدم للبنك الدولى ولا غيره من المؤسسات الدولية لبناء السد، ولذلك فإن الاعتماد على ورقة البنك الدولى كانت من ضمن خطايا مبارك.

وجاء مرسى بنفس الغرور فقد تصور أن زيارته الأولى المباركة لإثيوبيا كافية لأن توقف المشروع وأن النيل نفسه سيتوقف عن السريان احتفاء بالزعيم الفاتح مرسى، وخلال الزيارة وقع مرسى فى نفس أخطاء مبارك، فقد قدم لإثيوبيا عروضا من نوع «نساعدكم فى الاقتصاد وببعثات تعليمية» وكأن إثيوبيا فى حاجة إلى التعليم المتخلف المصرى، وكأن مصر برجال أعمالها، وباستثماراها هى يد الله لانقاذ إثيوبيا الفقيرة والمتخلفة. لقد ذهب مرسى لبلد لا يعلم عنه شيئا سوى خرافات، وبعض صور من الماضى. إثيوبيا تحديدا لا تحتاج لرجال الأعمال الإخوان أو غيرهم فى مصر، لأن إثيوبيا ببساطة لديها جيوش من رجال الأعمال من جميع الدول. لقد تصور مرسى أن مجرد رحيل مبارك كافٍ لإزالة كل العقبات فى علاقتنا بإثيوبيا، وعلى رأسها سد النهضة، ولذلك تصور مرسى وأهله وعشيرته أن إثيوبيا ستوقف السد اكراما للثورة المصرية، ولكام زيارة شعبية من الثوار والمعارضين لمبارك.

من بين الأخطاء أو الخطايا التى ارتكبها مرسى فى زيارته الأولى تصريحاته بأن السد لن يؤثر على مصر، أو حصتها من مياه النيل لان مثل هذه التصريحات تفقد الموقف المصرى قوته التفاوضية، فإذا كان السد لن يؤثر على حصه مصر، فما الداعى إذن للجنة الثلاثية أو غيرها من اللجان أو حتى المفاوضات؟


2 - أصدقاء مرسى يبنون السد

ولكن الخطيئة الأكبر لمرسى أنه لم يحاول كسب التأييد الدولى للموقف المصرى فى ذلك الملف بل إن أشقاء وأصدقاء مرسى وإخوانه وعشيرته فى كل من تركيا وإيران يتسابقون الآن للمساهمة فى (سبوبة) بناء سد إثيوبيا. يذهب خيرت الشاطر كل يوم والتانى إلى تركيا، مللت من عد زياراته لتركيا، ومرسى ذهب لتركيا وشارك فى مؤتمر الحزب الحاكم، وبالمثل جاء الرئيس الإيرانى نجاد إلى مصر، وذهب مساعد مرسى الدكتور عصام الحداد إلى إيران، وصلات الود بين الإسلاميين فى البلدان الثلاثة ممتدة ومتينة، ولكن مرسى لم يضع ملف السد على طاولة المفاوضات مع تركيا أو إيران، فالشركات الإيرانية والتركية تتسابق الآن وبرعاية وعد حكومى على الفوز بجزء من أعمال السد، وبعض المتابعين لعملية تمويل السد يرصدون بعض الوقائع المهمة، فرجال الأعمال الإيرانيون والأتراك عرضوا على إثيوبيا المشاركة فى بناء السد بنظام المشاركة (بى أو تى) لمدة خمسين عاما، وذلك نظير الحصول على المشروعات الزراعية والصناعية المصاحبة للسد، فى البيزنس الكل يتسابق على الكعكة ولا يكتفى بالشعارات والتصريحات المضروبة، فمشروع السد أصبح واقعا، وعلى الجميع ونحن أولهم التعامل مع هذا الواقع والاستفادة من الأوضاع الجديدة وتقليل الخسائر لأقصى حد ممكن، والأهم البعد عن المزايدات السياسية، فسد إثيوبيا ليس مجرد مؤامرة إسرائيلية على مصر. الحقيقة التى يتجاهلها الكثير من المصريين أن كل دول حوض النيل تعانى من نقص الكهرباء والطاقة. أكبر دولة فى حوض النيل وهى إثيوبيا لا تغطى الكهرباء أكثر من 50% من مدنها وأرضها، وهناك بعض الدول تصل النسبة إلى 15%، وكل هؤلاء ينظرون للموقف المصرى بغضب شديد، فمن حق دول حوض النيل أن تجد الطاقة والكهرباء لإنارة شوارعها وبيوت مواطنيها، والأهم لتشغيل مصانعها وابنائها، ومن حق إثيوبيا أن تنبى سدا يضمن لها أعلى عائد من الكهرباء والطاقة، وأن تحلم بأن تصبح مثل مصر فى مجال الكهرباء، فى كل دول حوض النيل يتحدثون عن المطارات التى لا تعرف الإضاءة الكاملة لديهم فى مقابل الأنوار التى تضىء أقل وأصغر شارع فى مصر، وحكامنا الجدد يتهمون الشعب المصرى بالتفريط والافراط فى استخدام الكهرباء، وهذه الاتهامات تؤكد لأهل دول حوض النيل أن مصر تقف فى طريق نهضتهم بدون مبرر، وهذا الشعور يزيد من سوء موقفنا مع الأشقاء فى إفريقيا ودول حوض النيل بشكل خاص، وعلى مصر أن تبذل جهودا محلية ودولية لمواجهة الأزمة.جهد حقيقى، وليس مجرد دعاية جوفاء، وأن تدخل فى تفاوض محدد ومباشر مع إثيوبيا لتقليل الآثار السلبية.


3 - 60 مليارًا وحصة مؤجلة

بعد انتهاء بناء السد وبدء تكوين البحيرة ستبدأ مشاكل مصر أو بالأحرى معاناتها مع نقص المياه. خلال سنوات ملء البحيرة ستتأثر حصة مصر، ولذلك فان المفاوضات المباشرة مع إثيوبيا تتطلب وضع التعويض المالى والمائى على مائدة المفاوضات. بحيث تدفع إثيوبيا لمصر حصة اضافية تعويضا عن الحصة الضائعة نتيجة البحيرة، ومن المفاوضات المهمة أن تزيد إثيوبيا سنوات ملء البحيرة حتى لا تؤثر بشدة على حصة مصر، فبدلا من أن تنتهى إثيوبيا من ملء البحيرة فى ثلاث سنوات قد تكون مدة الست سنوات أكثر ملاءمة لظروف دول المصب «مصر والسودان».

ولكن الخطوات الاهم تبدأ من مصر، فنحن نعانى أزمة مائية، ويجب الاستعداد من الآن إلى تزايد الأزمة بعد انتهاء إثيوبيا من سدها، وقد كان لدى مصر مشروعات للاعتماد على تحلية مياه البحر الأحمر والمتوسط، وذلك لتوفير المياه للساحل الشمالى ومرسى مطروح، وبالمثل توفير المياه لشمال سيناء وجنوبها، وتبلغ تكلفة تحلية متر مربع من مياه البحر نحو 5 جنيهات، ولو كانت مصر نفذت المشروعات قبل خمس سنوات لقلت التكلفة إلى 3,5 جنيه للمتر المربع.

التحول لنظام الرى بالتنقيط بدلا من الرى بالغمر هو أحد المحاور الهامة فى اطار ترشيد المياه فى مصر، وتستطيع الحكومة أن تطلب دعم وخبرة البنك الدولى والعديد من المؤسسات للانتهاء من هذا المشروع قبل بدء تكوين بحيرة سد إثيوبيا.من الملفات المهمة الإقلال من زراعة الأرز بغرض التصدير، لأن تصدير الأرز يتجاهل سعر المياه التى تحتاجها زراعة الأرز. باختصار يجب أن نبدأ الآن وعلى الفور بالإجراءات بعيدا عن الشعارات والجهل بالحقائق، فقد كان من نكت مرسى سؤاله للمزارعين (ليه ما تزرعوش أرز) فالدكتور مرسى لا يعرف أن احد أساليب ترشيد المياه هو الإقلال من زراعة الأرز. بكفاية تصدٍ للمشاكل بدون دراسة، وبكلام لا يسمن ولا يغنى من جوع.مصر تواجه أزمة أو بالأحرى كارثة حقيقة، وقد نواجه عطشا مائيًا إذا لم نواجه سد إثيوبيا، ليس بالكلام أو الخناقة مع إثيوبيا، ولكن بالمفاوضات المحددة مع دول حوض النيل من ناحية، والمشروعات المائية المحلية من ناحية أخرى، والأهم أن نكف عن الغرور وتصور أن لدى مصر ما تزغلل به عين إفريقيا. بصراحة راحت علينا، ولسه بدرى لاستعادة مكانتا فى إفريقيا، فالسباق الآن يجرى على قدم وساق بين الصين وإيران وتركيا والإمارات والمستعمرين القدامى.

■ زيارة الرئيس الإخوانى الأولى لإثيوبيا تركت أثرا سلبيا وساهمت فى إفشال المفاوضات