د.حماد عبدالله يكتب: عمق "مصر" الإستراتيجي !! {1}

مقالات الرأي

د.حماد عبدالله -
د.حماد عبدالله - أرشيفية



ملف العلاقات المصرية الإفريقية هو الملف الأكثر أهمية والأكثر خطورة لمستقبل الأمة المصرية ليس فقط منذ توتر العلاقات بين مصر والسودان ودول حوض النيل السبع , وليس فقط منذ عصر الثورة المصرية منذ 1952 وحتى وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مساء يوم الإثنين 28 سبتمبر 1970 , وإنتهاء زعامة وطنية مصرية وعربية وإفريقية بل وعالمية حرة , حيث كانت إفريقيا على رأس أجندة العمل الوطني المصري خلال تلك المرحلة الناصرية .
بل تمتد تلك العلاقة إلى عصور قديمة لعل أهم ما ورد في المراجع العربية عنها في العصور الوسطى بعد الفتح الإسلامي لدول شمال أفريقيا وعلى رأسهم مصر , وقيام دويلات إسلامية مختلفة منذ الدولة العباسية وأهمها (مراكش) (788 إلى 985 ميلادية) وتونس (800 , 909 ميلادية) والجزائر (1007 , 1072 ميلادية) والمغرب (1556 , 1147 ميلادية) والأندلس (أسبانيا) 1130 , 1269 ميلادية وقبل كل تلك الدويلات الإسلامية كان الفتح العربي والإسلامي لمصر عام (640 ميلادية) وهي مفتاح الدخول ونشر الإسلام في قارة إفريقيا شمالها وغربها وجنوبها ,
وكانت أول أواصر العلاقات المصرية الإفريقية  بجانب العوامل الجغرافية , وإمتداد نهر النيل من الجنوب الشرقي للقارة , دول أثيوبيا ودول حوض النيل إلى شمالها, كانت قوافل الحجيج إلى مكة المكرمة , ولظروف جغرافية شديدة الصعوبة ووعورة الطرق الصحراوية المؤدية إليها من "مصر" , ولوجود دروب صحراوية عرفناها تاريخياً 


بإسم "درب الأربعين" و"درب الغباري" ودرب "غات"  , وكلها طرق موصلة إلى "مصر"  من غرب إفريقيا وأشهرها دولة (مالي), وكانت القوافل القادمة للحج عبر الأراضي المصرية والتي كانت تصل لأعداد غفيرة وصلت مرة حسب ما جاء في المراجع العربية الملك (منسا ولي بن ماري جاظه) وذلك في عهد السلطان "بيبرس" عام 724 هجرية الموافق 1323 ميلادية أكبر مشهد لوفد الحجيج المسجل إذا بلغ عدد الحجيج في هذا الموكب إلى أكثر من عشرة ألاف حاج حسبما ذكره (إبن الوردي) مما أتاح للمصريين فرصة عظيمة لمعرفة الكثير من أحوال تلك البلاد , وقد ذكر "العمري" في كتاب (مسالك الأبصار) ما بلغه عن أنباء ذلك الركب (المالي) , وإستمر الحديث عنه وعن أخباره بعد رحيله سنين عديدة , وقد ندب السلطان "الناصر محمد" للإشراف على ضيافة (ملك التكرور "المالي") الأمير "أبي الحسن على" "والي مصر" 
ولعل السرد التاريخي السابق يذكر لنا عمق الإهتمام المصري بالشعوب الإفريقية , ولن نعود إلى الملكة (حتشبسوت) وأسطولها البحري الذي كان ينقل التجارة من والي "الصومال والحبشة "في الجنوب الشرقي من القارة ,
ولعل التجارة كانت هي الوسيلة الثالثة في العلاقات حيث بعد العلاقات التي حتمتها الطبيعة – كالنيل ومجراه الطبيعي والدروب الطبيعية للحج والتجارة والمقايضة بين تلك الدويلات "ومصر" , كل هذه العلاقات توطدت عبر السنوات الطويلة في ربط مصائر شعوب القارة ببعضها وإلى حديث أخر في هذا الملف !!