أسماء حسنين تكتب: لقاء مع شهيد

مقالات الرأي

أسماء حسنين
أسماء حسنين


رامي هلال ، او الشهيد رامي هلال ، إسم مر على مسمعي بالاونة الأخيرة كباقي المصريين ، ربما تفاعلت معه للتو مثلما تفاعلت مع إسم كل شهيد من قبله ، فدماء المصريين تعني لي الكثير ، وخاصة من مات دفاعا عن بلدنا الحبيب، فأشعر إن موته يمس قلبي و كأنه أحد افراد عائلتي.

ولكن لكثرة شهدائنا ، ولتركيزي الدائم كصحفيه على مضمون الحوادث الإرهابية ، دون التركيز على من قدمت مصر اليوم شهيدا، وليس ذلك سببا في أهمالي ما قام به شهدائنا، بل ايمانا وثقة بأن مصر بها العديد من رجال السماء التي تقدمهم في كل محنة لها بنيه صافيه من قلوبهم.

لم انتبه لصورة الشهيد هذه المرة ، الا بعد فترة من استشهاده، لأكتشف إنه رامي هلال ضابط الامن الوطني بقسم روض الفرج، الشاب الذي عاوني في وقت من الاوقات لرد الظلم عن أحد الفتيات التي وقعت بين براثن الاقوياء في حي شبرا.

لم أقابله في حياتي إلا مرة واحده، لجأت له بعد أن نفذت كل حيلي وسلطاتي عن رد الظلم عن فتاه وحيدة تعرضت لظلم بين في الحي التابع للقسم الذي يخدم فيه.

طرقت بابه ولست على يقين إن أجد ما أريده خلف هذا الباب ، خاصة وان البعض كان يصنفني على انني من تيار المعارضة ، وكل ما كنت اعلمه عن الامن الوطني وما خلف ابوابه ما يجعلني اتردد الف مره لطرق تلك الباب.

ولكن دون جدوى بعد أن باءت محاولتي بالفشل عجز تفكيري عن وجود أي حلا آخر بديل للجوء إلى الامن الوطني ، حيث ان الموضوع ملابساته لصيقه بهم وهم من يستطيعون حله.

عندما بلغت أمين الشرطة المسئول عن المكتب عن هويتي وابرزت له كارنيه نقابة الصحفيين، أسرع إلي المكتب وعاد لي من جديد ، يبلغني بالسماح لي بالدخول للمكتب ، الذي عندما تسللت إليه فوجئت بشاب وسيم يرتدي نظارة طبية ، يجلس على مكتبه ،استقبلني ورحب بي، ولكنني سألته متشككة، هل انت الظابط المختص ، إجابني بنعم، تحت أمرك.

جلست وبدأت في سرد المشكلة ، ولم يكن بداخلي يقين إنها ستحل ، ولكن كان علي إن ابذل كل ما بوسعي لانقاذ هذه الفتاه.

ولكنني فوجئت به قبل أن انهي سرد المشكلة بتفاعله معي وابدى أسفه ، ولاحقني ، بأنه سيدعم تلك الفتاة واذا كانت هي وحيدة ، فاليوم أصبح لها شقيق سيقوم بتولي أمرها ، حتى تصل إلى بر الامان.

كلماته جاءت برد وسلاما على قلبي ، ولكن مازلت إنتظر الحل ، ولم تمر دقيقة وآحده ، وإذ به يرفع هاتفه المحمول محادثا طرف الأزمة ، وطلب منه بحده في الحديث إنهاء تلك الأزمة فورا ، قبل أن يتدخل بشكل رسمي وقانوني ، ولابد من رفع الأذى عن تلك الفتاة خلال ساعات.

ثم اغلق الخط وطمانني وطلب مني إن اطمئن الفتاة وطلب مني رقم هاتفي لمتابعه الأمر بنفسه حتى تحل الأزمة ، وبالفعل تبادلنا الأرقام ، وتركته وذهبت إلى الفتاة وابلغتها بما حدث منتظرين الجديد في تلك الأزمة.

لم أتوقع إن الأمر سيحل بالفعل خلال ساعات من هذه الجلسة ، بعد أن غاب الحق لمدة سنين ، وبعد فشل كل محاولاتنا مع جميع الجهات لحل تلك الأزمة ورفع الظلم عن فتاة قررت الحياة إن تجعلها وحيدة مظلومة من بعض الكبار.

عاودت الاتصال به اثناء حل الأزمة لشكره، الا إنه فاجئني إنه يريد أن يعرف تفاصيل حل الأزمة ، وقدم لي عدة نصائح لحلها على أكمل وجه. 

وبعد إن حلت بالفعل ، عاود الاتصال بي ليبارك للفتاة عن رفع الظلم عنها ، وطلب مني إن ابلغها أينما ارادت شيئا عليها اللجوء اليه، ومن اليوم لا تخاف ولا تحزن فاصبح لها شقيق يستطيع حل أزامتها. 

كل ما حدث جعلني في حالة ذهول، هل من الممكن إن يكون هناك ظابط أمن وطني لديه من المرؤة والاخلاق ما يجعله يساعد من يلجأ إليه دون سابق معرفه، ولكنني شكرت القدر الذي وضع تلك الشاب في طريقي. 
حتى جاء لي الخبر المشئوم الذي عرفت من خلاله رحيل رامي هلال عن عالمنا البائس، الذي بخل علينا بأن يستمر مثل هذا النموذج الطيب لرد المظالم عن المظلومين.

ولكنني ابتسمت عندما ايقنت آنتي تقابلت مع شهيد، نعم هذه الافعال لا تنتج إلا من شهداء أو ملائكة، فهكذا يختار الله رجاله المخلصيين ، ساكني الجنان. 

ورغم حزني على فراق الرجل الصالح الذي لم أقابله إلا مرة وآحده في حياتي ، وإنه ترك من الاطفال ٤ أبناء يحصدن متاعب الحياة في غيابه، الا انني اطمئنه بأن ما فعله مع الايتام و رده المظالم لمن يعيشون بمفردهم، إن وعد الله حق وسيحمي أبنائه وييسر لهم أمورهم ، ويرسل لهم من يعاونهم كما كان هو عون  لمن يحتاجه.