عادل حمودة يكتب: شيوخ يروجون لزيادة النسل بالأحاديث النبوية الشريفة

مقالات الرأي



عالم أزهرى جليل يصف دعوته لـ"2 كفاية" فى البرامج بـ"أكل العيش"


حين أراد الله أن يوصل رسالته إلى الناس اختار لغة راقية.. جميلة.. اختار نغما مسكوبا.. وحروفا منسوجة من حرير.. الفاصلة انيقة.. الآية منيرة.. والكلمة تعرف طريقها الى القلب لتسكنه بعقد غير قابل للإلغاء.

كان بوسعه سبحانه وتعالى أن يستعمل سلطته الإلهية المطلقة للإنسان: «كن مؤمنا» فيكون مؤمنا.. كن مستقيما فلا ينحرف عن طريق الحق.. ولكنه.. لم يفعل.. واختار أسلوبا نبيلا يجعلنا نصل إلى الحقيقة بأنفسنا حتى تستقر فى ضمائرنا.

وحين أراد الله أن نستوعب أسرار أحكامه فضل لغة العقل.. وهى لغة دقيقة.. محكمة.. تحترم ذاتها.. وتوقر أصحابها.. بشرط أن يتفكروا جيدا فيما وراءها.. وينجحوا فى قراءة ما بين سطورها.. بشرط أن لا يتسرعوا فى تفسيرات خاطئة تقلب المعنى.. ويتورطوا فى فتاوى تكون عليهم.. وهذه آفة كثير من الناس.. ولكنهم لا يعلمون.

كان الشيخ الأزهرى الجليل الحاصل على الدكتوراة فى علم الحديث يسخر من حملات تنظيم الأسرة ويرى أنها منافية للدين ومعارضة لمشيئة الله وتحد من سيطرة المسلمين على كثير من دول العالم التى ينكمش فيها السكان بما يهددها بالانقراض.

وعندما سئل: ولم تكتب فى الصحف وتتحدث فى الفضائيات مناصرا لتلك الحملات؟.

أجاب بسخرية لا تخلو من الواقعية: «أكل عيش» فهم يدفعون بسخاء!.

ثم شعر بالحرج مما قال بعد ان تلقى نظرات مستهجنة من الحضور وكانوا قضاة وأطباء وكتاب رأى ورجال أعمال فأضاف: «الحقيقة ان الرسول صلى الله عليه وسلم شجعنا على كثرة الإنجاب فى حديثه الصحيح: «تناكحوا تناسلوا فإنى مباه بكم الأمم يوم القيامة».

وراح الشيخ يستعرض بموهبته اللغوية ضرورة الالتزام بالحديث الشريف وإلا وقعنا فى المحظور.

اعترض طبيب متخصص فى المخ والاعصاب على ما سمعنا وطلب ان نعطيه فرصة للشرح والتفسير دون ان نقاطعه وتعهد بأنه لن يخرج عن قواعد الشريعة.

توقف الطبيب الشهير عند الحديث النبوى الشريف وراح يستعرض حالة العالم الإسلامى الممتد من الصين إلى الدار البيضاء.. العالم الوحيد الذى يجمع كل العيوب التى تعانى منها البشرية: الفقر والضعف والجهل والفساد والهجرة غير الشرعية والإتجار فى الأعضاء والهروب إلى غيبوبة المخدرات وغيرها من الأمراض السياسية والاجتماعية العشوائية التى تتوطن فيه.

تساءل: يا فضيلة الشيخ هل هذه هى الأمة التى سيتباهى بها رسول الله بين الأمم يوم القيامة؟.

وسكت الرجل.

أضاف الطبيب: إن الإجابة واضحة قاطعة لا تحتاج إلى مجهود ولو ضعيف فأين المشكلة؟.

وأجاب بنفسه: المشكلة أن البعض فسر الحديث الشريف على أنه دعوة للانفلات فى كثرة الذرية ورفض وضع قواعد أو قيود على الإنجاب.. وكأن المباهاة فى الكثرة بغض النظر عن القيمة.. بغض النظر عن ضعف وهشاشة الكثرة.. إن قطعة ماس واحدة تغنى عن فدان عدس.

إن الإنسان يتباهى بولد واحد صالح يقدر على برمجه الكومبيوتر بينما يخجل من مائة ولد لا يفكون طلاسم الخط ولا يفرقون بين الألف وعمود الكهرباء ويجرون عرايا فى الحوارى والأزقة.

المباهاة التى يقصدها الرسول الكريم هى أن تكون الأمة متميزة.. فلا يتصور أن يتباهى بكثرة لا حول لها ولا قوة.. لا تقدر على إطعام نفسها أو حماية أرضها أو إيجاد مكان خاص لها تحت شمس الدنيا التى نعيشها.

يقول صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يأتى زمن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها قالوا أؤ من قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل» أى كثرة مثل ريم الماء.. بلا وزن.

هم الشيخ لينصرف خجلا ولكنه وجد من يشده ليجلس حتى يعلق على اجتهاد الطبيب فى التفسير.

أضاف الطبيب: لو ربطنا بين الحديثين الشريفين لعرفنا أن المقصود ليس الكثرة التى نتخيلها ونسعى إليها.. فلا عبرة بكثرة كغثاء السيل.. لا عبرة بكثرة من الرغاوى والفقاعات.

إذن كيف نفهم الحديث الأول ؟.

يقول الرسول الكريم: «تناكحوا» أى تزوجوا وهو أمر نكون قد نفذناه بمجرد الزواج ثم يقول صلى الله عليه وسلم: «تناسلوا» وهو هنا ليس فعل أمر لكن المقصود به أن من يتزوج ينجب أو مقصود به: إذا تناكحتم تناسلتم أو بمفهوم أبسط: تناكحوا فتتناسلوا وهنا يكون من انجب طفلا واحدا قد تناسل لأنه لو كانت كلمة تناسلوا فعل أمر فأين يذهب العقيم والعاقر منه ؟ خاصة وان الله لا يكلف نفسا إلا وسعها.

الفقرة الثالثة فى الحديث: «تكاثروا».. وهنا مربط الفرس.. ليس المقصود بالكثرة كثرة الذرية.. المقصود: تكاثروا انتم.. وهو أمر طبيعى بعد تناكحوا وتناسلوا.. فحاصل جمع رجل زائد امرأة بعد الزواج والإنجاب لا يكون اثنين وإنما ثلاثة على الأقل.

بمعنى أدق أصبح الشخص الواحد قبل الزواج ثلاثة على الأقل بعد الإنجاب.. وهذا هو معنى تكاثروا.

إن النبى عليه الصلاة والسلام لم يأمرنا بكثرة النسل وإنما امرنا بالتناسل.. ولو كانت العبرة بالكثرة على النحو الشائع بين الناس الآن لما كان الحديث النبوى الثاني: «كغثاء السيل».

والمؤكد ان النبى الكريم يريدنا ثوابت شوامخ ورواسخ لنا مكانتنا بين الأمم نتقدم الصفوف ونستوعب العلوم ونبدع فى الآداب والفنون.. لا نمد أيدينا إلى أحد.. لا نكون فى حاجة إلى أحد مما يجعله سيدا علينا.. متحكما فى مصائرنا لقوله سبحانه وتعالي: «كنتم خير أمة أخرجت للناس».. فكيف نكون خير أمة أخرجت للناس ونحن نعانى من متاعب الكثرة بما فيها من أمية وبطالة وضعف فى الصحة وتخلف فى التعليم ؟.

ويقول سبحانه وتعالى: «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله».. فالفئة القليلة كثيرة الإيمان وكثيرة الثراء وكثيرة المعرفة تسود.. والفئة الكبيرة الضعيفة الهشة المتناثرة المتخلفة لا تسود.

وعلى مستوى الأسرة الصغيرة.. لا معنى لرجل ينجب أطفالا لا يقدر على تربيتهم تربية حسنة.. ولا يقدر على تعليمهم تعليما راقيا.. ولا يقدر على رعايتهم صحيا ونفسيا كما ينبغى.

لا معنى لرجل ينجب أطفالا لا يكونون ركائز فى المجتمع وتروسا عاملة فى ماكينة الحياة.

إن العكس هو المطلوب.

رجل ينجب أطفالا يقدر على أن يضعهم زهورا فى سترة الحياة.. ورجل بهذا الفهم لا يمكن اتهامه بأنه خالف حديث الرسول عليه الصلاة والسلام.. فقد تناكح وتناسل وانتقل من حالة الواحد إلى حالة الكثرة.. ثم بعد ذلك يريد أن يقدم لرسول الله نسلا قويا فى إيمانه وأخلاقه وعلمه وكرامته وأدبه ليتباهى به النبى يوم القيامة.. فلمؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.

ويقول صلى الله عليه وسلم: «لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يسألون الناس أعطوهم أو منعوهم».

إن أمة عاملة منتجة مبدعة خير من أمة ضعيفة متسولة متخلفة.

وما ان انتهى الطبيب من حديثه حتى استأذن الشيخ فى الانصراف.

ولم أجد أمامى سوى تسجيل ما سمعت لنشره دون أن أنسى اهداؤه إلى وزير الأوقاف: تفضل يا سيادة الوزير قل لنا رأيك.