دبلوماسي سابق: انعقاد اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان بشرم الشيخ يؤكد أن مصر معنية بحمايتها

توك شو

 السفير محمد حجازي
السفير محمد حجازي


قال السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن انعقاد فعاليات الدورة الـ 64 للجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بمدينة شرم الشيخ، يؤكد أن مصر صاحبة هذا الملف، ومعنية بحماية حقوق الإنسان الإفريقي.

وأضاف "حجازي"، خلال حواره ببرنامج "اليوم" على فضائية "dmc"، اليوم الأربعاء، أن مصر لا تقبل أجندات دولية تفرض سياستها عليها.

على جانب أخر، أوضح أن لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالقادة الأفارقة بالأمس، أكد على ضرورة وجود تصور إفريقي لحل الأزمة في كل من السودان وليبيا.

هذا وأعرب وزير شئون مجلس النواب المستشار عمر مروان عن سعادته بانعقاد اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب مجددًا في مصر، مشيرا إلى أنه مرت ثلاثون سنة كاملة منذ استضافت مصر الدورة الرابعة للجنة.

وأضاف مروان - خلال إلقائه كلمة مصر أمام الدورة 64 للجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب المنعقدة بشرم الشيخ خلال الفترة من 24 أبريل إلى 14 مايو - أن مصر كانت من أوائل الدول الأفريقية التي حرصت على دعم اللجنة الوليدة باعتبارها نموذجًا حيًا يعبر عن الرغبة الإفريقية لحل المشكلات والارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان والشعوب الأفريقية.

وفيما يلي نص كلمة مصر أمام اللجنة والتي ألقاها المستشار عمر مروان:
"اسمحوا لي بدايةَ أن أرحبَ بكم باسم الرئيسِ عبد الفتاح السيسي على أرضِ مصرَ ملتقى الحضارات وبوتقة الثقافات، وأن أنقلَ إليكم خالصَ تمنياتِه بأن تُكلل أعمال الدورة الحالية للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بالسداد ولما فيه صالح أبناء قارتنا الأفريقية.

من حسن الطالع، وفي وجود اللجنة الموقرة على أرض مصر، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات بالأمس نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وقد شارك فيه 44،4 % ممن لهم حق التصويت، ووافق عليها أغلبية المقترعين بنسبة 88،8%، وبموجب هذه التعديلات أصبح للمرأة المصرية نسبة تمثيل في مجلس النواب لا تقل عن 25%، وأيضًا هناك ضمان لحد أدنى من التمثيل المناسب لفئات أخرى هي ذوي الإعاقة والشباب والمسيحيين والمصريين بالخارج، وهذا يعكس الاهتمام بتعزيز حقوق الإنسان المصري، ويشكل إضافة جديدة لهذا الملف غير مسبوقة الذي يحتل مرتبة متقدمة في أولويات الحكومة المصرية، ولابد في هذا المقام من توجيه تحية تقدير للشعب المصري على ممارسته الحضارية في هذا الاستفتاء الذي يعتبر خطوة هامة على طريق بناء الدولة المدنية الحديثة التي يصبوا إليها المصريون.

إن تزامنَ استضافةِ هذا الحدثُ الرفيع مع رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي يُدللُ بصورة لا لبس فيها على حرص مصر وفخرها بانتمائها الأفريقي، باعتباره مكونًا رئيسيًا للشخصية والثقافة المصريةَ، ومصدرَ إثراءٍ لتلك الثقافة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ.

كما يطيب لي الإعرابَ عن سعادتي لانعقاد اللجنة مجددًا في مصر.. فلقد مرت ثلاثون سنة كاملة منذ استضافت مصر الدورة الرابعة للجنة، وكما كانت مصر من أوائل الدول الأفريقية التي حرصت على دعم اللجنة الوليدة باعتبارها نموذجًا حيًا يعبر عن الرغبة الأفريقية لحل المشكلات والارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان والشعوب الأفريقية، فإن حرصَ مصر على استضافة الدورة الرابعة والستين يجسد استمراَر دعمِها للجنة للنهوض بالأعباء الجسيمة الموكولة إليها في عالم متغير يموج بالمفاهيم المتضاربة والدخيلة على الثقافات الأفريقية، والتي يحاول البعض إقحامها على مجتمعاتنا وتصويرها بأنها ذات طابع عالمي، أو يستخدمها لتشجيع التطرف والعنف، لتبقى قارتُنا العظيمة منكفئةً على نفسها ولا تحقق ذاتها بالاستفادة من خيراتها وسواعد أبنائها التي تحمل أدوات البناء والتقدم.

وأود أن أنتهزَ هذه الفرصة لكى أدعوكم لاستغلال تواجدكم بشرم الشيخ مدينة السلام للتعرف على محافظة جنوب سيناء، والتمتع بطبيعتها الخلابة، والتي تحتفل غدًا بذكرى تحريرها بدماء شهدائها الأبرار، ولمن لن تسنَح له الفرصة على هامش هذه الدورة للتمتع بأرض الفيروز كما نطلق عليها، فعليه النظر جديًا في العودة لمصر خلال أسابيع قليلة لمتابعة الحدث الرياضي الأبرز على مستوى القارة، والذي ستشرف مصر بتنظيمه، وهو كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم في الفترة من 21 يونيو إلي 19 يوليو 2019، وكل إفريقي مرحب به في مصر.

إن الحضارات الأفريقية بروافدها المتعددة والضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، يجب أن تكون مصدر فخر واعتزاز لنا جميعًا.

فلقد شهدت قارتنا نماذج لمراكز حضارية مضيئة في مختلف أنحاء القارة، تفاعلت وأثرت وتأثرت عبر تواصلها بالحضارات المحيطة، وكان لها إسهامها الملموس في التراث الإنساني المشترك.
إن قارتنَا الفتية جديرةُ بأن تستمر في تقديم إسهاماتها على الصعيد العالمي، لتعزيز المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، استنادًا إلى مبادئ احترام التعددية والمساواة بين الشعوب والأعراق المختلفة. فالتشابك بين المفاهيم الحديثة لحقوق الإنسان لا يعني الانقطاع عن التقاليد والموروثات الأفريقية التي شكلت وجدان مجتمعاتنا، بل يجب السعي نحو تحقيق التوازن بين الحداثة والأصالة، دون إفراط أو تفريط، والحفاظ على مكونات الشخصية الأفريقية، بالتوازي مع العمل على التخلي عن أية ممارسات أو مفاهيم ضارة تعُوق التطور والنهوض بأوضاع حقوق الإنسان في أرجاء القارة.

فعلينا أن نعمل سويًا على إدماج مخرجات هذا التمازج في البنية المجتمعية الأفريقية، وصولًا إلي خلق مجتمعات صحية تصون للإنسان كرامته، وتحفظ له تراثه وتمايز شخصيته، وتكفل له مناخًا من حرية الفكر والمعتقد والتعبير، وتفتح أمامه آفاق المستقبل والتطور.

لقد وقف التاريخ شاهدًا على ما عاناه الأفارقة والمنحدرين من أصول أفريقية في أزمنة سابقة من انتهاكات وتمييز ارتكبت ضدهم على أساس عرقي، إلى جانب استغلال ثرواتهم والتحكم في مقدراتهم على أرضية دعاوى مغرضة، تستند على منصات التعالي العرقي والحضاري. ولقد نجح العالم بإسهام وتضحيات العديد من أبناء أفريقيا والشرفاء من مختلف القارات والأعراق في طي تلك الصفحة المؤلمة من تاريخه، إلا أننا جميعًا علينا واجب التنبه والعمل سويًا لضمان عدم عودة العنصرية القبيحة مرة أخرى للساحة مرتدية قناعا جديدا، والتصدي بحسم للأصوات التي تستغل الظروف الاقتصادية والاجتماعية في بعض الدول لاستهداف الأقليات العرقية والمهاجرين واللاجئين، أو لإذكاء روح التعصب والكراهية والعنف ضدهم.

إن الخطابات العنصرية أضحت تمثل تهديدًا عابرًا للحدود، يعمل مروجوه على استغلال التقدم التكنولوجي ووسائل الاتصالات الحديثة لبناء شبكات لتداول ونشر أفكارهم البالية والبغيضة، والتي تروج لسيادة ورفعة عرق على الأعراق الأخرى. ولكن لا يجب في عالم اليوم –تحت أية ذريعة - أن نتساهل مع العنصرية بكافة أشكالها، وعلى أفريقيا أن تكون في صدارة الجهود الرامية للقضاء على تلك الظاهرة.

لقد قطعت قارتُنا شوطًا واسعًا في مسار الارتقاء وتعزيز حقوق الإنسان، وكان لمؤسسات الاتحاد الأفريقي، ومن بينها اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، دور داعم ومساند لجهود وتطلعات الحكومات والشعوب الأفريقية نحو ترسيخ احترام مفاهيم حقوق الإنسان، ومواصلة حشد الطاقات والإمكانيات اللازمة لوضع قضايا حقوق الإنسان في موقع متقدم علي أجندة عملنا.

وعلي الرغم من التقدم المحرز، لا تزال أفريقيا تعاني من تحديات في هذا الإطار، تستلزم علينا أن نثق في قدراتنا ونعمل سويًا على الإضافة إلى ما تحقق. وعلينا تبنى مقاربة شاملة لتطوير حقوق الإنسان في أفريقيا، تولي الاهتمام المتوازن للحقوق بكافة أبعادها المتشابكة المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتتماشى مع رؤية أفريقيا الطموحة لأجندة التنمية 2063.

ولا شك أنه على أفريقيا أن تأخذ زمام المبادرة في لفت الانتباه إلي محورية خلق مقاربة متوازنة تجاه التعاطي الدولي مع الحقوق المختلفة، فضلًا عن مجاراة التطورات التي يشهدها العالم وانعكاسها على مستوى التمتع بالحقوق المتوافق عليها عالميًا. فالمادة 15 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أقرت بحق كل فرد في أن يتمتع بفوائد التقدم العلمي وبتطبيقاته، وأن تراعى الدول الأطراف في هذا العهد، التدابير التي تتطلبها صيانة العلم والثقافة، وأن تعمل على إنمائهما وإشاعتهما، وبيان الفوائد التي تُجنى من تشجيع وإنماء الاتصال والتعاون الدوليين في ميداني العلم والثقافة، وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن على النحو المرضي لطموحات أفريقيا، وأنتهز هذه الفرصة لكى أدعو اللجنة رسميًا باسم جمهورية مصر العربية وعلى سند من المادة 45 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لإجراء دراسة شاملة بشأن سبل تحقيق استفادة الدول والشعوب الأفريقية من التقدم العلمي والتكنولوجي على نحو ما جاء بالمادة 15 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والآثار المرتبطة بذلك على الحق في الصحة والتعليم والسكن اللائق وغيرها من حقوق الإنسان، ورصد أبرز التحديات التي تحول دون تفعيل هذا الحق، والخروج بالتوصيات المناسبة في هذا الشأن.

إن رؤيتنا النابعة من أفكارنا هي حجر الزاوية لصياغة مصائرنا. فالقارة الأفريقية تزخر بالعقول الفتية والرؤى الوطنية الرشيدة القادرة على تبني سياسات تستثمر مواردها الهائلة، لتلبي تطلعات الشعوب في الرفاهية والحياة الكريمة بكافة مكونتها المادية والمعنوية. فعلينا العمل على تبادل الخبرات والاستفادة من أفضل الممارسات الوطنية، لبناء قدراتنا وتأهيل شبابنا وكوادرنا للمشاركة الفعالة في تحمل المسئولية، وهو التوجه الذي تسعى مصر إلى تعزيزه من خلال مؤتمرات الشباب الدورية التي تستضيفها، والتي تحرص على أن تكون المشاركة الأفريقية بها على أوسع نطاق. فتعزيز دور تلك المنصات الحوارية هو السبيل لإشراك الشباب في وضع استراتيجيات التحرك المستقبلي وصياغة السياسات، والتنسيق لمجابهة التحديات المشتركة التي نتعرض لها.

لقد حققت المرأة الأفريقية العديد من المكتسبات في مجالات كالتعليم والصحة والمشاركة السياسية، إلا أنها لا تزال تعاني من تحديات مختلفة في مجالات العمل والتوظيف، إلى جانب استمرار القوالب النمطية السلبية عند التعامل مع المرأة في عدد من المجتمعات، إضافة إلي الموروثات الثقافية والعادات والتقاليد الضارة كختان الإناث والزواج المبكر، ومعاناة المرأة من الفقر والأمية، وتأثرها السلبي بالسياسات الاقتصادية التي لا تحقق المساواة الكاملة بين الجنسين، وعدم توفير الرعاية الصحية اللائقة، والتمثيل بالشكل الكافي في أجهزة اتخاذ القرار، فضلًا عن كونها من أكثر الفئات تضررًا من تدهور أوضاع السلم والأمن في مناطق عدة، بما في ذلك الأنماط الجديدة للتهديدات الأمنية غير التقليدية كالإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار في الأفراد، الأمر الذي يستدعى تكثيف الجهود لمواجهة هذه التحديات، والحفاظ على الإنجازات التي تحققت علي مدار السنوات الأخيرة، واستكمال المسيرة لتحقيق المزيد، من خلال جهد صادق وحثيث وخطوات عملية.

ولطالما حرصت الحكومة المصرية على إيلاء موضوعات حقوق الإنسان أولوية متقدمة على أجندة العمل الوطني، ومن أهمها تعزيز وحماية حقوق المرأة وتمكينها في مختلف المجالات، إيمانًا منها بأن التنمية الشاملة لا يمكن أن تتحقق دون مشاركة إيجابية فاعلة وقوية من جانب المرأة، وأن قضية المرأة هي قضية المجتمع ككل، وليست قضية فئة أو شريحة معينة.

لقد كانت مصر خلال السنوات الأخيرة مسرحًا لثورتين شعبيتين عظيمتين حولتا المشهد السياسي فيها، وكان الشعب هو القوة الدافعة وراء هاتين الثورتين، وتعمل الحكومة على تلبية نداء الشعب من خلال دستور يضع في مادته الخامسة حقوق الإنسان ضمن الأسس الرئيسية التي يقوم عليها النظام السياسي للدولة، وينص علي أن التمييز والحض علي الكراهية جرائم غير خاضعة للتقادم، ويلزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية، ويؤكد أن العلاقة بين الفرد والدولة تقوم علي المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص، وينص علي ضمان الحق في التجمع السلمي، والحق في تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات والمنظمات الأهلية، وحرية المعتقد وحرية الفكر والرأي، والإبداع الفني والأدبي، والصحافة والطباعة، وغيرها من الحقوق والحريات غير المسبوقة في الدساتير المصرية السابقة.

وانطلاقا من قناعة ذاتية بمحورية حقوق الإنسان كمكون هام في استراتيجية التنمية الوطنية الشاملة، فإننا في مصر في سباق مع الزمن لتحقيق التطوير الذي ننشده لأنفسنا، ونعمل في سبيل ذلك على أكثر من محور لترقية المنظومة الوطنية لحقوق الإنسان، بمكوناتها الحكومية وغير الحكومية، مؤسسيًا وبشريًا، بالتوازي مع تطوير السياسات والأداء على كل المستويات، وتوفير آليات التصحيح الذاتي والانتصاف الوطنية الفعالة ونشر ثقافة حقوق الإنسان وإدماجها في المناهج التعليمية.

إن الهدف الأسمى لهذه الإصلاحات هو بناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة يتمتع فيها المصريون بكافة الحقوق والحريات الأساسية، ويتجهون نحو ما يستحقونه من مستقبل أفضل. وفي هذا الإطار، صدر في نوفمبر الماضي قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2396 بإنشاء اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، ليعكس إدراكًا بأهمية وجود كيان حكومي دائم يعنى بالأساس بوضع استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان ومتابعة تنفيذها، وببناء القدرات البشرية المتخصصة، وضمان الالتزام بالتعهدات الدولية ذات الصلة. والحكومة المصرية عازمة على توفير كافة الموارد اللازمة لتفعيل دور تلك اللجنة، والعمل على ضمان استمرارية ومؤسسية الجهود الحكومية الرامية لتعزيز ملف حقوق الإنسان.

ولم يغفل المشرع المصري حقوق ذوي الإعاقة، حيث اعتمد مجلس النواب القانون الخاص بالمجلس القومي لذوى الإعاقة بما يسمح للمجلس بممارسة صلاحياته والعمل على الارتقاء بأوضاع تلك الفئة العزيزة من أبناء المجتمع.. وأعلن هنا أمامكم أن مصر بصدد الانتهاء قريبًا من إجراءات الانضمام إلى البروتوكول الملحق بالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الخاص بحقوق ذوى الإعاقة.

لقد سعت مصر لوضع الأطر التشريعية ورسم السياسات التنفيذية لتعزيز تمتع المصريين بحقوقهم الأساسية في التعليم والصحة والسكن اللائق، حيث أطلق رئيس الجمهورية مبادرة للكشف عن الأنيميا والسمنة والتقزم بين أطفال المدارس، وتوفير العلاج للمصابين بالمجان، وتستهدف المبادرة ما يقرب من 12 مليون طفل بمختلف أنحاء الجمهورية، فضلًا عن مبادرة "مائة مليون صحة" المعنية بالكشف عن المصابين بمرض الالتهاب الكبدي الوبائي "فيروس سي" والأمراض غير السارية، والتي نجحت حتى الآن في فحص ما يقرب من 40 مليون مواطن.

كما تمت إتاحة هذه الخدمة الاستثنائية للأجانب المقيمين في مصر، بما في ذلك اللاجئين. وتتجه النية للاستفادة من تلك التجربة وتعميمها على المستوى الأفريقي، في إطار التعاون الفني، والذي يشمل إيفاد أطباء مصريين إلي الدول الأفريقية، وتقديم المساعدة الفنية للأطباء والممرضين بالدول الأفريقية المختلفة في مجالات الكشف والتشخيص، وإنشاء قواعد البيانات الخاصة بالمصابين.

كما تبنت مصر سياسة شاملة تهدف إلى توفير نظام تعليمي وتدريبي عالي الجودة ومتاح للجميع دون تمييز، في إطار مؤسسي فعال وعادل ومستدام ومرن، يوفر المهارات اللازمة للطلاب والمتدربين ويحفزهم على التفكير الإبداعي للإسهام في بناء مواطن مبدع ومسؤول، مؤهل وقادر على القيادة المنافسة، ويدرك تاريخه وثقافته، ويقبل التنوع والاختلاف.
من ناحية أخرى، تم تدشين برامج متعددة لتمكين المواطنين بمختلف خلفياتهم الاجتماعية وقدراتهم المالية على التمتع بالحق في السكن اللائق، بما في ذلك إجلاء سكان المناطق العشوائية الخطرة كأولوية قصوى، وتطوير القائمة منها، والعمل على إنشاء مدن حديثة وذكية صديقة للبيئة، تتمتع بالمعايير العالمية من حيث توفير البنى التحتية والخدمات الأساسية الراقية.

كما تضافرت الجهود الوطنية لتوفير حزمة من برامج ومبادرات الحماية الاجتماعية والرعاية المتكاملة والتمكين الاقتصادي للمواطنين دون تمييز، بالتنسيق مع القطاع الخاص والمجتمع المدني، حيث اعتمدت وزارة التضامن الاجتماعي استراتيجية تهدف إلى تأمين حد أدنى للدخل في شكل دعم نقدي للفئات المستحقة من الأسر الفقيرة والمسنين وذوي الإعاقة والأيتام والعاطلين عن العمل عبر برنامج تكافل وكرامة الذي يخدم ما يقارب من 10 مليون مواطن، فضلًا عن الحماية التأمينية للعاملين، وتأهيل وتدريب الشباب، والتوسع في عمليات الإقراض متناهي الصغر لإقامة المشروعات الصغيرة كآلية فعالة لمواجهة ظاهرة البطالة، وتحفيز القطاعين الأهلي والخاص لدعم المشروعات الصغيرة والمشروعات كثيفة العمالة.
ولا يفوتني أن ألفت النظر إلى التقدم الكبير الذي شهدته مصر على صعيد كفالة واحترام الحق في حرية الدين والمُعتقد، حيث دعا السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تحديث الخطاب الديني ونبذ التطرف والغلو في الدين ومواجهة دعاوى الكراهية والعنف، وتم بناء أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط، جنبًا إلى جنب مع مسجد العاصمة الإدارية الجديدة. ويأتي ذلك انعكاسًا لطبيعة الشخصية المصرية عبر تاريخها الممتد، والتي نجحت دومًا في نبذ الدعاوى المتطرفة، وإعلاء قيم التسامح وقبول التعددية والتنوع، فكان هذا الميراث الحضاري هو شبكة الأمان التي حمت مصر على الدوام من السقوط فريسة للتطرف والفكر الهدام، ووحد شعبها في مكافحة خطر الإرهاب الداهم.

إن الحديث عن أفريقيا ترادف عبر عقود طويلة مع صور الفقر والمعاناة والنزاعات والحروب. وعلينا العمل سويًا لإبدال تلك الصور الذهنية السلبية بأخرى إيجابية تعبر عن الأمل والسلام والتنمية، وتبشر بتفجير الطاقات الكامنة. فشعوبنا تستحق الأفضل. وتحقيق ذلك يتطلب الجهد الصادق والتكاتف والتعاون من خلال تحقيق مبادرة إسكات البنادق بحلول عام 2020، واتفاقية التجارة الأفريقية الحرة، وأجندة 2063 للتنمية، فهذه كلها أطر فعالة للعمل القاري المشترك، وستتكامل تلك الأطر مع العرق والجهد لرسم صورة أفريقيا المستقبل، المزدهرة والفخورة بأبنائها الذين يعيشون في مجتمعات تصون كرامة الإنسان الأفريقي، وتكفل له التمتع بكامل حقوقه.

إن تلك الرؤية المتفائلة ليس من درب الخيال، فلدينا جميع القدرات والمؤهلات لتحقيقها.

وفي ختام كلمتي أؤكد لكم أن مصر لن تألو جهدًا في التنسيق مع أشقائها في القارة لمساندة كافة المبادرات الرامية لتحقيق هذه الأهداف النبيلة، ولدفع أجندة حقوق الإنسان على المستوى القاري، سواء خلال الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقي أو عقب ذلك. وستعمل مصر بدأب مع أشقائها لتعزيز تبادل الخبرات والتعاون، بهدف تعظيم الاستفادة وتكامل الجهود من أجل رفعة ورفاهية أفريقيا، وتعزيز كرامة الإنسان الإفريقي، وإنا لقادرون.. مرة أخري أجدد الترحيب بكم في مصر، وشكرا على حسن الاستماع.