من "معجبناش شكلك" للوصول إلى العالمية.. حكاية فنانة مغربية ضريرة كشفت خداع برامج المسابقات (حوار)

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

ذكريات مُفجعة ترسخت في ذهنها عقب إقْصائها للمرة الثانية من إحدى برامج اكتشاف المواهب الفنية المغربية؛ لكونها ضَّريرة، جعلتها تتحدى عتمة الظلام  لينتصر صوتها وتجسَّد بلادها في ملتقى "بكرة أحلى" الذي نظمه قطاع صندوق التنمية الثقافية المصري، بمشاركة مواهب عربية من ذوي الاحتياجات الخاصة، لتحتل الفنانة الموهوبة حورية حجوبي المرتبة الأولى، مُنطلقة منها إلى إسبانيا؛ لطالما حلمت بها منذ أن اكتشفت موهبتها في الغناء في الحادية عشر من عمرها.

أوطنت ابنة مدينة جرسيف-التي تقع في المنطقة الشمالية الشرقية من المملكة المغربية-، نفسها على إعاقتها منذ نعومة أظفارها، بعدما وجدت عالمها مختلف عمّا حولها، وهو الأمر التي لم تستوعبه، وأثر عليها صحيًا ونفسيًا حتى حرمت من أشياء كثيرة كاللعب في طفولتها، فعندما كانت تتركها والدتها مع فتيات حارتها لتلهو معهن بالشارع، وتعود إلى المنزل لقضاء واجباتها المنزلية، تنتابها حالة إغماء، لكنها ندرت في صبرها، مُتكِئة على صوتها وإحساسها "كنت أقول ازاي أنا كدة.. ولكن ربنا أخد مني الحبيباتان واداني نعمة الصوت والقبول بين الناس"، ومع ذلك حُرمت أيضًا من مشاركتها في بعض المهرجانات والحفلات الكبرى في المغرب، بجانب إبعادها من برنامجي "Orange Talents"، و"the artiste" الذين بُثوا على قناة الثانية 2M المغربية، قبل مرحلة التصفية عبر تصويت رواد مواقع السوشيال ميديا، وهوما يخالف مبدأ هذه المبادرة. 





رياح شركة الاتصالات عصفت بحلم الفنانة الموهبة، بعدما أرسل القائمون على المبادرة-التي تعد الأولى في تجربة الفضاء إلكتروني لاكتشاف المواهب الفنية في مجالات عدة-، رسالة "معجبناش شكلك"، معللة ذلك بأن المسابقة كانت خلال شهر رمضان المنصرم، ومن الصعب أن ترتدي زي غير الرمضاني، وظهورها بدون مساحيق تجميل عبر مقطع فيديو سجلته وهي بالسيارة، وبَعثته على الموقع الإلكتروني الخاص بهم، ليظل هذا الموقف بمثابة دفعة قوية لها حتى شاركت في "the artiste"، في السادس والعشرين من يوليو الفائت عقب الإعلان عنه بالتلفاز، ولكن صدمتها هنا كانت مختلفة لعدم معرفة سبب إبعادها من البرنامج، بعدما قطعت مسافات طويلة برفقة شقيقتها من مدينتها إلى مدينة كازابلانكا بالمغرب، وتم قبولها من طرف لجنة التحكيم، واصفين إياها بالأفضل صوتًا ومن ثم تأهلت للانضمام إلى زملائها، وآخذ المسئول رقم هاتفها، ولكن لم يتواصل معها أحد. طيلة هذه الفترة كانت تعيش حالة من الصدمة حتى غَضرها اللَّه، ببعض المهرجانات الدولية.






وبرغم الصعوبات التي واجهتها طيلة رحلتها الفنية، لاسيما بعدما ترددت على دور الشباب وجمعيات المجتمع المدني تبحث عمن يأخد بيدها ولم تجد من يبصرها، إلا أن أدائها الفني تطور بمشاركتها في فرق نسائية للسماع والمديح، ودراستها للموسيقى على يد معلمها "عيسى مؤمن"، التي تدين له بالفضل بعد أسرتها الداعم الأول لموهبتها وجمعية "ليالي"، حتى حَذقت قواعد الطرب الأصيل، لتستعد لإنتاج أول أغنية طربية خاصة بها، والمشاركة في المهرجانات الصيفية لهذا العام، خاصة بمصر، الولة التي طالما حلمت بالاستقرار فيها بعدما رأت استقبال الجمهور المصري لها، وتحفيزه لموهبتها، حتى كانوا يطالبونها خلال مكوثها في "صالة" إحدى فنادق القاهرة بغنائها بعض الأغاني لكوكب الشرق أم كلثوم، والموسيقار محمد عبد الوهاب، وكأنها في خُضمَّة شعبها "رحلة ولا أروع.. كلها طاقة ايجابية"، لتزداد قناعة الفتاة الثلاثينية، أن حلمها سوف يتحقق من بوابة القاهرة.






انفتحت الموهبة الصاعدة في مجال الأغنية العربية الأصيلة، على ثقافات عدة كالثقافة المصرية في الموشحات، ومدرسة الرحبانية الغنائية، فربيت على صوت ياسمينة الشام "فيروز"- الأقرب لقلبها- والتي تمنت أن يجمعهم دويتو خاص-، و تآصَّلت منذ انطلاقتها بالأغاني التراثية، رافضة أن تخضع للواقع الفني والإيقاع السريع وتتبع مسار آخر "الطرب نعمة وجمهوري عرفني به"، منذ أول ظهور لها على المسرح في مهرجان أقيم بمنطقتها، مُباغتة جمهورها بحضورها اللافت، أعقبها أسست فرقة "همس" بمدينتها برفقة بعد زملائها، سجلت من خلالها سهرة القناة السادسة الوطنية،  لكن لم تستمر كثيرًا، لعدم توفر الدعم الكافي، ومضت في المشاركة في بعض السهرات والمهرجانات الوطنية بالمدن المغربية.






تمتلك الشهيرة فنيًا بـ"حورية أمل"، بصيرة حسية عالية وذكاءً جعلها تعرف ما تريد منذ البداية، رغم أنها لم يحالفها الحظ في التعليم، كون أن منطقتها لا تتيح لها إمكانية توفير مدارس للمكفوفين، فاكتشفت موهبتها حينما كانت تطرب عائلتها- التي تتكون من ست أشقاء-، في بعض المناسبات الخاصة، حتى ساعدتها والدتها وشقيقتها الصغرى التي تمكث معها بالمنزل ومن ثم بدأت تتعرف على الجمهور في "الايفنتات" والسهرات التي تعقد في مدينة جرسيف حتى تطورت علاقتها بموهبتها.






أضبَّت ابنة الأسرة البسيطة، على ما في نفسها، فترة بعدما تحججت لجنة تحكيم البرامج السالف ذكرهم، برفضها؛ لعدم امتثالها للمعايير التي تم تحديدها لقبول الطلبات، ليعد هذا الموقف الصادم لها كما وصفته بالأصعب في حياتها لعدم إعطائها الفرصة للإفصاح عمّا عساها؛ لذا أعطيت لنفسها فترة استراحة من الغناء امتدت إلى شهر "عطاء ربنا مقبول.. وكرمه زيادة"، تقولها حورية بلكنة مغربية، ناصحة المكفوفين بالتحلي بالإرادة والتصميم واختيار مستقبلهم برغبة واقتناع، لإزالة معظم العقبات أمام ذوي الاحتياجات الخاصة. تعَجّ الفتاة إلى الله بالدعاء طيلة الحديث، حتى حضرتّ لعمل فني بإسبانيا الشهر المقبل، وبرغم مما حققته، إلا أنها لا زالت تأمل في إعداد ألبومات خاصة بها ووجود ملحن ومونتاج يساند موهبتها.





لم تخذل "أمل"، أي من وطنها وأسرتها وأصدقائها وأساتذتها من خريجي المعاهد الموسيقية، التي ظلوا طيلة ما يقرب من عشرين عامًا يدعمونها، إذ أصرت على تحقيق أهدافها وتغيير نظرة المجتمع المغربي بشكل خاص والعربي عامة صوب ذوي القدرات الخاصة، لامتلاكهم قدرة كبيرة وطاقة إيجابية تسيع جميع من حولهم، لذا تُمعِنُ في الوصول إلى هدفها حتى آخر يوم بحياتها، فالموسيقى عشقها الأول والنقطة المضيئة وسط الظلام التي تعيشه "سأتحدى الصعوبات.. فالتاريخ أثبت أن كل الفنانين تعبوا في مشوارهم.. والتحدي وقود النجاح".