أستاذ مصريات لـ"الفجر": رمسيس لم يُحاكم.. والقدماء لم يعرفوا التوحيد

أخبار مصر

عبد البصير
عبد البصير


الحضارة المصرية القديمة، ومن قبل اكتشاف سر الخط الهيروغليفي وتمكن علماء المصريات من فك شفراته، وهي تثير خيال الجميع، ولكن منذ ما يزيد على الـ70 عامًا وتحولت الآثار إلى علم ذو قواعد صارمة، ولها أصول وطرق ومناهج في البحث، وصارت المعلومة الأثرية مقيدة بشروط حتى تكون محل ثقة، ومع هذا تكثر الأقاويل والمغالطات حول حضارتنا المصرية القديمة.

وعبر هذا التقرير يرد الكتور حسين عبد البصير أستاذ علم المصريات ومدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية على بعض الأكاذيب المنتشرة حول الحضارة المصرية القديمة.

ويبدأ الدكتور حسين عبد البصير تصريحاته لبوابة الفجر الإلكترونية قائلًا، طالعتنا جريدة الشروق الغراء بحديث أجرته الزميلة الأستاذة هدى الساعاتي مع طبيبنا الجليل أستاذ المسالك البولية الأستاذ الدكتور وسيم السيسي بتاريخ 31 مارس 2019.
وتابع قائلًا "ذكر الدكتور وسيم في حواره بعض الأمور التي تتعلق بتخصصي الدقيق وأعني علم المصريات، وهناك بعض النقاط التي يجب الرد عليها مما جاء في حديث سيادته" وقد عدد الدكتور حسين عبد البصير عدة نقاط وفند الرد عليها كالتالي.

لم يحدث مطلقًا أن "المصريون القدماء عرفوا التوحيد" 

وأشار عبد البصير إلى أن أبرز ما ذكره الدكتور وسيم السيسي في حواره أن "التو حيد ظهر بمصر القديمة في عصر الأسرة الأولى وأن متون الأهرام مكتوب فيها بالهيروغليفية "نيو كيتر" بمعنى "كفوًا أحد"".

وأكد عبد البصير على أن مصر القديمة كان بها تعدد في الآلهة منذ عصر ما قبل الأسرات، وأن التوحيد بمعناه المعروف لدينا في الديانات السماوية لم يكن معروفًا في مصر القديمة مطلقًا، وحتى أن دعوة أخناتون كانت دعوة سياسية ولم تكن توحيدية، وكان الهدف منها نزع سيطرة الإله آمون وكهنته من على موارد الدولة المصرية، ولم يكن الهدف منها التوحيد كما نعرفه اليوم. 

وتابع عبد البصير لم يُذكر في متون الأهرام "نيو كيتر" بمعنى "كفوًا أحد" التي ادعى الدكتور وسيم السيسي وجودها فيها، ومن المعروف أن متون الأهرام هي نصوص كانت تُتلى في مراحل مبكرة من عمر الحضارة المصرية القديمة، ثم تمت كتابتها على جدران حجرات الدفن والممرات المؤدية إليها في أهرام الملوك والملكات في عصر الدولة القديمة، وظهرت أول ما ظهرت في عهد الملك ونيس أو أوناس في نهاية عصر الأسرة الخامسة في هرمه بمنطقة سقارة.

والهدف منها هو تأمين رحلة الملك في العالم الآخر، وتم اعتبار الهرم فيها سلمًا يستخدمه الملك للارتقاء والصعود إلى عالم الآلهة حيث الخلود والأبدية، ومن الجدير بالذكر أيضًا أن بمتون الأهرام ذكر لعدد كبير من الآلهة والإلهات المصرية، فكيف تُذكر بها كلمة التوحيد التي ذكرها الدكتور وسيم السيسي في وجود هذا العدد الهائل من الآلهة والإلهات المصرية القديمة؟

"رمسيس الثاني حُكم عليه بالإعدام" كذب والحقيقة كالتالي 

قال الدكتور حسين عبد البصير إن الدكتور وسيم السيسي قال في حواره "إنه تمت محاكمة الملك العظيم رمسيس الثاني في محكمة مُشكلة من 15 قاضيًا وصدر الحكم بإعدامه وإعدام قاضيين لتحيزهما له، وهذا كلام مخالف للحقيقة التاريخية تمامًا ولا يوجد عليه أي دليل أثري أو تاريخي.

وتابع يبدو أن الأمر اختلط على طبيبنا الجليل الدكتور وسيم السيسي وربط بين رمسيس الثاني ورمسيس الثالث، والحقيقة أنه كان هناك صراع وتآمر على عرش الملك رمسيس الثالث بين الزوجة الملكية أم ولي العهد الأصلي والزوجات الثانويات، وأعني زوجته الثانوية الملكة "تي"، وقامت هذه الملكة بمؤامرة ضد حياة الملك، وكانت هذه من المرات القليلة التي تحدثنا النصوص المصرية القديمة عن شئ كهذا.

ونعلم عن تلك المؤامرة من المحاكمات التي تمت للمتهمين من بردية تورين القضائية، وتعرف المؤامرة بـ "مؤامرة الحريم"، وشارك فى المؤامرة عدد من حريم القصر الملكي وبعض سقاة البلاط وحرسه وخدمه، ولم يعرف هدف هؤلاء المتآمرين، ولعل السبب الأساسي لتلك المؤامرة أن هذه الملكة الثانوية "تي" بالتعاون مع بعض نساء القصر خططت لاغتيال الملك كي تضع ولدها "بنتاورت" على عرش مصر بدلًا من ولى العهد الشرعي، الملك رمسيس الرابع بعد ذلك.

وأشار عبد البصير إلى أن المؤامرة انكشفت، وحُقق فيها بأمر منالملك رمسيس الثالث، وحكمت المحكمة على المتهمين بأحكام تتراوح ما بين الإعدام والانتحار والجلد والسجن وقطع الأنف وصلم الأذن والبراءة، كل وفق لدوره وجريمته في تلك المؤامرة المشينة.

ومن المعروف أن هناك مومياء لرجل غير معروف فى المتحف المصري بميدان التحرير، وتُعرف علميًا بـ "مومياء الرجل غير المعروف إي"، وشاع تسميتها بـ "المومياء الصارخة" أو "مومياء الرجل الصارخ"، وأثبتت الدراسات الحديثة التي قام بإجرائها الدكتور زاهي حواس وفريقه على مومياء الملك رمسيس الثالث والمومياء غير المعروفة فى المتحف المصري فى ميدان التحرير أنه تم قتل الملك بقطع رقبته من الخلف بسكين حاد.

وأثبتت نفس الدراسات الحديثة أن "مومياء الرجل غير المعروف إي" أو "المومياء الصارخة" أو "مومياء الرجل الصارخ" كانت لابن الملك "بنتاورت"، الذي أُجبر على الانتحار وشنق نفسه بيده من خلال علامات الحبل الموجودة على رقبته. 

وتم عقاب هذا الابن أشد عقاب بعدم تحنيط جثته ودُفن جسده فى جلد الغنم الذي كان يعتبر غير طاهر فى مصر القديمة، وبناء على ذلك سيذهب إلى الجحيم في الآخرة، وتؤكد هذه الأحداث صدق الأساليب البلاغية التي تم استخدامها فى نص المؤامرة الأدبي حين أشار إلى أن القارب الملكى قد انقلب، مما يرمز إلى وفاة الملك رمسيس الثالث وصعود روحه إلى السماء، غير أن المؤكد أن المؤامرة قد فشلت بدليل تولى خليفته الطبيعي وولى العهد الأمير رمسيس، الملك رمسيس الرابع لاحقًا، عرش البلاد بدلًا من أخيه "بنتاورت" المتآمر على حياة أبيه رمسيس الثالث.

"المرأة المصرية شاركت الآلهة كل الأمور" كذب والحقيقة كالتالي 

وتابع الدكتور حسين عبد البصير كلامه وقال إن ضمن ما ورد في الحوار مع الدكتور وسيم السيسي أيضًا "أن المرأة كانت تشارك الإله فى كل الأمور"، وهذا ليس صحيحًا؛ إذ كان للمرأة دورها في الملكية والمنزل والمجتمع، وكان لبعض الكاهنات دورهن وفقًا لعملهن في المعبد، ولم تكن المرأة ذات صفة مطلقة في مشاركة الآلهة في كل الأمور.

وقال الدكتور وسيم السيسي ضمن ما قال "إنه كان الزوج إذا اشتكته زوجته يُحذر أولًا ثم يُجلد ثم يُخلع" وهذا الكلام غير صائب من الناحية العلمية ولا تؤيده الأدلة الأثرية أو التاريخية.

وختم الدكتور حسين عبد البصير أستاذ علم المصريات ومدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية قائلًا "سعيد للغاية بحماسة طبيبنا الجليل الأستاذ الدكتور وسيم السيسي لمصر القديمة وحضارتها الخالدة، غير أنني أدعو سيادته للتسلح بالدارسة واستشارة أهل العلم، "علماء الآثار"، قبل أن يتحدث في أمر يقع خارج نطاق تخصصه الدقيق، وهو المسالك البولية والذي نعرف قيمته الكبيرة فيه ونقدره في تخصصه أيما تقدير".