ياسر شوقي يكتب: الإخوان.. من قاع الفشل إلى قمة الإجرام

مقالات الرأي

ياسر شوقي
ياسر شوقي


لأن الأرشيف لا يكذب ولا يتجمل

ارتطمت جماعة الإخوان المسلمين المحظورة بقاع الفشل عن جدارة واستحقاق خلال عام واحد من حكم مصر، وهو ارتطام لم يكن مفاجئا إلا للسذج المغيبين الذين يتصورون أن فى الدين - أى دين – ما يمنح شرعية الحكم، وأنه برنامج سياسى واقتصادى واجتماعى جاهز للتطبيق والتوسع وتحقيق نجاحات غير مسبوقة، بفضل دعوات المؤمنين.

على الجانب الآخر من شاطئ الأمنيات الذى يقف عليه هؤلاء، وقف آخرون يحذرون من أن خلط الدين بالسياسة هو عملية نصب منظمة ومجردة من أى معنى إنسانى أو روحانى أو أخلاقى، وفى اللحظات الحاسمة ووقت الخطر يجرى الفرز تلقائياً، وتظهر الحقائق ساطعة جلية، تجلو الوعى وتزيح عنه أتربة الدعاية وفوضى العقل.

بعد مرور الأيام العشرة الأولى من ثورة يناير 2011، صدر أمر مكتب الإرشاد لأعضاء جماعة الإخوان بالانضمام إلى المعتصمين بميدان التحرير، وبدعم مادى ضخم عابر للحدود ظهر تباعاً، بدت الخطوات المنظمة للسيطرة على مصر وحكمها باسم الدين فى طريقها للنجاح، وطوال عامين لم يتوقف نجم الفرز عن السطوع، حتى أتم لعبته بارتطام الجماعة ومحبيها والمتعاطفين والمؤيدين جميعاً بقاع الفشل جثثاً هامدة.

الأرشيف لا يكذب ولا يتجمل، والنتائج تسبقها مقدمات، والنجاح يلزمه عمل ودأب، والقناعات تصنعها وتغذيها التجربة، والصحافة «هلس» إذا تخاذلت عندما يقترب الخطر من ناسها، خوفاً أو انتظاراً لمكاسب الغزاة والمتآمرين، أو إذا تفاوضت أو هادنت، أو لانت أمام بطشهم الداهم.

فى أحداث الاتحادية 5 ديسمبر 2012 قدمت «الفجر» محررها الشاب الحسينى أبوضيف، شهيدا، قتلته الجماعة خلال قيامه بتصوير أفرادها أثناء قيامهم بقتل المتظاهرين والمحتجين بدم بارد، قبلها كان قد نشر بالمستندات قيام محمد مرسى، بالعفو عن شقيق زوجته، الموظف الحكومى الذى ألقى القبض عليه متلبساً بمخالفات مالية ضخمة.

وطوال 3 أعوام، وفى عز مجد الإرهاب الفكرى والمعنوى والوعود السخية مقابل الصمت، أو المهادنة، خرجت عناوينها تعبيراً عن عقل البلد وصلابتها ووعيها ساعة الجد.

تنبأت وتمنت تولى الجماعة السلطة فى مصر، حتى تتعرى تماماً بالصوت والصورة أمام الطيبين من أهلها، وبالمستندات نشرت ما يؤكد بيزنس الجماعة السياسى، وبيعها لنا بأعلى سعر لقوى إقليمية كانت مصر بالنسبة لها كعكة شهية، ولحما باردا فاخرا، يؤكل على مهل حتى قيام الساعة.

فى 5 أبريل 2012 كشفت «الفجر» الاتفاق على إسقاط العقوبات التى وصمت صحيفة سوابق خيرت الشاطر، مقابل عدم ترشحه للرئاسة، واستمرار حكومة كمال الجنزورى، فى تلك الأثناء كان رئيس مجلس الشورى أحمد فهمى، الكادر الإخوانى، يرتب للسيطرة تماماً على المؤسسات الصحفية، ولم تخل تلك الترتيبات من لقاءات كشفتها «الفجر» مع السفيرة الأمريكية آن باترسون، كما كشفت محاولات اغتيال عمر سليمان، ولم تخل صفحاتها حتى 30 يونيو 2013 من مساحات واسعة لجميع القوى السياسية فى ذلك الوقت، الكل قاتل بطريقته، لم يتراجع أحد فى وقت كانت خلاله آذان البلد وعيناها مفتوحتان تماماً كما يقضى الفرز.

وعندما أخل الإخوان باتفاقهم كالعادة، وأعلن خيرت الشاطر، ترشحه لانتخابات الرئاسة، التقت «الفجر» بالفريق عمر سليمان، الذى أعلن هو الآخر ترشحه لمواجهة «التأسلم» بحسب تعبيره، وفى حين قال ممثلون لقوى سياسية فى نفس العدد إن ترشحه يساوى الفوضى، كان ترشح خيرت الشاطر، تاجر السلع الاستهلاكية التى لا تبنى ولا تعمر على قلبها، برداً وسلاماً.

فى تلك الأثناء كان يجرى التجهيز لنشر وثائق جنسية والدة حازم صلاح أبو إسماعيل، الذى أعلن هو الآخر ترشحه، وسط انسحاب البرادعى، و»محايلات» مؤيديه المتزايدة للتراجع عن قراره، لكن «المنقذ» أو «القديس» وقتها أصر على إخلاء الساحة تماماً، مفضلاً سحب كتلته الشبابية الكبيرة عن المشهد، لأن المناضل المؤمن بعدالة قضيته دائماً ما يفضل الكلام على الفعل، والتكتيك فى الغرف المكيفة على تراب شوارع المحروسة، وذلك حتى إعلان الفائز بالمنصب الرئاسى.

كثيرون باعوا وكثيرون خانوا، وكثيرون انكشفوا وبانت عوراتهم ومنابت ثرواتهم ومناصبهم، لكن المصريين كانوا فى وادٍ آخر كعادتهم، يراقبون بدقة وبصبر، ويمهدون لإعلان وحشيتهم أمام من تخيلوهم فريسة سهلة المنال والشى والهضم.

فى ذات السياق، كشفت «الفجر» التقرير الطبى لمحمد مرسى، الذى يؤكد عدم صلاحيته لتولى مناصب حساسة، ومن بين ما ورد فى التقرير أنه أجرى جراحة مرتين لاستئصال ورم فى المخ، كما كشفت وثائق الإخوان السرية عن كيفية مواجهة السلفيين والمجلس العسكرى ومرشحى الرئاسة غير الإسلاميين، وفى السياق أعلنت أسرار صفقة السلفيين مع المرشح الرئاسى عبدالمنعم أبو الفتوح، ورحلة الأخير من التكفير إلى إباحة الإلحاد، وصداقة «الشاطر» بجاسوس إسرائيلى خلال حبسه بسجن طرة على ذمة قضية سلسبيل، ووثائق العفو عنه بتقارير طبية أعدت خصيصاً لهذا الغرض.

وتحت عنوان «الفاشى فى قصر الرئاسة» بدأت معركة جديدة مع سلطة زائلة لا محالة، ولم تكن مفاجأة فى هذا السياق أن يتصدر عنوان «الإخوان لصوص وقتلة» الصفحة الأولى، والجماعة فى عز نشوتها بهزيمة مصر، ثم «دستوركم فاسد.. واستفتاؤكم باطل»، وعندما تصبح إهانة الرئيس واجب وطنى.. مرسى أول سفاح مدنى منتخب»، وتساءلت: «لماذا يحمى مرسى تنظيم القاعدة فى مصر».. وكما ينقض المصريون دائما على الغزاة فجأة سنظل نسأل سراً وعلانية، ساعة الجد وساعة الهزل لكل من تخيل أن مصر فريسة: هل انتهى الدرس يا غبى؟