عادل حمودة يكتب: يهود الفلاشا لن يحرروا فلسطين بعد أن أصبحوا عبيدًا فى إسرائيل

مقالات الرأي



يهود الحبشة جاءوا من نسل سليمان وبلقيس معا

أميون فقراء لا يتمتعون بالمهارات الأساسية وليس لهم ثقل فى الحياة السياسية والبيض يخشون من إصابتهم بأمراض معدية ويرفضون قبول تبرعهم بالدم


ما أن سمعت بلقيس بحكمة سليمان حتى حملت إليه ما فى سبأ من ذهب وفضة وعاج وسافرت لتلتقى به فى أورشليم واضعة نفسها بين يديه.

ولشهرة سليمان فى حل الألغاز بدأت مباراة فى الذكاء بين نبى سخر الله له مخلوقاته وملكة لم يعرف رجال زمنها امرأة أقوى وأجمل منها.

ولكن القرآن يروى قصة مختلفة عن لقائهما غير تلك القصة التى ذكرت فى العهد القديم.

لقد عرف سليمان بنبأ بلقيس من هدهد وصفها بامرأة أوتيت من كل شىء ولها عرش عظيم ولكنها تمتلك قومها الذين يسجدون للشمس من دون الله فبعث سليمان إليها بمن يدعوها للهداية ولكنها تباهت بقوة رجالها وثراء مناجمها وسعة عرشها وازدهار مملكتها ورفضت الدخول فى دين الله واكتفت بإرسال هدايا ثمينة حملتها بعثة سليمان إليه فى عودتها.

أمر سليمان بإحضار بلقيس وعرشها ومتاعها لتعرف حقيقة حجمها وبالفعل وجدها أمامه قبل أن يرتد إليه طرفه.

حسب أساطير عبرية ويمنية وإثيوبية رفضت بلقيس دعوة سليمان للفراش فلم يضغط عليها ولكنه حذرها من أن تطلب شيئا من خدمه أو حاشيته طوال الليل وإلا كان عليها الاستسلام إليه.

أمر سليمان الطهاة بإغراق الطعام فى البهارات الساخنة ورغم استمتاع بلقيس بما تناولت منه إلا أنها ما أن دخلت حجرتها حتى شعرت بجفاف فى حلقها لم تحتمله وما أن طلبت قنينة مياه حتى أدركت أن عليها الذهاب إلى غرفة سليمان وقضاء ليلتها هناك حسب ما اتفقا.

حسب الأساطير ذاتها فإن سليمان وبلقيس أنجبا طفلا سمياه منيليك تربى فى الهيكل الذى بناه سليمان فى أورشليم وحفظ لوحى الوصايا العشر التى تلقاها موسى من ربه فى تابوت العهد ونقلها داوود إلى الهيكل وحافظ عليه منيليك.

عندما هدم الملك نبوخذ نصر المعبد وشرد اليهود حمل أحفاد منيليك تابوت العهد إلى سبأ (أو اليمن) ومنها عبر البحر الأحمر إلى الحبشة هربا من الاضطهاد.. وهناك تحول بعض السكان على يدهم إلى اليهودية.. هم الذين يطلق عليهم الآن الفلاشا.

وتعنى كلمة فلاشا فى اللغة الأمهرية (اللغة الأكثر انتشارا فى إثيوبيا): الشخص المعروف بيهوديته بيننا.

وواضح أن الإثيوبيين استخدموا الكلمة لتمييز اليهود بينهم.. وربما كان فى ذلك التمييز نوعا من التفرقة الدينية الظاهرة.. وربما كانت تلك التفرقة هى ما شجعت الفلاشا على الهجرة إلى إسرائيل التى وصفتها الدعاية السياسية لهم بأنها أرض الميعاد التى سيتجمع فيها شعب الله المختار فى انتظار المسيح المخلص.

كانت إسرائيل فى حاجة إلى مزيد من المهاجرين اليهود مهما كانت متاعبهم حتى لا يختل توازنها الديموجرافى (السكانى) مع الفلسطينيين الذين يعتبرون كثرة الإنجاب نوعا من المقاومة السلمية ضدها وأن فى كل بطن امرأة حامل بينهم قنبلة ستفجر فى وجهها.

لكن الغريب أن إسرائيل لم ترحب بالفلاشا فى بدايتها حسب ما ذكر يعقوب وينشتين المسئول بالوكالة اليهودية فقد رفضت حكومات ديفيد بن جورين وموشى شاريت وجولدا مائير استقبالهم بدعوى أنهم مصابون بأمراض خطرة ومعدية كما كانوا فقراء وأميين ولا يتمتعون بالمهارات الأساسية ولكن تلك الحكومات أنكرت التهمة وأخرجت حاخامات يشككون فى يهودية الفلاشا.

فى عام 1975 طبق عليهم إسحق رابين قانون العودة ولكن لم يكن من السهل عليهم مغادرة إثيوبيا بسبب الاضطرابات السياسية التى انفجرت هناك.

فى عام 1981 بدأت عملية تهريب الفلاشا إلى إسرائيل بأعداد صغيرة على متن طائرات لنقل البضائع تولتها منظمة تابعة للمخابرات الأمريكية عملت تحت غطاء شركة تجارية لتصدير الماشية.. ولم تمر سوى شهور قليلة حتى كشفت العملية التى عرفت باسم موسى فى مطار أديس أبابا.. ولم يكن قد هرب أكثر من ألف فلاشى.

فى منتصف عام 1984 استضاف تاجر السلاح الشهير عدنان خاشقجى بترتيب من وكالة المخابرات المركزية الرئيس السودانى جعفر نميرى وأرييل شارون فى قصره المطل على غابة من غابات العاصمة الكينية نيروبى وحضر الاجتماع الخفى جنرالات من الموساد على رأسهم ديفيد قمحى الأكثر خطورة.

اتفق على تهريب الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل عبر جنوب السودان.. وحصل نميرى على 56 مليون دولار وضعت له سرا فى بنك إيطالى لا يلفت النظر.. ونال مساعدوه نصيبهم من الصفقة.. ونقل الفلاشا من مطار الخرطوم إلى تل أبيب على طائرات بلجيكية وضعت علامات منظمات إنسانية لغوث اللاجئين.

وبسقوط نميرى توقفت العملية التى أهانت تاريخه وعجلت بسقوطه ولكن وكالة المخابرات المركزية كانت قد نجحت فى إقناع الكونجرس ببيع أسلحة أمريكية للرئيس الإثيوبى (الماركسى) مانجستو هيريل مريم مقابل السماح بهجرة ما تبقى من يهود الفلاشا وعرفت هذه العملية باسم جسر سليمان.

يصل عدد الفلاشا فى إسرائيل اليوم إلى 140 ألف يهودى ولكنهم يعانون من ضعف مستوى المعيشة ونقص الخدمات والبطالة المتفشية بينهم بنسبة لا تقل عن 60% أما الباقى فيأكلون عيشهم باحتراف مهن متواضعة جدا فى الصرف الصحى والنظافة ورعاية القبور ولكن الأهم شعورهم بالتمييز والاضطهاد واستمرار الحاخامات فى التشكيك فى يهوديتهم وأجبروهم على القيام بطقوس دينية صعبة لم يحتملوها.

ووصلت إهانة الفلاشا إلى حد أن القيت لترات ثمينة من الدماء تبرعوا بها فى المجارى بعد أن رفضتها المؤسسات الصحية لأنها سحبت من عروقهم.

لم يجد الفلاشا فى إسرائيل الجنة التى وعدهم بها الموساد.. لم يجدوا أنهار السمن والعسل.. لم يجدوا حزبا يقبلهم بسهولة.. لم يجدوا سوى تجمعات عشوائية من الصفيح تتفجر بالعنف والقسوة.. وفى الدولة التى وصفت لهم بواحة الديمقراطية لم يكن أمامهم سوى القبول بالعبودية.

لم يكن وصف الفلاشا بالعبيد وصفا مجازيا بل كان أمرا واقعيا فرضه شعور اليهود البيض أو الاشكنازيم الذين جاءوا من أوروبا وارثين ثقافة الإمبراطورية الرومانية التى تقسم البشر بين سادة وعبيد وهى نفسها الثقافة التى شجعت الفتوحات الاستعمارية والتوسعات الإسرائيلية.

كان التمييز فى إسرائيل بين الاشكنازيم والسفرديم (اليهود الشرقيين) ولكن بعد عقود من الاندماج والاختلاط والتزاوج تراجعت المشكلة التى عانى منها يهود مصر والعراق والمغرب واليمن لتظهر مكانها مشكلة أشد حدة ليهود الفلاشا الذين وصل الاستهتار إلى حد القتل.

كان ضابط الشرطة يجلس يوم إجازته وسط عائلته على مقهى فى مستوطنة كريات حاييم شمال حيفا عندما وجد شابا من الفلاشا يتشاجر مع آخر من الاشكنازيم وعندما حاول التدخل لفك المشاجرة تعرض لضربات بالحجارة فأخرج مسدسه وأطلق النار على ساقه ولكن الطلقة ارتطمت بسور من الصخر وارتدت إلى صدر الشاب الذى لا يزيد عمره على 19 سنة وقتلته فى الحال.

ضاعف قتل الشاب سليمان (ينطقونها سلمون) تاكا من بركان الغضب المتصاعد سخونة فى صدور الفلاشا فاندلعت أعمال العنف ضد الشرطة وأشعلت النيران فى سياراتها وتعرض عشرات من رجالها للضرب ونقل بعضهم إلى المستشفيات مصابا بجراح خطرة.

بدا واضحا أن الشرطى لن يحاسب بأكثر من إجراء تأديبى بسيط مما ضاعف من غضب الفلاشا فخرجت تظاهراتهم المصحوبة بأعمال عنف فى أماكن متعددة فى إسرائيل وخرجت بيانات منهم تؤكد: إنها ليست المرة الأولى التى يقتل واحد منهم دون عقاب قاتله.

سبق أن قتل جندى من الفلاشا بيد ضابط شرطة أيضا وسبق أن اغتصبت فتاة منهم فى قسم شرطة ولكن الجناة لم يعاقبوا بل يعاقب من يدافع عن الفلاشا مثل اليهودى العراقى شلومو معوز الذى طرد من منصبه الحكومى المتميز عندما وصف ما يجرى للفلاشا بالتمييز العنصرى.

ولم يتحرك الكنيست لمساندتهم رغم هجوم مئات من الفلاشا عليه فى بداية يناير عام 2012 مطالبين بالمساواة بينهم وبين الأعراق اليهودية الأخرى.

لكن مشكلة الكنيست أن الأحزاب السياسية الممثلة فيه ليس بينها من يجد فى الفلاشا ما يغرى بالدفاع عنهم فهم ليسوا مؤثرين فى المجتمع وليس بينهم من يشغل وظيفة مهمة وغالبا ما يكلفون الحكومة إعانات بطالة متزايدة كما أن عددهم الصغير لا يؤثر فى الانتخابات.

لم تنصفهم القبلية التى عاشوها فى إثيوبيا ولم تنصفهم الديمقراطية فى إسرائيل فلم يكن أمامهم سوى العنف فليس لديهم ما يخسرونه ولكن يمكن أن ينبهوا الحكومة القائمة بأنها ستنال جزءًا كبيرًا من خسارتهم بتدمير المنشآت وتهديد سمعتها لعلها تنتبه إليهم.

على أن كل ما شهدت إسرائيل من تظاهرات خشنة لن يهددها بالتفكك والسقوط كما يأمل كثير من الكتاب العرب الذين يأسوا من المقاومة ويأسوا من المفاوضات السياسية ولم يجدوا أمامهم سوى الحلم بأن يدمر الفلاشا الحلقة الأضعف الدولة العبرية.

إن الحد من تمدد وتوسع وطمع إسرائيل معروف لدينا جميعا منذ زرعت فى الجسد العربى ومن العار أن يذكرنا أحد به ولكن العار الأشد أن نظن أن هتافات الفلاشا لفلسطين ستعيدها إلينا وأن نطقهم بالشهادتين بصوت مرتفع سيدخلهم فى دين الله أفواجا.

لقد أخذنا نصيب نصف الأمم من السذاجة ولم نكسب شيئا فلم نفكر فى النصف الآخر؟.