منال لاشين تكتب: السرقة المشروعة

مقالات الرأي



54% لا يستخدمون التكنولوجيا التى يشترونها بالآلاف

6 طرق لنهب أموالك فى الأوكازيون والسوبر ماركت

احذر الهدية المجانية فهى أكبر عملية نصب

إخفاء السلع الرخيصة بعيدا عن متناول يديك

لعبة توهانك بين الأقسام تكلفك الكثير

استراتيجية الشرك لدفعك لشراء السلعة الأغلى


كانت أمى رحمها الله مستهلكة عنيدة لاتخضع لإغراءات الأكازيون أو أى من العروض الخاصة، تشترى ما تحتاجه فقط، وكان شعارها «الغالى تمنه فيه» فبلوزة واحدة ذات قماش جيد خير من عشر ذات قماش سيئ، وحذاء أو شنطة واحدة من الجلد الطبيعى أفضل من دستة أحذية من الجلد الصناعى.

لم تحمل هذه السيدة العظيمة شهادة دكتوراة أو حتى ماجستير فى الاقتصاد أو التسويق أو علم النفس، ولكنها بفطرتها وذكائها الطبيعى قاومت كل خطط الاقتصاديين وعلماء التسويق وخبراء النفس البشرية، فنحن أثناء عملية الشراء، أى شراء من علبة السمن إلى قميص مرورا بالثلاجة أو الغسالة نخضع إلى عمليات معقدة وضعها أكبر الخبراء لسرقة أموالنا، وذلك بدفعنا لشراء كل ما لا نريده ولا ينفعنا، مهما كانت خبرتك فى الشراء أو الشوبينج، فلا يمكن تصور كم الخداع المستمد من النظريات العلمية التى تقود التجار والمحلات والسوبر ماركت لسرقة أموالنا وسط ترحيب وفرحة وابتسامة بلهاء منا، وهذه العملية المعقدة تبدأ مع بناء السوبر ماركت أو المحلات ولا تنتهى باختيار لون الحوائط وطريقة عرض البضائع، مرورا بطريقة صياغة العروض الخاصة، والتى يتم وضعها بواسطة أكبر الأسماء فى علم النفس والتسويق والاقتصاد، فنحن مجرد قطع شطرنج بشرية تتحرك وتشترى أو بالأحرى تنخدع وتقع فى شراك وكمين الشراء.

وحتى القرن الماضى لم يكن لنظريات علم النفس ذات الاهمية فى مجال الشراء والبيع أو تسويق المنتجات، ولكن حدث متغير مهم بعد الحرب العالمية الثانية، فبعد الحرب ارتفعت مبيعات «الديب فريرز» بشكل خرافى، وذلك بعد أن عانت هذه السلعة ركودا كبيرا، وفسر عالم نفسى كبير الظاهرة، بأن الخوف من الجوع الذى عاشه الأوروبيون فى الحرب هو الدافع وراء شراء «ديب فريرز» فالناس لا تشترى جهاز تخزين الطعام ولكنها تشترى الشعور بالأمان، وكانت أوروبا قد عانت خلال الحرب من نقص الغذاء حتى إن اللبن والبيض والخبر كان يوزع بحصص قليلة لكل مواطن.

بعد ذلك الحدث صدر كتاب أمريكى ليغير عالم التسوق رأسا على عقب، قدم الكتاب أساسا نظريا للدافع وراء عملية الشراء، وأكد أنه يجب اللعب على الدوافع والاحتياجات الإنسانية لدفع المواطن للشراء، وليس التركيز على جودة أو خصائص السلعة، ففى ذلك الوقت لم يكن الفروق بين السلع كبيرة، قال الكتاب للتجار على بلاطة: أنت لا تبيع مرتبة ولكنك تبيع وعدا بنوم هادئ، وأنت لا تسوق جوارب نسائية ولكنه تبيع حلمًا أو ربما وهم السيقان الجذابة للمرأة، وأنت لا تبيع معجون أسنان بل تبيع ابتسامة ساحرة.

من بين مفاجآت هذا الكتاب الذى تحول إلى مرجع مفاجأة تخص المرأة، فالكتاب يؤكد أن بيع السلعة للمرأة أسهل لو أقنعتها بأن استخدامها للسلعة يجعلها محط أنظار وغيرة النساء، وليس إعجاب الرجال، كما تناول الكتاب أثر المخاوف الصحية فى ترويج وتسويق السلع، وقد استخدمت الدوافع الصحية والخوف من المرض فى تسويق غسالة الأطباق فهو تقضى على الجراثيم التى لا تقدر عليها سوى هذه الآلة، ومنذ انطلاق هذا الكتاب، أصبح الاستعانة بخبراء علم النفس أساسا حاسما فى كل مراحل البيع حتى بما فى ذلك عملية بناء المحل أو السوبر ماركت، لأن النظام الرأسمالى يقوم على فكرة إنتاج السلع والخدمات، فإذا توقف الطلب توقفت الصناعة وأصيب الاقتصاد فى مقتل، ولذلك فإن بقاء الطلب مشتعلا هو عنصر مهم وحجر الزاوية، ولهذا يمكن أن نفهم الاستعانة بعلماء النفس للسيطرة على المشاعر لدفعهم لمزيد من التسوق والشراء.


1- خدع الأوكازيون

بمناسبة بدء موسم الأوكازيون وبمناسبة أن أحوالنا الاقتصادية والمالية ليست على ما يرام، أحب أن أحذركم من أسوأ عملية نصب تتعرضون لها فى الأوكازيون، وهى الهدية المجانية أو الخصم الضخم المرتبط بشراء عدد معين من الوحدات أو السلع، ففى النهاية ستكشف أنك دفعت ثمنا أغلى وتورطت فى شراء ما لا تحتاجه فعلا، والأرقام والأمثلة ستكشف لك الحقيقة المرة.

فانت الآن فى أحد محلات الملابس، وهناك عروض كثيرة للتخفضيات، العرض الأول اشترى قميصا (مثلا) بتخفيض 25%، أما العرض الثانى فاشترى قميصين واحصل على الثالث مجانًا، بالطبع سترن فى أذنك وقلبك وعقلك وجبيك كلمة «مجانى»، تعالى الآن نحسب ما دفعته فى كل عرض، لو افترضنا أن القميص بـ100 جنيه، فلو اشتريت قميصًا واحدًا بخصم 25% ستدفع 75 جنيهًا فقط، وأما فى العرض الثانى فتدفع 200 جنيه لتشترى ثلاثة قمصان، وبذلك يكون ثمن القميص فى العرض المجانى 66جنيهًا، أى أنك تحمل 125 جنيهًا إضافية لتحصل على خصم إضافى قدره 9 جنيهات فقط، فقد أدى كلمة مجانى إلى دفعك لمزيد من دفع الأموال وأرهاق ميزانيتك، وكما أن هذا النصب المجانى حرمك من متابعة العروض الأخرى والمنتجات الأخرى فى محلات ومتاجر أخرى، ولذلك احذر كلمة «مجانى وببلاش» لأنهما مجرد كمين للنصب عليك، وبالمثل عروض اشترى قميصين واحصل على الثالث بخصم 60 %، لا تهلث وراء هذا العرض لأن سعر القميص فى هذا العرض 80 جنيهًا، أى أنك تشترى القميص فى العرض بأغلى من القميص الواحد بخصم 25%، مرة أخرى لو افترضنا أن القميص بـ100 جنيه، فسعر القميص بخصم 25% هو 75 جنيهًا، وسعره فى العرض الآخر 80 جنيهًا.

ما يحدث فى الأوكازيون يتكرر كثيرا فى العروض الخاصة فى السوبر ماركت من علب الشاى للسمن للصلصلة، ولكن فى المنتجات الغذائية المخاطر أعلى، ففى الغالب يلجأ السوبر ماركت لهذه العروض الخاصة «اشترى اثنين واحصل على الثالث مجانا» للتخلص من البضاعة التى قاربت على انتهاء صلاحيتها، ولذلك يجب أن تدقق كثيرا فى تاريخ الصلاحية عن التعرض لمثل هذه العروض، والنصيحة الذهبية ابتعد عن مثل هذه العروض، وتعامل مع التخفيض على وحدة واحدة من السلع أو المنتجات، ولا تخجل من استخدام الآلة الحاسبة للمقارنة بين العروض.

يرتبط بهذه الظاهرة سلوك آخر وضعه علماء النفس ويعرف بـ«استراتيجية الشرك»، فى هذه العملية الخبيثة يتم وضع ثلاثة عروض أو اختيارات أمام المستهلك، على أن يكون أحد هذه العروض ضعيفًا جدا وغير مقبول، ولكن يتم وضعه لدفعك لشراء السلعة الأغلى أو الخدمة الأغلى، منذ أيام قرأت تقريرا رائعا على موقع (بى بى سى) عن هذه العملية، ويبدأ التقرير بسؤال بسيط جدا هل لاحظت أن ثمن الحجم الوسط للمياه الغازية يكون قريبا جدا من ثمن الحجم الكبير؟ سؤال غريب وبسيط ولكن إجابته تفتح أبواب جهنم على الشركات، وتكشف حجم الخداع الذى نتعرض له كمستهكلين، فالحجم المتوسط فى الكثير من السلع يتم حساب ثمنه لدفعك لشراء الحجم الأكبر وليس أكثر ولا أقل، فالفارق بين سعر الحجم الوسط والحجم الكبير يكون صغيرا، وذلك لدفعك لشراء الحجم الأكبر، بل إن جريدة كبرى وعريقة استخدمت هذا الأسلوب لضمان استمرار توزيع الصحفية الورقية، فقد نشرت جريدة الإيكونوميست إعلانا للاشتراك فى خدماتها، وكان فى الإعلان ثلاثة خيارات فالاشتراك الإلكترونى بـ52 جنيهًا، واشتراك الورقى عن نفس المدة 125 جنيهًا أما الخيار الثالث فهو الاشتراك فى الإلكترونى والورقى 125، وبالطبع سارع الأغلبية باختيار العرض الأخير، ويقول الخبير دان أربيلى فى كتابة (خيار متوقع) إن الجريدة وضعت الخيار الثانى بالاشتراك فى الطبعة الورقية كان مجرد شرك أو كمين حتى يتجه القراء للخيار الثالث.

وكثيرًا ما نقع فى مصر ضحايا لهذه الخدعة، بل إننا نضحك على الخيارات، وكأن الشركة بلهاء ، فى الحقيقة نحن أكبر حمقى.


2- لعنة السوبر ماركت

أما أكبر عملية نصب نتعرض لها فتحدث فى السوبر ماركت، عالميا ومنذ بدأت فكرة السوبر ماركت ولدت معها ألاعيب النصب والخداع، فبدأ من تصميم السوبر ماركت أو الهايبرات الكبرى الذى يعرضك لكل السلع والمغريات، لا شىء برىء فى السوبر ماركت، ترتيب الأقسام يورطك فى الأجهزة الكهربائية والحلويات حتى تصل لقسم الأجبان أو المنظلفات، تغيير ترتيب الأقسام ليس بسبب كسر الملل كما يدعون، ولكن السبب أن تتوه ولا تجد القسم الذى تريد الشراء منه، والمرور بأقسام أخرى خلال رحلة البحث حتى تجبر على رؤية السلع والعروض الخاصة، على بلاطة السر هو دفعنا لمزيد من الشراء، وهناك حيل كثيرة وعجيبة فى السوبر ماركت لدفعك إلى مزيد من الشراء، اكتشف أحد الخبراء أن وضع قسم المخبوزات بجوار قسم الأغذية يدفع المستهلك للمزيد من الشراء لأن رائحة المخبوات تفتح شهيته، فيقبل على الشراء، بالمثل تلجأ السوبر ماركت إلى استخدام ألوان طلاء لدفع المستهلك للمزيد من الشراء فاللون البرتقالى فاتح للشهية ولذلك يصلح إلى لون إلى أقسام الأطمعة، واللون الوردى يدفعك لشراء الهدايا والبرفانات، وهكذا.

ولكن أخطر عملية نصب نتعرض لها فى السوبر ماركت تتعلق بنظرية رياضية، فالوضع الطبيعى للعين البشرية هى أن تنظر إلى مستوى العين فقط، لا للأسفل ولا للأعلى، وذلك إلا لو حدث محفز مثل رائحة مميزة أو صوت، فيعطى العقل الإشارة للعين للنظر تجاه المحفز، وقد استغلت السوبر ماركت الكبيرة هذه الخاصية، وذلك من خلال اختيار وضع السلع على أدراج، وتحرص أن تضع السلع الغالية أو الأقل شهرة أو طلبا فى درج على نفس مستوى العين، ويقع معظمنا فى هذا الكمين، ولذلك حين تذهب إلى السوبر ماركت فتش بنفسك على السلع التى تريدها فى أعلى الأدراج أو أسفل درج، فتش فى الأدراج السفلى فهناك سوف تجد الكنوز، بالمثل تلجأ بعض السوبر ماركت إلى نفى قسم العروض الخاصة فى آخر السوبر ماركت حتى تضمن ألا تصل إليه إلا بعد شراء معظم احتياجاتك، والنصحية الذهبية لا تذهب إلى السوبر ماركت مع أولادك الصغار فالفخاخ والكمائن فى كل زاوية لدفع الأطفال للشراء، أبسطها عشرات الأنواع من حلوى الأطفال الموضوعة بخبث شديد بجوار ماكينات دفع الفاتورة.


3- وهم التكنولوجيا

من أشهر أساليب النصب على المستهلك هو النصب بالتكنولوجيا الحديثة، فسواء كان الأمر يتعلق بشراء جهاز محمول أو ثلاجة أو غسالة أو جهاز لاب توب، فثمة كمين ينتظرك عند الشراء، الآن أنت فى محل لشراء ثلاجة أو جهاز محمول، سوف يغرقك البائع فى سرد التكنولوجيا الأحدث فى كل جهاز، وستجد نفسك مبهورًا تتسارع أنفاسك وهو يعدد لك المزايا الخرافية الحديثة مقابل ألف أو ألفين جنيه فقط، وهنا تقع فى الفخ وتشترى الأغلى لأنه أحدث، وقد تتساءل وما العيب فى ذلك والإجابة فى دراسة عالمية أجريت على أكثر من 30 دولة من مختلف أنحاء العالم، المتحضر والراقى والديمقراطى والمستبد، وقد كشفت الدراسة أن نحو 54% من العينة اعترفوا أنهم لم يستخدموا معظم المميزات أو الخصائص الحديثة التى دفعوا ثمنها آلاف الجنيهات أو الدولارات، وأن الأمر كان أشبه بالتنويم المغناطيسى، تحكى إحدى السيدات أنها دفعت مبلغا إضافيا كبيرا لشراء بوتاجاز له باب شفاف للفرن، وأنها كانت مبهورة بهذه الخاصية التى تمكنها من رؤية الطعام داخل الفرن دون الحاجة إلى فتحة، ولكنها فيما بعد اكتشفت أن هذه الخاصية غير مفيدة ولا ضرورية إلا فى حالة خبز الكيك الإسفنجى لعمل التورتات، وأضافت السيدة أنها لم تفكر فى صنع تورتة طوال حياتها، الأمر أو بالأحرى اللعبة تصبح أكثر وضوحا فى أجهزة التليفون المحمول، فحقيقة الأمر أنه لا يوجد فى الغالب فروق حاسمة فى العديد من الموديلات الجديدة التى تدفع بها الشركات، وفى الغالب يجب أن يقترن طرح موديل جديد بخفض فى سعر الموديل الأقدم، وهذه لعبة للضحك علينا وإقناعنا أن الجهاز الذى نملكه فقد قيمته وأصبح فى المرتبة الثانية، وقد لاحظ المراقبون أن سعر الموديل الأقدم سرعان ما يرتفع مرة أخرى بعد قليل من الوقت.


4- العيش بقائمة

من النصائح المهمة لمواجهة طوفان الآلاعيب الخاصة بالشركات والسوبر ماركت نصحية تقييد الشراء، وتقييد الشراء يتم من خلال إعداد قائمة شهرية أو أسبوعية باحتياجاتك، يتم فى هذه القائمة وضع الإعداد أو الأحجام التى تحتاجها من كل منتج، ولا تنسى أن تضع فى القائمة هامشًا صغيرًا جدا للعروض الخاصة، وقارن بين العروض بشكل دقيق فإذا وجدت عرضا خاصًا يستحق الشراء فاشتريه، أما إذا أردت أن تشترى بأسعار منخفضة فعليك بمجمعات الجملة أو الأسواق الشعبية فسوف تجد الأسعار هناك أقل من سعر العروض الخاصة فى السوبر ماركت، ولكن لا تتخلى أبدا عن القائمة، حتى عند شراء الملابس أو الأحذية استخدم أسلوب القائمة ولا تخرج عنه أبدا، باختصار لا تدع السوق يقودك ويفرغ جيوبك، بل تحكم انت فى مشترياتك، لا تكن قطعة الشطرنج بل كن مستهلكًا عنيدًا ورشيدًا.