منال لاشين تكتب: كيف تخفض سعر الدولار لـ 10 جنيهات بـ 3 خطوات

مقالات الرأي



المدخل الوحيد لإسعاد المواطن

هدم نظرية "عربية الفول" يرفع سعر الجنيه

انخفاض القدرة الشرائية للمصريين يعرقل جذب الاستثمار الأجنبي

أرباح المستثمرين ليست جريمة ولا تهمة والتنوع يزيد قدرة الاقتصاد على المواجهة


الدولار ينخفض أمام الجنيه، هذه حقيقة لا يمكن إنكارها، والدولار لن ولم يعاود سقف العشرين جنيهًا حقيقة أخرى لا يمكن إنكارها، ولكن ثمة فارقًا كبيرًا جدا ومهولاً جدا جدا بين الحقيقة والأسطورة، والمتابع لتعامل الحكومة والبنك المركزى مع انخفاض الدولار المتوالى والمتتالى والمتتابع أمام الجنيه قد يلحظ وبسهولة أن الحقائق تحولت إلى أساطير، فالانتصار ليس انخفاض الدولار أمام الجنيه كام قرش كل أسبوع أو حتى 2، 5 جنيه فى أكثر من عامين.

والبنك المركزى يتحدث عن هذا الانخفاض بوصفه انتصارا كاسحا، وبعض الوزراء يبيعون لنا الأساطير حول الزيادات أو بالأحرى القفزات الخرافية للسياحة والصادرات نتيجة التعويم، ولكن هذه الأسطورة لن ولم تصمد طويلا أمام حقيقة واقعية وهى أن الدولار لا يزال فى مستويات سعرية مرتفعة تضغط بقوة على كل من الاقتصاد والمواطن على حد سواء، ولو كانت السياحة أو الصادرات قد تضاعفت وتوغلت لظهر أثر هذا على سعر الدولار الذى لا يزال مرتفعا، بل إن المستوى السعرى للدولار فى مقابل الجنيه لا يزال بعيدا عن كل التوقعات للبنوك والمراكز البحثية العالمية لسعر الجنيه قبيل التعويم، السعر المتوقع للدولار مقابل الجنيه كان يترواح ما بين 12 جنيهًا إلى 14 جنيهًا، وهذا السعر المتوقع كان معترفا به داخل صندوق النقد الدولى نفسه، ولذلك ما أن أعلن محافظ البنك المركزى طارق عامر يوم التعويم أن سعر الدولار وصل 18.8 جنيه، ما أن حدث ذلك صباح يوم التعويم حتى أعلن مسئول بالنقد الدولى دهشته وصدمته فى أن يصل الدولار لهذا السعر، وأن هذا السعر كان خارج كل توقعاتهم، ولا يجب أن ننسى أن هذا التصريح جاء فى نفس يوم التعويم، ولذلك يجب أن نضع انتصار أو بالأحرى حقيقة انخفاض الدولار أمام الجنيه فى حجمة الطبيعى.

1- معادلة عربية الفول

الدكتور فاروق العقدة محافظ البنك المركزى السابق هو أبو الإصلاح المصرفى ويعد بحق المؤسس الثانى للبنك المركزى، وكثيرا ما كان يواجه أسئلة النواب فى مجلس الشعب هو كيفية إدارة سوق الصرف أو بالأحرى التعامل مع الدولار، وعلى الرغم من علم الدكتور فاروق وخبرته الواسعتين فقد كان رده غريبا، كان يقول: هناك عربية فول بجوار المجلس وفى كل مكان، عربية فول يأكل منها أغلب المصريين سندويتشات الفول، هذا السندويتش مكون من فول نستورد 65% منه، عيش نستورد 67% منه، زيت نستورد حوالى 70% منه، وأخيرا أنبوبة بوتاجاز تستورد 90% منه، وأنا محافظ عربية الفول، مطلوب منى كل صباح أن أوفر لهذا المواطن السندويتش، وهذا تلخيص عبقرى لأزمة الدولار فى مصر، فأهم أربعة منتجات لا ننتج منهم سوى أقل من ربع استهلاكنا، وأضف إليهم العدس، ممكن نغلق أو نضيق مصادر الاستيراد وهذا ما يحدث بالفعل، ولكن أثر هذا لم ولن يكون حاسما فى خفض سعر الدولار أو بالأحرى كسر رقبة الدولار.

فالعامل الحاسم فى خفض الدولار 2 جنيه كان تقليلاً ثم الاستغناء عن الغاز الطبيعى المستورد، يليه القيود والضغوط على الاستيراد غير الضرورى أو الكماليات، ولذلك إذا أردت إحداث فارق آخر كبير فى سعر الدولار فيجب إكمال منظومة سندويتش الفول، زراعة الفول والنباتات التى تستخرج منها الزيت، والقمح.

وحسنا فعلت الحكومة بالبدء بزراعة القمح فى أول قطع الأراضى المستصلحة، باختصار تحقيق الاكتفاء الذاتى من أهم المنتجات التى يستهلكها معظم المواطنين.

وهذا الأمر يتطلب تحطيم نظرية يوسف والى فى أولويات الزراعة فى مصر، نظرية الفراولة للتصدير بدلا من زراعة القمح للاكتفاء الذاتى.

2- الفراخ البلدى مستوردة

مع استمرار التضييق على الاستيراد العشوائى الذى بدأه محافظ البنك المركزى السابق هشام رامز هناك أولويات فى التصنع الزراعى، فـ60% من العجول والبقر البلدى تعد استيرادًا نتيجة لاستيراد العلف، وبالمثل 85% من الفراخ البلدى تعتبر مستوردة، ولهذا لكسر حالة ارتفاع الأسعار الخرافى، ولكسر حلقة إفقار المصريين، يجب الإسراع فى قرار تصنيع العلف الحيوانى للأبقار والطيور معا، مثل هذا القرار أو بالأحرى الصناعة من شأنها خفض أسعار اللحوم والطيور والألبان والبيض إلى مستويات على قد يد المواطن المصرى.

ولذلك نحن فى حاجة مرة ثانية وعاشرة إلى تعديل الأولويات، الصناعة والزراعة أولى من العقارات والكبارى، حل أزمة المصانع المتعثرة أولى من بدء مشروعات جديدة، حتى لو كان الحل هو أن تدخل الدولة شريكة فى المشروعات على غرار التجربة الأمريكية، وتحقيق الاكتفاء الذاتى فى السلع الاستراتيجية أهم من تصدير بعض السلع للخارج لجلب كام دولار.

3 -الفقير يطفش المستثمر

الخطوة الثالثة لكسر رقبة الدولار قد تبدو غريبة، فعلى الرغم من كل محاولات وزيرة الاستثمار الدكتورة سحر نصر فى جذب الاستثمارات الأجنبية، وعلى الرغم من أن موقع مصر متقدم فى قائمة الدول الجاذبة للاستثمار رغم هذا وذاك، فإن هناك قاعدة تربط بين الفقر والاستثمار، وهى علاقة عكسية، فكلما زادت نسبة الفقر هرب الاستثمار، وبالمثل كلما انخفض مستوى المعيشة داخل البلاد طفش الاستثمار من الشباك والباب، ولذلك يجب الاعتراف بأن كثرة وتعدد الضرائب والرسوم فى الفترة الأخيرة قد ضربت القدرة الشرائية لكثير من المصريين، وهذا الوضع تجب مراجعته، فمصر سوق كبيرة وكبر السوق بالطبع يمثل عنصر جذب، ولكن إذا وصل السوق لمستوى معين من انخفاض القدرة الشرائية، فمن البديهى أن تفقد السوق الكبيرة جاذبيتها لدى المستثمر، ومن وجهة نظرى أن مصر تعيش وضعًا غريبًا وشائكًا إلى حد كبير، فالحكومة تزيد الأعباء والضرائب والرسوم وأسعار الخدمات بمنطق اشتراكى يرى فى مشتريات المواطن ذنبًا لا يغتفر، وجريمة يجب ألا تمر دون عقاب، ولكنها فى الوقت نفسه توجهها مع الاقتصاد الحر، وتخاطب المستثمرين فى جميع أنحاء العالم بلغة البيزنس وتطرح شركات قطاع الأعمال للبيع، وهذا تناقض لأن الاقتصاد الحر يحرص على ألا تزيد الضرائب والرسوم والأعباء على المواطن وإلا ركدت الأسواق، وأغلقت المصانع والشركات، ففى أمريكا مثلا ينظر للرسوم والضرائب كمنافس لحركة السوق وبيع المنتجات، ولا يمكن أن تفرض ضرائب برؤية اشتراكية فى ظل مناخ رأسمالى حر، وتتكرر هذه الإشكالية أو التناقض مرة أخرى، ففى المجتمع الرأسمالى وفى أدبيات الاقتصاد الحر أن الربح هو الدافع الرئيسى لمشروعات رجال الأعمال، والربح حتى لو كان كبيرا أو ضخما لا يعيب صاحب المشروع، كل ما فى الأمر أن يدفع الضرائب ويقدم خدمات المسئولية الاجتماعية، ولكن يبدو داخل بعض الوزارات أو المشروعات ينظر للربح كأنه جريمة، وهذا الخلط أو الخلطة الغريبة تحتاج إلى إعادة نظر، فإما أن نأخذ بكل آليات وأدوات الاقتصاد الحر أو نتركه لنظام جديد، لأن غياب التوجه العام من ناحية، وانعدام أو على الأقل ضبابية الانحياز من ناحية أخرى يؤدى إلى فقدان البوصلة، وبمثل المعيار فإنه لا يمكن وجود اقتصاد حر مع إعلام أو سياسة لا تتمتع بنفس القدر من الحرية والتنوع، فخبر صغير عن القبض على بعض النشطاء قد يؤثر فى السياحة، أو يتسبب فى تراجع موقع مصر فى أى المؤشرات الاقتصادية، والتنوع السياسى يساند الاقتصاد الحر لأنه يطمئن المستثمر الأجنبى على استقرار وشفافية الإجراءات الحكومية.


4- انطلاق الجنيه

لو طبقنا هذه الخطوات الثلاث سنكون قد وضعنا الجنيه أو العملة المصرية على طريق الانطلاق الحقيقى، وليس مجرد رفع ضئيل فى قيمتها، لأن قيمة العملة فى أى بلد هى مجرد انعكاس أو تكثيف لصورة وقوة الاقتصاد فى هذا البلد، فالمرض ليس فى الجنيه، فسعر الدولار مجرد عرض لأمراض فى جسد الاقتصاد، قد تركناه وظلمنا الجنيه عندما تركنا يغرق لوحده فى تعويم كامل، وتركنا نظام التعويم المدار الذى كان سيحفظ للجنيه بعضا من قوته، والآن نحن فى حاجة ملحة وعاجلة لخطوات لإصلاح الاقتصاد وإصلاح مسار الإصلاح الاقتصادى، وإعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية، كمثال صغير لو وفرنا للمصريين فى الداخل إنتاج المزارع السمكية لانخفض سعر الأسماك، وتأثرت أسعار سلع أخرى مثل اللحوم والطيور، وهكذا وفى سلعة واحدة نخفف الضغط على المواطن من ناحية، ونترك له أموالا تسمح له بشراء سلع أو خدمات من ناحية أخرى، وهكذا فإن القدرة الشرائية للمواطن تسمح بجذب الاستثمار الأجنبى فى سوق مفتوحة وكبيرة، هذه مثال بسيط ويبدو للبعض تافها، ولكنه نموذج حقيقى جدا للتفكير فى إعادة ترتيب الأولويات، أو إعادة ترتيب قطع الصورة الكاملة أو العامة للاقتصاد، نحن نحتاج لخطوات سريعة لكى نحقق انتصارًا كبيرًا نفخر به فى صراع الجنيه والدولار، نحتاج أن يصل سعر الدولار لعشرة جنيهات أو على الأقل 12 جنيهًا حتى يشعر المواطن بتحسن فى حياته ونرفع سيف الضغوط وارتفاع الأسعار من على رقبة المواطن.