جيهان منصور تكتب:الإعلام في الميزان ٢

مقالات الرأي

جيهان منصور
جيهان منصور


مع ثورة التكنولوجيا الحالية والتي أصبح معها الوصول إلي أي خبر أسهل وأسرع من عهود سابقة بفضل الإنترنت والهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، بات من المستحيل أن ينتظر المشاهد الخبر عبر الشاشة الفضية فقط، لأنه صار يعرف الخبر وينتظر تحليلاً من المسئول ورأياً من المواطن، فضلاً عن تطورات وتفاصيل الحدث عبر الشاشة.

تأثير الشبكة العنكبوتية أصاب أولاً الصحف الورقية وكان لزاماً على كبرى المؤسسات الصحفية العالمية أن تنتبه لذلك، فاجتهدت في تطوير الصحف المطبوعة بطريقة تجعلها لا تكتفي بالخبر والمانشيت بل زادت مساحة الرأي والتفاصيل والتحليلات وقياس الرأي العام والتوقعات والرؤية والاستنتاج حتى تقاوم سطوة الثورة الرقمية.

لذلك على الإعلام المرئي أن يقدم الانفراد ويجتهد في التحليل والتوقعات، لكن هل هذا ماتقوم به برامجنا وفضائياتنا الآن؟ الإجابة بالتأكيد لا، وأي متابع للإعلام المصري يجد أن الحوار من طرف واحد، بيانات موجهه، في ظل غياب طرفي المعادلة عن الشاشات، وأقصد بذلك المسئول والمواطن، فلا يظهر المسئولون والوزراء والمحافظون وأعضاء مجلس الشعب على الشاشات منذ فترة ليست بالقصيرة، أيضا لانجد أي تليفونات او مداخلات مباشرة مع المواطنين لتلقي شكواهم و آرائهم، فكيف إذا يتم قياس مدى مصداقية وسائل الإعلام في ظل غياب المواجهه بين المسئول والمواطن؟ ولذلك لجأ الناس للسوشيال ميديا وهجروا الشاشات، والسبب عدم المصداقية وشعورهم بغياب صوتهم عن الإعلام، إلا بلقاءات مسجلة ومنتقاة بعناية وكلها مؤيده مهلله وكأننا نعيش في السويد!

المشكلة هنا تكمن في زيادة درجة وعي المواطن بسبب  إرتفاع سقف حرية الصحافة والإعلام (الخاص) منذ نهايات عصر مبارك مروراً بثورتي ٢٥ يناير و٣٠ يونيو فالتف الشعب حول الفضائيات المصرية وعادت الريادة للإعلام المصري بجدارة، لكن الردة التي حدثت منذ بداية "إعلام التسريبات" بعد سقوط حكم الإخوان الظلامي، والتشكيك في كل الآراء الوطنية- غير الإخوانية- المعارضة فضلا عن سيطرة إعلام الصوت الواحد أعادت المواطن للإعلام الدولي بسبب نفوره مما يقدم بمنهجية معينة لاتتلائم حتى مع ما يعانيه من أضرار نتيجة لخطوات الإصلاح الإقتصادي وتأثر ميزانية الأسر المصرية بذلك، حتى أنه من السخرية بمكان إذاعة إحدى الفضائيات تقريراً لمواطنين "شرفاء" ينادون الحكومة بزيادة أسعار البنزين لأنها تصب في مصلحة المواطن!

نتفهم جميعا تلك الآراء التي تقول أن هناك مؤامرات "كونية" على البلد كما مللنا من حديث حروب الجيل الرابع والخامس وبعضهم وصل إلى مجلس إدارة العالم! ونتفهم الدواعي الأمنية التي تتطلب "قدراً" من التحفظ في الإعلام، لكن أيضا كل شيء يزيد عن حده ينقلب للضد، ومن الممكن أن تخف تلك الجرعة المكثفة من البيانات الموجهة، فيعود التفاف المواطنين حول الشاشات من جديد، ولا أقصد هنا التشكيك في كل المخاوف الأمنية ومايتعلق بالإخوان والإرهاب واستهداف الوطن، ولكن المطلوب هو الحكمة في التناول الإعلامي بشيء من الحصافة.

وحتى لا نصدر أحكاماً بالفشل على الجميع، وإيماناً بالحكمة القائلة "بضدها تتمايز الأشياء" ، فإن تجربة الزميل الصحفي والإعلامي "محمد علي خير" في برنامج "المصري أفندي" على قناة القاهرة والناس، جديرة بالاحترام، فهو يقوم بعمل "الخلطة الرائعة" بين الإعلام الوطني والشعبوي المهني في آن واحد، ولذلك يحظى بنسبة مشاهدة عالية وتقدير من الزملاء، كما أن عودة الزميلة المحترفة "لميس الحديدي" على شاشة العربية الحدث كان لها مذاقاً جميلاً لمشاهديها وخبراء المهنة، كذلك فرحنا جداً بتعاقد الزميله "رشا نبيل" مع قناة العربية الإخبارية، وإن كنت أتمنى أن يعود نجومنا المصريون إلى إعلامنا وليس الإعلام العربي فهم يستحقون ذلك، وهمسة في أذن من يهمه الأمر، هناك حقيقة مفادها أن أي إعلامي مصري لا يرغب في العمل في إعلام غير مصري إلا مضطراً، فلماذا نترك نجومنا يهاجرون إعلامنا؟ تلك بالتأكيد خسارة كبيرة للمشاهد المصري المتعطش للحرفية والمهنية، وتلك الأسماء وغيرها تستحق أن تجد مكانها على الشاشة المصرية بدلاً من بعض الأسماء التي ملّ المشاهدون من انتقادها وتثير حفيظة الملايين ومازالت مستمرة عنداً ومكابرة لعدم الرغبة في الاعتراف بفشلها!

وعلى سبيل المثال لا الحصر لماذا تم إغلاق قناة "أون الإخبارية" التي كانت تعد "سي إن إن" مصر؟ وأين قناة "دريم" ذلك الصرح الوطني العملاق الذي يعد أول قناة فضائية مصرية خاصة عمرها أكثر من ١٥ عاماً، عمل فيها كل نجوم مصر من الإعلاميين مثل (هاله سرحان وابراهيم عيسى ومحمود سعد ومنى الشاذلي ووائل الابراشي واحمد المسلماني وحافظ الميرازي ومجدي الجلاد والراحل مجدي مهنى ومنى سلمان ورشا نبيل و "شخصي المتواضع") وآخرين في مجالات متعددة من السياسة والفن والرياضة والبرامج الدينية والشبابية والثقافية والتاريخية وغيرها، أصاب فعلا بحزن وألم شديدين كلما أدرت الريموت كونترول ووجدت شاشتها مظلمه! ولا ينكر أحد أنها قناة تنوعت فيها الخبرات والآراء والتغطيات وكانت رائدة في مهاجمة ومكافحة الإخوان، فليس أدل على ذلك من القضية التي رفعتها شخصياً على "عصام العريان" نائب رئيس حزب الحرية والعدالة أيام حكم مرسي، والتي كان نتيجتها أن أغلقت قناة دريم وقتها وهددنا جميعا في رزقنا وحياتنا الشخصية، فهل من المعقول أن تنطفيء شاشة "دريم" وتظلم بعد سقوط الإخوان أيضا؟ مجرد سؤال! فضلاً عن جانب قطع عيش العاملين في هذه القنوات ( أون ودريم وغيرهما) ولا أتحدث فقط عن المذيعين ولكن كل الطاقم بلا أي حساب ولا تعويض ودون حتى سابق إنذار!

الخلاصة يا سادة...كما أن الطبيب الناجح يقوم بتجربة دواء معين على المريض وينتظر التحاليل ليعرف النتيجة، فإذا نجح "خير وبركة" وإذا فشل وكانت أعراضه الجانبية خطره، فإنه يغيره وقد يضطر لإجراء جراحة استئصال إذا تفاقم الوضع، ولا يترك المريض يحتضر عنداً أو مكابرة، والإعلام المصري الآن في حاجة عاجلة لتغيير المنهج والمحتوى وبعض الوجوه، فلا تتركوه يحتضر هجراً من الشعب، فماذا يصنع نجاح الإعلام سوى قوة التأثير ونسبة المشاهدة؟ وما الذي يغري المشاهد لمتابعة برنامج أو مذيع سوى أنه يصدقه وأن المذيع يحترم عقله؟ ولا تتركوا نجوم إعلامنا يهاجرون لإعلام بديل، أويتعرضون لإغراءاتٍ من قنواتٍ خارجية نتيجةً لإغلاق الأبواب في وجوههم داخل وطننا الحبيب... المهنية والموضوعية هما الحل.... لسه الأماني ممكنة...