منال لاشين تكتب: حديث سد النهضة

مقالات الرأي



التسعير لا يجب أن يطبق على دول الحوض والسد لا يجب أن يتحول لبنك المياه

المجتمع الدولى والمؤسسات المالية ملزمة بتقديم كل الدعم لمصر لمواجهة الآثار السلبية

لم ولن نتخلى عن حقنا فى مياه النيل ولكننا نحتاج إلى حملة دبلوماسية عالمية


لا أتحمس كثيرا للحديث عن الشأن المائى وسد النهضة، لأن ماكينة الافتاءات والتسريبات و(القلش) فى قضية شديدة الحساسية أزعجنى وأخافنى. الكل يفتى فى قضية سد النهضة. والإخوان تستخدمه سياسيا على الرغم من أن أزمة السد ازادت سوءا فى العهد الأسود لمرسى. والاجتماع السرى الشهير الذى نقل على الهواء شاملا كل أنواع الخطايا.

ولكننى أتمنى أن تستغل الحكومة المصرية اجتماعات الخريف فى واشنطن لشرح وجهة النظر المصرية تجاه سد النهضة، بما فى ذلك التركيز على أحقية إثيوبيا فى بناء السد بما لا يمس حقوق مصر التاريخية ومصالحها المائية. نحن نحتاج إلى حملة دبلوماسية مكثفة جدا تواجه الأكاذيب وتقدم الصورة الحقيقية لمصر وجهودها فى توفير وترشيد المياه. لأن صورة مصر دوليا فى إهدار المياه تضر بالتعاطف الدولى للحق المصرى. يوجد مؤسسات كثيرة تلوم مصر على إهدار مياه الشرب فى الحمامات والاستحمام، كما يوجهون لنا اللوم لعدم التحول إلى الرى بالتنقيط منذ سنوات، وخاصة أن نظام مبارك حصل على مساعدات أوروبية للتحول للرى بالتنقيط. ولذلك مصر فى حاجة إلى حملة دبلوماسية وسياسية لإظهار الوجه الحقيقى لمصر وجهودها فى ترشيد المياه. من ذلك التركيز على إعادة تدوير واستخدام مياه النيل ومنذ سنوات بعيدة. ومن ذلك بدء بناء محطات تحلية البحار فى مصر. وأهمها تصريح الرئيس السيسى فى التفكير فى قطع مياه النيل عن منتجعات البحرين الأحمر والمتوسط والاعتماد على مياه البحر. وذلك اتجاه جيد يواكب الاتجاه العالمى. فمعظم المنتجعات العالمية تعتمد على مياه تحلية البحر أو تدوير مياه الصرف للاستحمام، والاعتماد على المياه المعدنية فى الشرب.

من المهم إبراز اتجاه المصانع الحربية لإنتاج جماهيرى للحنفيات الموفرة للمياه. فإبراز كل هذه الخطوات يظهر مصر بصورة إيجابية. ويبزر المصريين كشعب متحضر يحافظ على نقطة المياه. لابد من مواجهة الصورة السلبية لاستخدام المياه فى مصر بشكل مكثف.

بالطبع مصر لم ولن تتنازل عن حقها التاريخى ومصالحها المائية. ولكن ذلك لا يمنع بالطبع من الاستفادة من حق مصر فى الدعم الدولى لمواجهة أى آثار سلبية لبناء السد. فهذه قواعد وسوابق تاريخية. فالبنك الأوروبى الذى قدم دعما لسد النهضة ملزم بتقديم دعم مالى لمصر لمواجهة الآثار المحتملة، وبالمثل كل المؤسسات والصناديق المالية العالمية. خاصة أن التحول للرى بالتنقيط وتحلية مياه البحر وإعادة تدوير مياه الصرف كلها تحتاج إلى تكنولوجيا وأموال باهظة. ولذلك فمن المهم أن نتطلع ونحصل على دعم فنى ومالى من اليابان وبعض الدول الأوروبية التى حققت تقدما تكنولوجيا فى مجال ترشيد المياه. فيجب أن نفرق بين الدفاع عن حقوقنا المائية بكل الوسائل من ناحية، وبين حقنا فى الاستفادة من كل الدعم الدولى المالى والتكنولوجى. لأن هذا الدعم حق من حقوقنا كدولة عضو فى الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية. كما أننا يجب أن نستفيد من السوابق الدولية فى دعم الدول التى تتأثر ببناء سدود فى دول المنبع.

نحن نحتاج إلى خطاب دبلوماسى يقر حق إثيوبيا فى بناء السد والاستفادة من الكهرباء والزراعة ونمو الاقتصاد من ناحية، ولكنه يرفض بشكل حاسم وقاطع أى مساس بحقوقنا المائية إطلاقا.

وربما يتطلب هذا الخطاب طرح القضية بشكل أشمل وأعمق. ففى حالة إقامة مشروعات وسدود وتحويلات فى مجرى نهر النيل سيقل الفاقد من مياه النهر، ومن ثم سترتفع حصص كل دول حوض النيل بما فى ذلك حصة مصر.

وهذا الطرح يتطلب دعم كل المؤسسات والدول الغنية لتقليل الفاقد من شريان مائى مهم مثل نهر النيل.

مع ثبات موقفنا من حقوقنا التاريخية والمائية بكل قوة وحسم، فإننا يجب أن نرفض سياسات مثل تسعير المياه وبيعها لكل دول حوض النيل، فأصحاب الحق فى المياه من دول الحوض لا يجب أن يتم معاملتهم كدول خارج إفريقيا، وتريد شراء مياه النيل من عشرات السنوات.

وهى دولة سعت إلى التوغل فى إفريقيا وليس إثيوبيا فقط للحصول على مياه النيل. ومن هذا المنطق يجب فضح نظرية بيع مياه النيل. وخاصة أن هناك من يردد أن إثيوبيا تريد أن تحول السد إلى بنك مياه وليس مجرد سد لإنتاج الكهرباء وتوفير المياه للزراعة داخل إثيوبيا فقط. وهذه النقطة تبرز بوضوح فى مناورة إثيوبيا فى سنوات ملأ السد. فهذه المناورة تبعث على الشك أن إثيوبيا لا تسعى لمجرد سد يحقق طموحات الشعب الإثيوبى الشقيق فقط، ولكنها تسعى إلى مد إسرائيل بالمياه لرد الجميل لإسرائيل. ولذلك فإن أمامنا معركة دبلوماسية كبيرة وممتدة ومتشعبة وقوية تحتاج منا جهدا كبيرا جدا، وهذا الجهد مواز لكل جهد يرشد استخدمنا فى المياه. يجب أن نسعى لكسب العالم إلى مناصرة ودعم قضيتنا. لأن الحق وحده لا يكفى دون قوة تسانده.