مافيا "الالتهاب السحائي" تحصد 12 مليون جنيه شهريا من شائعات انتشار المرض

العدد الأسبوعي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


رغم عدم السماح ببيع المصل خارج "المصل واللقاح"

الأمصال تباع على "جروبات السوشيال ميديا" بـ8 أضعاف ثمنها الرسمى

"الصيادلة": الشبكة تضم مناديب شركات أدوية وصيدليات وأطباء كبارا

حالة من الخوف الشديد أصابت الكثير من أولياء الأمور، فور انتشار خبر وفاة طفلة بالإسكندرية جراء إصابتها بالالتهاب السحائى، ورغم نفى وزارة الصحة وجود حالات مصابة، إلا أن الخوف سيطر على أولياء الأمور، الذين منعوا أبناءهم من الذهاب للمدارس، ومنهم من قرر إعطاء أبنائه جرعة احترازية من التطعيم، خوفًا من انتقال العدوى لهم.

الالتهاب السحائى مرض فيروسى أو بكتيرى، يصيب الأغشية الثلاثة التى تحمى وتغلف المخ والنخاع الشوكى، وينشأ بسبب جراثيم مختلفة عديدة، معدى وينتقل من شخص لآخر، عن طريق الإفرازات التنفسية أو إفرازات الحلق.

وأعراضه تختلف حسب عمر المريض، وتتمثل فى «الصداع، القىء، الحمى الشديدة، تيبس الرقبة، ارتباك وصعوبة تركيز، نعاس وصعوبة استيقاظ، طفح جلدى فى بعض الأحيان»، وفى البداية تشبه أعراض الإنفلونزا، والتأخر فى العلاج يسبب الوفاة. وبحسب منظمة الصحة العالمية، يموت حوالى من 5% إلى 10% عادة فى غضون 48 ساعة بعد ظهور أعراض المرض عليهم.

الغريب، أن شائعة انتشار مرض الالتهاب السحائى -كما تدعى بعض القنوات التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية أو كما ينشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى- ليست وليدة تلك الفترة، حيث اعتدنا كل عام فى موسم الدراسة ظهور تلك الشائعات.

لذا، أجرت «الفجر» تحقيقا لمعرفة وجود انتشار للمرض أم لا، وللوقوف على أسباب تلك الشائعات الموسمية. يعود تاريخ شائعات انتشار مرض الالتهاب السحائى لمارس 2013، عندما توفيت سيدة بغرفة العناية المركزة بالمستشفى الجامعى بسوهاج.

وأعلن أن سبب وفاة السيدة بـ«الموت الدماغى» هو الالتهاب السحائى، وحينها قامت وزارة الصحة بإعطاء المرضى الذين كانوا بنفس الغرفة معها مصل وقائى، وأكدوا أن جميع أقسام المستشفى خالية من ذلك المرض.

وما إن خمدت تلك الشائعات حتى عادت تتردد من جديد فى أغسطس 2015، حيث تعدد عدد الوفيات فى تلك الفترة خلال فصل الصيف، وقيل إن السبب هو الالتهاب السحائى، إلا أن الوزارة استمرت فى نشر بياناتها لنفى انتشار ذلك المرض.

وفى فبراير 2018، أصيب جميع أولياء الأمور بهلع بسبب ظهور حالات إصابة بالالتهاب السحائى بالتجمع الخامس، وبالرغم من أن الوزارة أغلقت المدرسة لمدة أسبوع حينها، لمرور الأزمة وتطعيم الأطفال لقاح احترازى، إلا إن الشائعات اجتاحت جميع المحافظات قبل خمودها بعد بيانات عديدة أصدرتها الوزارة ومجلس الوزراء، بأن بعض الحالات مشتبه فيها وليست مصابة، والمرض ليس منتشرًا كما يدعى البعض.

لكن، عاد الذعر فى أبريل 2018، بعدما أثار خبر وفاة طفلة بمدرسة بورسعيد بالزمالك الخوف لدى الكثيرين، رغم أنها توفيت متأثرة بتسمم فى الدم -حسب بيان وزارة الصحة حينها-، ومرة أخرى، عادت نفس الشائعات تتردد فى أكتوبر الجارى، بعد وفاة طالبة فى الإسكندرية، قيل أنها ماتت متأثرة بالمرض، ولكن كشفت الوزارة فيما بعد أن الوفاة ليست بسبب الالتهاب السحائى.

ورغم الجهود التى تبذلها وزارة الصحة فى الحد من انتشار المرض، بتطعيم تلاميذ المدارس فى السنوات الدراسية «أولى حضانة، أولى ابتدائى، أولى إعدادى، أولى ثانوى» مجانًا، بالإضافة إلى تطعيم المسافرين للدول المتوطن بها المرض والمسافرين للحج والعمرة والفئات المستهدفة، إلا أن البعض خلق من شائعة انتشار المرض «سبوبة»، عن طريق بيع مصل علاج الالتهاب السحائى بأضعاف ثمنه بداعى محاربة المرض.

وللتحقق من تلك الواقعة، تتبعنا أحد «جروبات الفيسبوك»، التى نشر عليها عرض لبيع مصل علاج الالتهاب السحائى بـ 1300 جنيه، أى زيادة عن سعره الطبيعى بالمصل واللقاح 8 مرات، فسعر بيعه الرسمى 145 جنيهًا.

ومن خلال الرقم المتوفر على ذلك الجروب، تواصلنا مع أحد الأشخاص، واتفقنا للحصول على ثلاثة أمصال من العلاج، بسعر 1200 جنيه للمصل الواحد، مقابل أن يوصل لنا التطعيم عبر شركة شحن حتى باب المنزل، وتضمن الاتفاق أن يتحمل نصف تكاليف شركة الشحن نظرا، لأن المنتج المشحون هدفه إنقاذ حياة أطفال، كدعم إنسانى منه.

لم يكن ذلك هو الجروب الوحيد الذى يبيع أمصال علاج الالتهاب السحائى، إذ انتشرت تلك الجروبات على مواقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك، واتساب»، وكل جروب بسعر مختلف عن الآخر، بداية من 650 جنيهًا وصولاً لـ1300، وبالبحث وراء تلك الجروبات علمنا أنها تتبع مناديب شركات أدوية، بعضهم يشترى الأمصال من «المصل واللقاح» والبعض الآخر يحضرها مهربة من الخارج.

وبالتواصل مع إحدى العاملين بصيدلية كبيرة، قالت «ش.م»، إنهم يقوموا باستيراد أمصال علاج الالتهاب السحائى وبيعها فى الصيدلية بشكل سرى، لأنهم يقوموا باستيرادها بشكل مهرب، ويصل سعر المصل 750 جنيهًا، وذلك لعدم ثقة بعض الأهالى فى الأمصال الموجودة بوزارة الصحة.

وأضافت: الصيدلية التى أعمل بها ليست الوحيدة التى تقوم بذلك، فالكثير من الصيدليات تتبع نفس الطريقة، وهناك من يقوم بأخذه من «المصل واللقاح» ليبيعه على أنه مستورد، وهناك من يقوم بشرائه من المهربين.

وأكد وحيد عبد الصمد، عضو مجلس نقابة الصيادلة، أن انتشار شائعات الالتهاب السحائى، ليس سوى «سبوبة» لبيع الأمصال المهربة لعلاج الالتهاب، تحت رعاية مهربى الأدوية الذين يعملون فى شركات أدوية من الباطن، وهؤلاء المهربون يقومون بنشر الشائعة ثم يتفقون مع الأطباء الكبار على شراء أمصال لعلاج الالتهاب منهم بالسعر الذى يتفقون عليه، ويقومون بأخذ نسبة من كل مصل يشتريه الطبيب أو الصيدلية.

وأضاف عبد الصمد، فى تصريح خاص لـ«الفجر» أن المهربين أيضا يقوموا بإبرام اتفاقيات مع الحضانات والمدارس الكبرى لشراء كميات ضخمة من الأمصال، لإعطائها للأطفال كجرعة وقائية، وبذلك يتنشر بيعهم لتلك الأمصال المهربة بسبب الشائعة التى أطلقوها فى البداية.

وأضاف: التفاعلات على جروبات السوشيال ميديا لشراء المصل هى أكبر خطر يهدد المجتمع، إذ تصل مبيعاتها إلى 50 حالة يوميًا، ما يعنى أن هذا البيزنس يحقق ما لا يقل عن مليون و200 ألف جنيه شهريًا فى جروب واحد، ويوجد ما لا يقل عن 10 جروبات، لذا يصل الربح إلى 12 مليون جنيه تقريبًا.

وعن الجرعات الوقائية التى يبيعها المناديب والمهربون دون الرجوع لوزارة الصحة، قال دكتور محمد عبد الحميد، أخصائى الأطفال، إن الوزارة تقوم بتطعيم الأطفال فى المدارس بجرعة وقائية من الإصابة بالالتهاب السحائى، لذلك الطفل الذى يتم إعطاؤه جرعة وقائية ثانية يكون بذلك قد أبطل مفعول الجرعة الأولى، وقد يصاب بالمرض نتيجة تلك الجرعة، فالطفل الذى أخذ الجرعة الوقائية يتم إعطاؤه جرعات تنشيطية فقط، حتى لا يؤثر عليه التطعيم بالسلب.

وأضاف عبد الحميد، فى تصريح خاص لـ«الفجر»، أن كافة الأمصال التى تباع خارج «فاكسيرا» غير مختبرة من وزارة الصحة، لذلك فهى غير صالحة، كما أن الطبيب المعالج وحده هو الذى يحدد الجرعة الوقائية أو التنشيطية إذا احتاجها الطفل، وتحدد تلك الجرعة بمواصفات معينة يحددها حجم وسن الطفل وتاريخ تطعيمه الأول.