منال لاشين تكتب: محاكمة الإمام.. مصر أولى وأبقى من الشيخ

مقالات الرأي



أحل دم الدكتور فرج فودة فساعد فى انتشار الأفكار الجهادية والتكفيرية

صلى ركعتى شكر لهزيمة مصر فى 67 ورفض منح الجنود والضباط لقب شهداء


أدرك أن العنوان المكون من كلمتين قد يثير الغضب، فلدى الكثيرين لا تجوز حتى إجراء محاكمة ولو عادلة إلى الشيخ. واعترف بأنه كلما ثار الخلاف مرة تلو الأخرى حول الشيخ الشعراوى رحمه الله أتذكر على الفور أمى وأبى رحمهما الله، واستدعى بشوق الكنبة التى كانا يتابعان عليها حلقات الشيخ، وخلال هذا الوقت يمنع تماما الكلام أو فتح الباب..باختصار يمنع تماما أى صوت أو مؤشر قد يشوشر على أمى وأبى خلال متابعتهما للشيخ. وعلى الرغم من اجتماعهما معا لمتابعة الشيخ، فقد كان ثمة اختلاف جذرى بينهما. أمى كانت تتابع الشيخ بقلبها وكيانها وتقديسها للإسلام. ولكن أبى كان يتابع الشيخ بعقل مفتوح، وبمبدأ أنه لا حصانة لشخص مهما علا قيمته إلا لأنبياء الله والعشرة المبشرين بالجنة. ولذلك كان أبى يقبل الانتقادات الموجهة لبعض أفكار الشيخ الشعراوى أو حتى ينتقد بنفسه هذه الأفكار. بينما كانت أمى رحمها الله ترفض أى انتقاد لأفكار الشعراوى، بل تسرع بالاستغفار. ولذلك أستطيع أن أتصور أو أتفهم كم الغضب الذى يشعر به مريدو الشيخ لدى سماعهم أى كلمة انتقاد للشيخ الشعراوى. ولكن التفهم لا يعنى القبول. ولا يعنى تكفير المسلمين لمجرد أنهم قالوا رأيا فى الشيخ الشعراوى وانتقدوا بعض توجهاته. لا يمكن أن نعيش فى ظل إرهاب دينى وفكرى. فإن كنت أرفض الإرهاب الفكرى بشكل عام. فإنى أصر على آرائى فى بعض توجهات الشيخ الشعراوى. خاصة عندما يتعلق الأمر بالوطن وبأطهر دم فى الوجود.

لا أنكر على الشيخ براعته منقطعة النظير فى تفسير القرآن الكريم، ولا قدرته الخرافية على تبسيط الأفكار لتصل إلى أبسط الناس، وتلك القدرة جعلته متمكنا من إقناع ملايين المسلمين فى كل بقاع الأرض. هو الإمام الذى وحد المسلمين لسماع حلقاته وآرائه.هو جزء من قناعة أجيال، ولا يمكن إنكار أثره فى تاريخ المسلمين.

1- مصر أولا

لم ولن أستطيع أن أتجاوز بعض الأفكار والتصريحات والتوجهات للشيخ الشعراوى رحمه الله. ثمة شرخ كبير فى عقلى وقلبى ومشاعرى.ولا أبالغ فى ذلك لأن الأمر أو الخلاف يتعلق بمصر، وحين يتعلق الأمر بالوطن، فمصر أولى والدماء الطاهرة التى تحمى الوطن أحق بالانحياز والدفاع عنها.

لقد خلط الشيخ بين عدائه الشديد للزعيم عبدالناصر، وبين الوطن الذى يضمه ويحتويه ويقدره. فقد أعلن الشيخ الشعراوى عقب هزيمة مصر فى 67 أنه صلى لله شكرا لأن مصر هزمت. وهذا موقف لا أستطيع أنا والكثيرون قبوله أو تجاوزه. ولا يشفع للشيخ الحديث عن أن هزيمة مصر أوقفت المد الشيوعى، لأنه لا يوجد عذر أو سبب لأن تفرح فى هزيمة بلدك.

وبالمنطق نفسه اعتبر الشيخ الشعراوى أن لقب شهيد لا يجب أن يطلق على ضحايا الحرب بين مصر وإسرائيل، أو بالأحرى ضحايا الحروب الوطنية، وإنما لقب شهيد يطلق على من مات فداء لله.مرة أخرى وعاشرة ومائة لم ولن أتجاوز هذه المواقف. ليس لأنها تتقاطع مع أهم مبادئ الإخوان والمتطرفين فى رفض مبدأ الوطن والأرض فى مقابل راية الإسلام أو الخلافة الإسلامية. ولكننى أرفض أن أتجاوز لأن الوطن خط أحمر لا يجب المساس به، قد تكون معارضا للحكم فى بلدك أو لبعض سياساته ولكن لا يمكن أن تتمنى له الهزيمة أو تشمت فى وطنك أو تصلى شكرا لله على هزيمته. ودم الشهداء هو التاج على جبين الوطن، وهو أقدس ما يقدم المواطن لبلده.

من باب الموضوعية أذكر أن الشيخ الشعراوى تراجع عن عدائه لعبدالناصر واعترف بخطئه، ولكن هذا الاعتراف جاء متأخرا جدا، وبعد أن وقعت الفأس فى الرأس كما يقولون. فلك أن تتخيل كم من المسلمين فى مصر أو فى العالم الإسلامى تأثروا واعتنقوا هذه الآراء، وذلك قبل أن يتراجع عنها الشيخ بعد نحو ربع قرن من الزمان.

2- إباحة الدماء

وإذا كان الشيخ الشعراوى رحمه الله قد تراجع فى أواخر عمره عن موقفه الكارثى من هزيمة وطنة، فإن الشيخ لم يتراجع عن موقفه من قضية مهمة وخطيرة ومصيرية وحاسمة وحاكمة. كل هذه الصفات قد لا تعكس خطورة هذه القضية. لأنها الأساس الشرعى لكل جماعات التكفير والتطرف وداعش وغيرها من جماعات التطرف والجهاد.

هذه القضية التى نعانى منها الآن وندفع ثمنها أطهر الدماء هى التكفير وإباحة الدم أو القتل. فقد شارك الشيخ الشعراوى رحمه الله فى الإفتاء بحل دم الدكتور فرج فودة لخروجه من ملة الإسلام. ولم ينعكس أثر هذا الرأى أو التوجه على قتل الدكتور فرج فودة فقط، ولكن هذه الوثيقة التى وقع عليها الشيخ الشعراوى مع بعض الشيوخ تعد مع شديد الأسف من أهم الأسانيد التى يستند إليها وعليها المتشددون والجهاديون والمتطرفون. ولابد أن نتوقف عند هذا الموقف أو بالأحرى الرأى من زاويتين. إحدهما زاوية دينية، فقد رفض الأزهر وهو يمثل الوسطية الحقيقية تفكير كل من نطق الشهادتين مهما كان جرمه. وقد التزم الأزهر الشريف هذا الموقف حتى فى مواجهة جرائم داعش. وربما ينزعج البعض من موقف الأزهر الشريف. ولكن عدم جواز تكفير أى مسلم نطق الشهادتين ينسف أساسا كل الجماعات المتطرفة.

الزاوية الأخرى تتعلق بالشيخ الشعراوى ذاته، فمع عبقرية علمه وأدائه معا، فإن إباحته لدم المسلم كانت وباءً على مصر والدول العربية والإسلامية. فقد اعتنق الكثيرون الفكر التكفيرى، ومن لم يتحول لعضو فى جماعة تكفيرية شعر بضعف موقفه أمام التكفيريين. وقد دفعنا جميعا ثمن هذا الموقف للشيخ الشعراوى رحمه الله. خاصة بين طلاب الجامعات والشباب الذين آمنوا بفكر الشيخ الشعراوى واعتبروه مرجعا وسندا ليس لاستخدام العنف فقط بل القتل أيضا. ولذلك ظل وسيظل الجدل حول بعض مواقف الشيخ الشعراوى محتدا. وسيتزايد مع انتشار الإسلام الوسطى الحقيقى. منهج الأزهر الشريف الذى يرفض تكفير المسلمين وإباحة دمهم. منهج الأزهر الذى يرفض قتل تارك الصلاة حفاظا على حرمة دم المسلم. منهج الأزهر الشريف الذى يرى أن تضرب الزوجة بالسواك، وينشر أخلاقيات الرسول صلى الله عليه وسلم فى معاملة أهل بيته. منها التسامح والتراحم وإعلاء قيم المحبة.