عادل حمودة يكتب من واشنطن: وائل غنيم "الضائع' بين "حلم" السلطة و"مرارة" التهميش

مقالات الرأي



أصيب بمرض نفسى يسمى "اضطراب وجدانى ثنائى القطب" ويعانى من تقلبات مزاجية تؤثر على النوم والتركيز

لم يتحمل انحسار الأضواء عنه فأصابه الانهيار والانكسار

كسب عشرة ملايين دولار من تأليف كتاب متواضع عن الثورة.. وحصل على جائزة جون كيندى فى الشجاعة واختير ضمن المائة شخصية الأكثر تأثيراً فى العالم من مجلة "التايم"

"أوباما" كان شديد الإعجاب به وكان مستعدًا لتقبله رئيسًا لمصر


قضيت فى بلاط الصحافة سنوات طوال من الخدمة الشاقة نشطت غريزة الحكم على البشر ولو عن بعد.

وغالبا ما تثبت التجارب أن الحكم صائب.

وتشهد شخصيات سياسية وصحفية شهيرة أننى لم استرح لظهور الدكتور محمد البرادعى ولم أراهن عليه وإن لم أتطوع بالهجوم عليه.

وتكرر الشعور بعدم الارتياح لقدوم وائل غنيم من مجهول لا نعرف أغواره إلى صدارة ثورة قطف وحده ثمارها ودفع غيره حياته ثمنا لها.

كسب عشرة ملايين دولار من تأليف كتاب شديد التواضع عن الثورة.. نال جائزة جون كيندى فى الشجاعة.. أختير وقتها على رأس قائمة مجلة تايم للمائة شخصية الأكثر تأثيرا فى العالم.. ونال جائزة حرية الصحافة من القسم السويدى فى منظمة مراسلون بلا حدود.

ولم يخف الرئيس الأمريكى وقتها باراك أوباما إعجابه به بل بدا مستعدا لتقبله رئيسا لمصر بعد تنحى مبارك.

كانت الإدارة الأمريكية قد انقسمت حول مصير مبارك فى حالة صارخة من صراع الأجيال.. الكبار (مثل وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون وروبرت جيتس وزير الدفاع ودنيس روس مسئول ملف الشرق الأوسط وتوماس دينلون مستشار الأمن القومى وهم فوق الستين) ساندوا بقاء مبارك: صديقهم وكنزهم الاستراتيجى أما فريق الشباب (بن رودس مستشار الشئون الدولية فى مجلس الأمن القومى ودينس ماكدو نائبه وسامنتا باور المستشارة السياسية للبيت الأبيض وهم تحت الأربعين) فكانوا مع رحيل مبارك.

وجرى حوار بين أوباما ومستشاره لشئون الديمقراطية وحقوق الإنسان مايكل ماكفولين (المولود عام 1962) عكس مدى انحياز أوباما إلى جيل الشباب:

ماكفولين: سيادة الرئيس كيف ترى نهاية الأزمة فى مصر؟.

أوباما: ماذا أريد أن يحدث؟ أم ما أعتقد أنه سيحدث؟ أنا أريد أن ينتصر شباب الميدان وأن يصبح رجل جوجل رئيسا لمصر.

قصد أوباما برجل جوجل وائل غنيم الذى كان فى ذلك الوقت المدير الإقليمى لشركة جوجل لتسويق منتجاتها فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ولكن رجل جوجل سرعان ما تركها واختفى أو بدقة أكثر تبخر وكأنه شبح خرافى حتى نسيناه تماما.

على أنه بعد أكثر من ثمانى سنوات فوجئنا بفيديو يبثه على الإنترنت وهو يحلق شعر رأسه وصدره وحاجبيه ويدخن الماريجوانا ويتحدث فى موضوعات متناقضة غير مترابطة ويسب بوقاحة شخصيات مصرية وعربية شهيرة يأتى بسيرتها دون مبرر فى سياق أحاديثه.

تصورنا أنه فيديو وعدى ولكن سبع الإنترنت حسب ما وصف نفسه راح يفتى فى كل ما يمر بمصر من أحداث مثله مثل عشرات اليوتوبير الذين فرضوا أنفسهم علينا بجهل ووهم وسخف أحيانا بحثا عن حفنة دولارات بعد رجاء منهم يصل إلى حد التذلل كى نمنحهم ليك أو شير أو نرن جرس دخول قنواتهم التى أصبحت مثل الهم على القلب.

صور وائل غنيم فيديوهاته فى لوس أنجلوس حيث استقر هناك منذ ست سنوات.. تحدث عن ثروته.. زوجته.. شقيقه.. كواليس الثورة.. هاجم شخصيات التوك شو فى مصر.. وحلل شخصيات شهيرة أخرى.. وحاور والده وإن لم ينفذ وعده بالكف عن السباب.. وتناول موضوعات أخرى يصعب فهم ما يهدف إليه من طرحها.. فالتركيز مفقود.. وتشويش الرأس فرض نفسه على اللسان.

وهو يبرر ذلك بأنه لا يعرف ماذا يفعل.. ولا يفكر مسبقا فيما سيقول.. مضيفا: أنا بقالى فترة سايب نفسى ما بفكرش أنا باعمل إيه بافكر بعد ما بعمل الحاجة بسيب نفسى وقررت أن أعبر عن مشاعرى النهاردة متضايق وغضبان بكرة حالة تانية محدش له أنه يوجهنى أنا شخص حر وإن كنت باعترف أنى غلطت فى حق أبويا ومراتى والبلد ولكن ماحدش يا (شتيمة قذرة) له إنه يحاسبنى.

وينفى وائل غنيم عن نفسه الجنون ويسب من يلومه على حلاقة شعره وحاجبيه قائلا: أنت مال أمك.

إن مهندس الكمبيوتر العبقرى الذى انحاز مبكرا للتيارات السلفية ثم فقد إيمانه بكل شىء يعانى من مرض نفسى يسمى الاضطراب الوجدانى ثنائى القطب والتشخيص تطوعت به الدكتورة سالى فتحى بعد أن شاهدت 45 دقيقة من فيديوهات وائل غنيم وتأكد تشخيصها بعد أن حاورته على الهواء مباشرة عبر الإنترنت.

حسب موسوعة الدكتور أحمد عكاشة فإن ذلك المرض العقلى عرف فى السابق بالاكتئاب الهوسى حيث يعانى المصاب به بتقلبات مزاجية مفرطة.. من الإفراط فى الزهو إلى الاكتئاب الواضح.. ومن الشعور بالابتهاج والامتلاء بالطاقة إلى سرعة الغضب على نحو غير معتاد.

وكثيرا ما يرجع المرض إلى أسباب وراثية وتزيد فرص الإصابة به عند مواجهة مشاكل اجتماعية تؤدى إلى شعور بالانهيار والانكسار بعد علو الشأن وانحسار الضوء بعد شهرة عريضة ونتصور أن ذلك ما حدث لوائل غنيم فلم يعد أحد يبالى به أو ينتبه إليه بعد أن كان مرشحا لحكم مصر ويتسابق العالم كله لسماع وجهة نظره.

وتؤثر التقلبات المزاجية المتكررة على النوم والطاقة والتركيز والقدرة على اتخاذ القرار والتفكير السليم ويقدم وائل غنيم بنفسه فى فيديوهاته ما يدلل على إصابته بذلك المرض.

ويمكن أن يعانى شخص ما من هذا المرض دون أن يعرف أو دون أن تظهر عليه أعراضه الحادة أو دون أن يلاحظه أقرب الناس إليه عشرين أو ثلاثين سنة للجهل بثقافة الطب النفسى.

إن كثيرا من أعراضه ربما تبدو طبيعية أحيانا مثل الشعور بالنشوة وانخفاض الحاجة إلى النوم والثرثرة غير العادية وتسارع الأفكار والتشتت وسوء اتخاذ القرار.

لكن المرض يعبر عن نفسه بوضوح وجرأة إذا ما شعر المصاب به بنوبات الاكتئاب الحاد التى يأتى معها إحساس بالحزن أو الفراغ أو اليأس أو الرغبة فى البكاء وفقدان ملحوظ فى الاهتمام أو الشعور بعدم السعادة وفقدان كبير فى الوزن أو زيادة واضحة فيه وكثرة الأرق أو كثرة النوم بجانب الضجر وبطء السلوك.

وحسب الدكتورة سالى فتحى فإن الاكتئاب هنا ليس كالاكتئاب العادى وإن تشابه مع أعراضه ولكن العلاج يختلف.

ولكن يتأكد المرض من نوبات الهوس التى تنقل المريض فجأة من حالة طبيعية إلى حالة غير متوقعة: يسب ويشتم دون أن يتحكم فى ألفاظه.. تضارب كلامه لوجود موضوعات كثيرة فى دماغه تتسابق على لسانه ويعجز عن الإمساك بها والتحكم فيها.

ومثلما يحدث فى حالات كثيرة ينجح فيها المريض بتضليل الطبيب مهما كانت براعته نجح وائل غنيم فى جرجرة الدكتورة سالى فتحى إلى إجراء حوار لطيف بينهما على شبكة الإنترنت لم يمنحها فيه فرصة الكشف عليه بالإجابة على أسئلتها المحددة وإنما راح يغازلها علنا ويطالبها بالكلام الفرندى بعيدا عن تشريح الطب النفسى وفى النهاية لم تأخذ منه ما تريد فقد كانت الموضوعات التى يتحدث فيها متشابكة ويصعب تسليك خيوطها وفهم ما يقصد من ورائها.

ولكن كانت تلك الطريقة فى الحوار دليلا مباشرا على إصابته بمرض اضطراب ثنائى القطب.

ويدعم ذلك التشخيص عدم تحمله للاختلاف معه وسرعة سب من لا يعجبه رأيه فيما يقول أو يدعى بل أكثر من ذلك كان يخرجه من الجروب بوضع بلوك على اسمه.

ويسبب تقلب المزاج الذى يحدثه المرض فى عدم استقرارهم عاطفيا ما يسبب ضررا لأقرب الناس إليهم ومن حديث وائل غنيم عن زوجته يتأكد أن الضرر أصابها فعلا.

وليس هناك من علاج سوى تناول أدوية لتثبيت المزاج واستقرار الذهن المشتت ويفضل أن يكون العلاج داخل مصحة متخصصة لمواجهة السلوكيات غير المتوقعة مثل التهيج والعدوانية وربما الانتحار فى الحالات المتأخرة.

وأغلب الظن أن وائل غنيم يعالج نفسه بنفسه بسجائر المارجوانا التى يباح بيعها فى الولايات المتحدة متصورا أنه يعيش النشوة التى تعيد إليه الثقة فى ذاته بعد أن عاد إلى المجهول الذى جاء منه.