سري للغاية.. "الفجر" تكشف حكاية "المحقق الخاص" في مصر

تقارير وحوارات

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


بمجرد أن تستمع إلى كلمة "محقق خاص" يقفز إلى ذهنك على الفور مهنة "المحقق السري" ذلك الرجل الذي يرتدي معطف طويل، ويضع نظارات سميكة، وقبعة، ويتتبع آثار المجرمين والقتله، حتى أن بعض الزوجات تستعين بخدماتهم من أجل كشف خيانة أزواجهن.
هذا المشهد ليس غريب على الدول الأوروبية فهم معتادون على التعامل مع هؤلاء الأفراد، نظراً للاعتراف بهم وسماح القوانين لهم بذلك، ولكن أكثر ما يثير الدهشة هو ظهورهم في "مصر"، هنا علينا التوقف قليلاً والتحقق من أمرهم، خاصة وأنهم أشبه "بالظل" يمكن رؤيتهم ولكن لا يمكن الإمساك بهم.

"احصل على التحقق من الخلفية والسجلات الجنائية لأي فرد.. نحن نساعدك في الوصول إلى اصدقائك القدامى والأهل.. تجدونا رهن إشارتكم أينما كنتم.. مختص في التحقيق، التتبع، توفير المعلومات بمهارة وخبرة وتقنيات جيدة، أحصل على التحقق من الخلفية والسجلات الجنائية لأي فرد".. عبارات كانت منتشرة على أحد الصفحات عبر موقع التواصل الاجتماعي التي تحمل اسم "محقق خاص"، وتعرض خدماتها على المواطنين لتقفي أثر التائهين والغائبين وتتبع المجرمين وتوفير معلومات عنهم، في مقابل مبالغ مالية طائلة.

كلمات الإعلان تثير الدهشة للوهلة الأولى، وتدفعك للفضول والتساؤل حول ماهية وطبيعة هذه المنشورات المتداولة، ومتى دخلت وظيفة" المحقق الخاص" إلى مصر، وهل تم الاعتراف بها؟ ومن يقوم على تلك الصفحة! وكيف يقومون بأعمالهم وهل هناك جهة تشرف على أعمالهم.





لهذا كانت وسيلة التواصل الوحيدة معهم من خلال صفحتهم عبر"الفيس بوك"، فأرسلنا لهم عدة رسائل لمدة أسبوعين من أجل معرفة هويتهم، ولكن لم يأتي الرد، وفي بداية الأسبوع الثالث رد أحد القائمين على الصفحة -رفض ذكر اسمه -بعبارات بسيطة مقتضبة: "نحن نعمل من أمريكا من ولاية إيداهو، وفية فريق عمل موجود في مصر تابع لينا بس كله في سرية تامة"، متابعاً:" التحقيقات تتم بشكل سري لأن اللي بيقوم بيها محقق محترف.. ويستخدم أحدث التقنيات مثل التتبع عن طريق رقم الهاتف وتوفير الصحيفة الجنائية للأشخاص".





اكتفى بتلك الكلمات فقط، ولم يخبرنا بالمزيد، ولكننا حصلنا على المزيد عنهم من خلال عملائهم الذين تواصلوا معهم، للاستفادة من خدماتهم.





"ع.س" أحد أبرز الأفراد الذين تواصلوا مع صفحة "المحقق الخاص"، كي يتمكن من إيجاد وسيلة تساعده على استعادة أمواله المفقودة منذ 7 سنوات، تواصلنا معه لمعرفة معلومات أكثر عن صاحب صفحة"المحقق الخاص"، وهل ساعدته بالفعل على استرداد حقه المنهوب أم لا.
منذ 7 سنوات تعرض "ع.س" للنصب من قبل أحد شركائه في شركة "السياحة" الخاصة به، حيث هرب شريكه خارج مصر ومعه ما يقرب من 11مليون جنيه.

بمجرد أن علم "ع.س" بخيانة شريكه له، تعرض لذبحة صدرية لأنه فقد كل ما يملك من أموال وعاد لنقطة الصفر مرة أخرى، ولكن يد الله تدخلت وأعانته وتمكن من اجتياز محنته الصحية.

منذ ذلك الحين حتى الآن لم يتمكن خمسيني العمر من الوصول لشريكه "دقيت على كل الأبواب علشان أعرف أجيب حقي روحت للشرطة وحاولت أدور عليه لكن منجحتش، كل اللي أعرفه أنه راح إيطاليا بس الشرطة مقدرتش تقبض عليه لحد دلوقتي".
وما أن رأى الرجل الخمسيني، إعلان صفحة "المحقق الخاص"، لمعت عينه وحاول التواصل معها من أجل الاستفادة من خدماتها، في محاولة تعقب شريكه، ولكن الأمر لم يسير على النحو الذي يرغب فيه :" أنا تواصلت معاهم عن طريق النت فقط، لأن مفيش وسيلة تلفون، وعرفت أنه شخص بيتعامل مع مكتب محقق خاص في أوروبا، وعمل فرع ليه في مصر".

وتابع "ع.س" حديثه لـ"الفجر" قائلاً: "هما يساعدوا فقط بالمعلومات بس مش حيقدرو يعملوا حاجة تانية غبر معلومات وبيانات فقط، وده مقابل مبالغ مالية كبيرة جداً، أنا كنت طالب منهم السجل الجنائي ومعلومات عنه بالخارج، وأخر منطقة استقر فيها، فطلبوا مني أدفع 10آلاف جنيه والتسليم في أقرب منطقة مني كانت المعادي لكن محددوش في أنهي جزء بالظبط".

انتظر خمسيني العمر ثلاثة أسابيع حتى يتم التواصل معه لإخباره بالمزيد عن طلبه، ولكن بلا طائل، فالرد لم يأتيه بعد:" أنا بقالي أكتر من 3 أسابيع ببعت ليهم رسايل بعد ما كلموني في المرة الأولى لكن محدش رد عليا، ومعمولش حاجة، أنا مكنتش ضامنهم من الأول ودلوقتي اتأكدت أكتر".

"ع.س" لم يكن الشخص الوحيد الذي حاول الاستعانة بخدمات صفحة" المحقق الخاص"، فـالدكتور "عمرو..م" أحد الأفراد الذين تواصلوا مع الصفحة من أجل مساعدته في العثور على زميل له من أيام الجامعة يدعى الدكتور مصطفى.

تحدث الدكتور "عمرو" لـ"الفجر" قائلاً:" أنه منذ عدة سنوات هاجر خارج مصر بعد أن حصل على فرصة وظيفية للعمل في إحدى المستشفيات بكندا، ومنذ أن تخرج من الجامعة انقطعت الصلة بينه وبين صديق دفعته الدكتور"مصطفى" ، ويرغب في التواصل معه لأمر هام، ولكن لم يتمكن من العثور عليه بعد محاولات بحثه المستمرة.

وتابع في حديثه أنه عندما وجد صفحة "المحقق الخاص"، تواصل معهم لمساعدته في الوصول لصديقه، ولكنهم طلبوا منه مبلغ 20ألف كي يعثروا على صديقه، وهما دفعه للتراجع خوفاً من أن يكون الأمر مجرد وسيلة للنصب.

لم نكتفي بهذا القدر من المعلومات، بل تعمقنا أكثر في البحث عن ذلك النوع من الصفحات التي تحمل اسم "المحقق الخاص"، وبحثنا أكثر عن هؤلاء الأفراد فهم أشبه بالظل الذي يمكن رؤيته ولكن لا يمكن الإمساك به، ولكن هل هناك المزيد منهم ممن يعملون بتلك المهنة؟!.

وكالة المخبر المصري
بالبحث المتعمق عثرنا على كيان أخر يدعى "وكالة المخبر المصري"، وهو موقع الكتروني خاص بـ"المحقق الخاص" توجد في مصر منذ عدة سنوات.





تتوفر نسخة الموقع الأصلي على محرك البحث "جوجل" باللغة الروسية، وتم ترجمته بالعربية كي يسهل عملية التواصل معهم من قبل العملاء الراغبين في العثور على ضالتهم المنشوده.
حاولنا في البداية التواصل مع الوكالة من خلال الرقم الموضح أعلى الموقع، ولكن بالاتصال عليه عدة مرات وعبر تقنية برنامج" ترو كولر"، تمكنا من معرفة اسم مستخدم الرقم وهو "حنان.ا"، أما الرقم فكان خارج نطاق الخدمة.

عدنا مرة أخرى للموقع الإلكتروني الخاص بهم، الذي وضع وسيلة أخرى للتواصل معهم، الأ وهي"البريد الإلكتروني" أو عن طريق برنامج" سكايب"، وهو ما حاولنا التواصل به أيضاً، من خلال إرسال عدة رسائل لكن لم تأتينا إجابة منهم على مدار أسبوعين.




من خلال الموقع الرسمي للوكالة، حاول الوصول لأشخاص تواصلوا مع الموقع  من أجل التعرف على المزيد عن ذلك الكيان.
وبالفعل تواصلنا مع أحد الأفراد يدعى"سيرغي" اسم مستعار، أخبرنا أن ذلك الموقع تابع لأفراد روسيين، ولكنهم يقومون في مصر، ويتم التواصل معهم من خلال البريد الإلكتروني فقط، فهم لا يعقدون مقابلات مع العملاء الخاصين بهم، ولكن تتم المناقشة من خلال الهاتف، وذلك من أجل الحفاظ على سرية العملاء وهويتهم.

وتابع في حديثه لـ"الفجر"، أن تلك الوكالة تستخدم تكنولوجيا ومعدات حديثه مثل أجهزة كشف الكذب، والتتبع عبر الأقمار الصناعية والهواتف، بجانب السيطرة على السلع من خلال استخدام الأقمار الصناعية، مشيراً إلى أن جميع الخدمات تتم في حدود القانون، وتختلف تكلفة المحقق الخاص بإختلاف المهمة، فتوفير بيانات الصحيفة الجنائية للشخص المطلوب تبلغ تكلفته 6 آلاف جنيه، وتزيد القيمة على حسب المهمة.





مهام الوكالة
وحددت الوكالة عبر الموقع الخاص بها عدد من المهام التي تقوم بها، مثل:" مراقبة الأزواج، تتبع الآباء البيولوجين، البحث عن المفقودين، التعامل مع المتنصتون، حماية رجال الأعمال، التدقيق في الوثائق المالية الخاصة بالشركات، تحديد ملامح وجه شخص، والتأكد من البصمات الخاصة بأحد الأفراد، رفع البصمات، وإخفاء خيانة الأزواج، البحث عن شهود على حادث".
ليس هذا فقط بل تعرض الوكالة خدماتها أيضاً في الكشف عن "مدى كذب الأفراد" من خلال كشف الكذب، واستخدام أجهزة التتبع والرصد في التجسس على محادثات الأفراد.

ويحظر القانون المصري، حيازة أي أجهزة الاسلكى وطائرات التجسس، وأجهزة اللاسكي وكشف الكذب ممنوعة طبقًا لقرار نائب الحاكم العسكري رقم 3 لسنة 1998.

وينص القرار أيضاً على أنه يحظر الإعلان عن هذه الأجهزة، أو استيرادها أو تصنيعها أو حيازتها، ويعد من تلك الأجهزة كل آلة أو جسم أيا كان شكله يمكن عن طريقة إلتقاط أو نقل أو تسجيل المحادثات أو الإشارات التي تتم في مكان خاص أو عام أو مجلس أو اجتماع أو تجرى عبر أي هاتف عن طريق جهاز من أجهزة الاتصال الأخرى سلكية كانت أو لاسلكية.

وتتضمن عقوبة حيازة تلك الأجهزة، الحبس لمدة عام، وتشدد العقوبة عند استخدام هذه الأجهزة في أغراض إرهابية.

بداية ظهور وظيفة المحقق
وبهذا الصدد، يقول المستشار"عزت السيد" وكيل نادي القضاة الأسبق، إن وظيفة المحقق الخاص" في عدد من الدول الأوروبية والعربية، ولكن الأبرز فيها "أمريكا"حيث ظهرت عام 1875، نظراً لاعترافهم بتلك الوظيفة، وإعطاء الصلاحيات اللازمة للمحقيين المستقلين للاعتراف بالتحقيقات والمعلومات التي توصلوا إليها، كما يتمتع المحقق الخاص في الولايات المتحدة الأمريكية نفس الصلاحيات القانونية التي يمتلكها المدّعون العامّون العاديون باستقلالية تحمي تحقيقاته من أي تأثيرات سياسية.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، أن بعض "المحققون" ساهموا في فضح العديد من القضايا السياسية العالمية مثل "فضيحة ووتر جيت" و"مونيكا" التي كشف عنها "محققون مستقلون" ساهموا في تغيير وجوه سياسية وقيادات ومسئولين في مناصب رفيعة حتى أنهم لُقبوا بـ"صداع السلطة"، مضيفاً أن أحدث المحققين الخاصين هو "روبرت مولر" الذي عين منذ عامين للإشراف عل التحقيق في مزاعم حدوث تخابر بين روسيا والحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو التحقيق الذي قال عنه ترامب أنه غير دستوري وتسيّره دوافع سياسية.

وتابع أن المغرب من أبرز الدول العربية التي تستعين بالمحقق الخاص، المغرب لأن القانون يسمح فيها بتلك المكاتب، وتعتمد المحاكم نتائج تحقيقاتها، والمحقق هورجل ذوعلاقات مهنية من الدرجة الأولى، لأن المعلومة أصبحت تلعب الدور الأول في أي تحقيق يجب إنجازه.

وأشار إلى أن مصر لا تسمح بوجود "محقق خاص" وهذه المهنة غير معترف بها، لأن الشرطة لدينا تقوم بتلك المهام، بل تندرج مهنة المحقق تحت بند"التجسس" خاصة أنها شبكات سرية، وبالتالي يعاقب عليها القانون بتهمة التجسس إن ثبت تورط المشاركين في أمور مشبوهة.

لا تقل خطورة عن الإرهاب
بينما أكد اللواء جمال مظلوم، الخبير العسكري، أن هذة المهنة لا يعترف بها في مصر، وتعد بمثابة تهديد للأمن القومي ويجب تسليط الضوء عليها حتى يتابعها الأمن، كما أنها لا تقل خطورة عن العمليات الإرهابية لهذا يجب تتبع ومعرفة هؤلاء الافراد وإلقاء القبض عليهم.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، أن هناك شركة وهمية تقوم بجمع بيانات عن المواطنين تم ضبطها في المعادي منذ عدة أشهر تقوم على هذة الفكرة، وبالتالي هؤلاء الأشخاص يجب البحث عنهم والتأكد من هويتهم، ومعرفة البيانات التي حصلوا عليها خلال الفترة الماضية.