محمد سمير يكتب: أسرار هلاك قاسم سليماني.. ماذا وراء الغارة الأمريكية؟

مقالات الرأي

محمد سمير
محمد سمير


هلاك قاسم سليماني، صاعقة تضرب إيران في مقتل، ومسلسل يستكمل تزلزل الأرض من تحت أقدام نظام طهران، الذي مُني بهزائم خلال العام الماضي، ولا تزال الضربات مستمرة، موقعة أبرز قياداتها ومهندس الإرهاب الأول في الشرق الأوسط، بل والعالم. 

نكبة جديدة، وجولة ساحقة، أمسكت بتلابيب نظام الملالي ومرّغت أنفه في التراب، بعدما ظلّ فترة ليست بالقليلة يضرب هنا وهناك وهنالك، إلى أن وقعوا في شر أعمالهم، واستدرجوا جميعا بالهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد وكانت النهاية.

استشعرَ ترامب الذي أمر مباشرة بقتل رجل إيران الأقوى، أنّ النظام الإيراني خرج عن السياق المتفق عليه، وتعدى الخطوط الحمراء، وبالتالي كان لابدّ من هذه الضربة التي ستعيد التوازن مرة أخرى، لتستفيق طهران من غفوتها وتستعيد رشدها وتتلمس خطواتها بحذر.

أتصور أن الرئيس الأمريكي فكّر كثيرا في قتل سليماني قبل اتخاذ القرار، وأعتقد أن الخلاص من أبو بكر البغدادي، كان من أكبر الأسباب التي شجعت ترامب لقتل سليماني، لأسباب كثيرة ومتعددة، أفصح عنها بعد التأكيد على بعض النقاط الهامة في العلاقة بين مقتل البغدادي الذي سهّل مهمة الخلاص من سليماني. 

لم يكن أحد يتصور أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت ستقتل سليماني يوما ما، النظام الإيراني ذاته وسليماني نفسه كانوا لا يتصورون ذلك على الإطلاق، وهذا يفسر ذهابه وإيابه وتحركاته تحت سمع وبصر الجميع، بما في ذلك الأمريكان، وهو ما كان محل استغراب بالطبع، وتساؤلات عديدة تأتي في سياق، لماذا لا تقم الولايات المتحدة بالقبض عليه أو الخلاص منه، على الرغم من وضعه على قوائم الإرهاب.

لا ينبغي أن نفكر في تحركات سليماني السلسة بشيء من الاستغراب على الإطلاق، فعلى الرغم من العداء الواضح بين طهران والولايات المتحدة لكن هناك ملفات مهمة كانت تجمع الطرفين، أهمها على الإطلاق ملف تنظيم داعش، الذي استخدمت فيه الولايات المتحدة سليماني لقيادة المليشيات الشيعية في مواجهة التنظيم لهزيمته، ولذا كان يتحرك سليماني بكل أريحية في المنطقة وبين الدول، دون خوف أو وجل أو اعتقاد بأنه سيكون يوماً في مرمى نيران الأمريكان. 

قاسم سليماني، كان رجل أمريكا الأول في مواجهة داعش، ولذا لم يخطر بباله يوما أنّ ترامب سيقتله، وسيعامله بما تعامل به مع البغدادي نفسه، وهو الأمر الذي استغربته طهران في أول تصريح لها بعد هلاك سليماني، مؤكدة أن مقتله هو خروج عن الخطوط الحمراء، كما فطنت له العديد من الدول ومنها روسيا كذلك، على اعتبار أن سليماني كانت تجمعه علاقات قوية مع واشنطن فيما يخص داعش وحائطاً منيعاً بما يمتلكه من مليشيات.. هل اتضحت لكم الفكرة؟ 

إذن مقتل البغدادي كان مُسهّلاً ومقنِعاً لحد كبير بقطف رأس سليماني، بعدما انتهت مهمته القاسية في إضعاف تنظيم داعش، وهو ما خفف الضغط كثيرا عن الولايات المتحدة خاصة بعد قتلها البغدادي، وبالتالي اتجه ترامب عن قناعة بضرورة قتل سليماني بعدما اطمأنّ كثيرا من ناحية خمود داعش وإضعافه بصورة كبيرة. 

لا أتصور أن هذه الضربة ستتسبب في حرب شاملة بين إيران والولايات المتحدة، فهي لا تخرج عن سياق تقليم أظافر إيران، بعدما طولت لسانها فكان القرار بقطعه، لكن سيظل الجسد يعمل بكامل طاقته، ولذا يتوقع أن تعيد إيران خلال الفترة المقبلة ترتيب أوراقها خصوصاً في ظهور قياداتها وكشف تحركاتهم للجميع وخاصة الأمريكان، لا سيما مع تأكيد نائب قائد الحرس الثوري، العميد فدوي أن "الرسالة الرسمية الأميركية طلبت ألا يتجاوز حجم الرد الإيراني سقف الانتقام لسليماني فقط"، وهو ما يشير إلى أن الولايات المتحدة تدعو إيران مرة أخرى إلى الرجوع لقواعد اللعبة فيما بينهما، ورسم الخطوط الحمراء من جديد، واعتبار سليماني فرداً عادياً انتهى أمره.

البعض يظن أن الولايات المتحدة الأمريكية ستستمر في قتل القيادات الإيرانية كحسن نصر الله أو عبد الملك الحوثي أو قيادات مليشيات العراق، لكن يستبعد ذلك مع افتراض استيقاظ داعش من جديد، وهو الأمر الذي تضعه الولايات المتحدة في الحسبان بقوة، وبالتالي تعيد الولايات المتحدة الكرّة باستخدام المليشيات كقوة ضاربة في وجه التنظيم، إذن ليس من مصلحتها القضاء على جميع قيادات مليشيات إيران في هذا التوقيت. 

أعتقد أن هذه الضربة سيكون لها وقع كبير على العلاقات الإسرائيلية الإيرانية، فضلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية، ويتوقع أن تتغير اللهجة تجاه إسرائيل، والاتفاق من جديد لإعادة توازن العلاقات والأوضاع في المنطقة، في حال فهمت طهران فحوى الرسالة الأمريكية، الواضحة تمام الوضوح وهي عدم التصعيد، وإلا سيكون الأمر مغايراً تماماً.