"شارع النحاسين" بطنطا يحارب المنتج الصيني

محافظات

بوابة الفجر

زقاق صغير لا يتعدى ٣ أمتار في الجهة اليمنى من الطريق المؤدي لمسجد السيد البدوي، بإنحدار ٣ خطوات نحو الضجيج الذي يعبئ أرجاء المكان يبدو كمعركة وقعت منذ عصر قديم، وبالاقتراب خطوة تلو الأخرى ينكشف مصدر الصوت المنبعث من آلة ضخمة عرفت طريقها في تشكيل المعادن منذ قرن تقريبًا ممسكًا بها أحد العمال الذي يبدو عليه الإنهاك من كثرة الطرق على ذلك الوعاء النحاسي وكأنه يشكل لوحه فنية يجاهد في إخراجها على أكمل وجه.

"شارع النحاسين" أو سوق النحاس، أقدم وأعرق أسواق النحاس فى مدينة طنطا، بمحافظة الغربية، ويرجع تاريخه لأكثر من قرن ونصف، ذاعت شهرته فى خمسينات القرن الماضى فى مجال صناعة الأوانى والمستلزمات النحاسية والديكورات، كان يضم أكثر من 20 ورشة يعمل بها أكثر من 100 حرفى، يعد أكثر شوارع مدينة شيخ العرب وزحاما بالوافدين من محافظة الغربية والمحافظات المجاورة.


في جولة لـ "الفجر" داخل "سوق النحاسين" وجدنا 3 ورش فى بداية السوق يجلس عم محمد راضي، رجل في عقده السابع، يباشر أولاده "محمود، إبراهيم" وحفيده صاحب السبع أعوام "رامي" وهم فى منشغلين في إنتهاء طلبيه لأحد زبائنهم من محافظة المنوفية، "أتفضلى يا استاذة، عاوزه تلمعي حاجة ولا تشترى؟" ببإبتسامه بسيطة يملؤها الرضا على وجه ظهر عليه مشقه السبع عقود الماضية استهل عم "محمد" حديثه معنًا.

"المهنة دي أخدت مني رقات، بدأت أشتغل الشغلانه دي وأنا في سن حفيدي اللي واقف قدامك دا" مشيرًا بإصبعه على ذلك الطفل الذى لم يكمل عامه العاشر واقفا أمام والده ممسكا له أحد الاوانى التى يقوم بطرقها، مكملا حديثه "كنت باجى على الورشة بلبس المدرسة وأدخل أغير هدومى واشيل لبس المدرسة والشنطة فى الركن دا " بنظرة لامعه تسترجع الذكريات يشير على ذلك الركن القديم داخل الورشة الملئ بالاوانى النحاسية القديمة وعدد لابأس به من الأدوات يعلوه عده صور لوالده وجده ليكمل "كنت بتساعدهم فى شيل الاوانى وادق الابريق ولما كملت ١٢ سنه جدى الله يرحمه علمنى ألمع الصوانى والحلل النحاس وأزاى أعرف أشكلهم ولما كبرت محاولتش اشتغل غير الشغلانه دي بقيت بتجري زي الدم في عروقي وقررت اورثها لأولادي وأحفادي". 

وبعد الانتهاء من قصة الكفاح الممتع مع" عم محمد " انتقلنا للورشة المجاورة حيث يجلس 3 اخوه كل منهم يقوم بعمل مختلف فيقف" وليد النحاس " رجل أربعينى، أمامه وعاء ضخم يقوم بتجهيزها قبل إدخالها للفرن ويجلس بجانبه شقيقاه" رامى ومحمد "يقوما بتنظيف مجموعه من المعادن فيقول "وليد" "ورثنا هذه الورشة عن والدى وجدى الذى يعد أقدم الحرفيين بطنطا ويرجع تاريخ الورشه لأكثر من 100 عام" مكملا تعتبر حرفة "النحاس" من الحرف الشاقة التي تتطلب مجهود بدني وذهني مهول ولكن نعمل ما نحب فالمشقة تهون وعن حرفة النحاس يقول يبدأ أرباب الحرف عملهم في السابعة صباحًا حتى السادسة مساءً.


أما عن مراحل تصنيع النحاس يوضح  يمر تصنيع الأواني النحاسية بعدة مراحل أولها مرحلة إحضار صفائح النحاس وهي نوعين "صفائح طويلة والثانية على شكل سبائك"، والمرحلة الثانية نقوم بقص الصفيحة النحاسية حسب الشكل المطلوب والمرحلة الثالثة بعدها يتم تعريضها للنار لتليينها وفي المرحلة قبل الأخيرة يتم طرق قطعة النحاس وهي ساخنة ويستمر العمل بها حتى النهاية وفي المرحلة الأخيرة يتم النقش عليها ولكن هذه المرحلة لاتتم هنا فيتم تسليمها للزبون بالمرحلة قبل النقش والرسم عليها.

وعن عدد الورشة الذي يعد على أصابع اليد، أخذ يجوب بنظره شارده أركان الشارع ويجيب متنهدا " إننا نحارب إندثار المهنة ب 3 ورش" موضحا شارع النحاسين بطنطا كان يضم أكثر من 20 ورشة يعمل بها أكثر من 100 عامل، كان يختفى صوت المطار من كثرة الأقدام الاتيه إليه من جميع المحافظات فى مصر وخارجها ولكن قبل 10 أعوام تدهور الحال وانصرف العاملين بالحرف وأغلقوا ورشهم واتجهوا لحرف أخرى يتمنوا من كسب قوت يومهم وظل أبناء الحرف يحاربون من أجل البقاء وكان لإنصرافهم عده أسباب أن الحرف شاقه تتطلب عمل ١٢ ساعة يوميًا بين الطرق والوقوف أمام النيران دون مقابل مادي مناسب وأنهم يريدون راتب شهري ثابت.

وأضاف أن هذه منطقة سوق النحاسين بطنطا كانت عبارة عن ورش للبيع فقط وان التصنيع كان يوجد بـمنطقة تل الحدادين، وبعد تدهور الحال بالحرف اتجه معظم العاملين بهذه الحرف بغلق ورش التصنيع، وفتحها هنا، مضيفًا أن الصناعات النحاسية في طريقها للإندثار ويحل محلها الآن الألومنيوم نظرًا لقلة تكلفته ونفس جودة النحاس.