أحمد فتحي.. أبانا الذي في كل الخطوط.. متى تحرس المرمى؟

الفجر الرياضي

أحمد فتحي
أحمد فتحي



حين صرخ بأعلى صوته "ديانج تعالى إحنا مش بنحتفل بالتعادل" محذرًا الوافد الجديد من هذا الأمر بعد إحراز هدف التعادل في بيراميدز بمسابقة الدوري العام، لم يكن يقصد الاصطناع أو التعالى أو حتى المكايدة الرياضية، فالكلمات التي خرجت بصدق لم تكن تعبر سوى عن 13 عامًا يحملهم على كتفه أحمد فتحي مرتديًا فانلة النادي الأهلى.

بالـ"تيشيرت" الأحمر الذي تمنى ارتدائه في البداية، عرف "الجوكر" كيف يُصنع المجد، كيف تنتمي لفريق كبير لا يعد التعادل بالنسبة له أمر ذات قيمة، تعلم أن الدوري العام بطولة "حصرية" للأحمر، وأنه سيد إفريقيا الحقيقي، يهابه الجميع، ويتحسب له، مكسبه ليس بالخبر كما تقول القاعدة الصحفية، وحصده لقب قاري يصلح لخبر في الصفحة قبل الأخيرة لأي صحيفة، فالخبر الحقيقي غير المتوقع هو الخسارة وقتها يستحق فقط مانشيت"الأهلى يخسر".

الدخول في عالم "أبو ملك" كالدخول لغابة متشعبة الأشجار وكثيرة الثمار، ما إن تذهب في طريق حتى تخطفك الأخرى، لذلك فالأسطر غير كافية على الإطلاق لكن على الأقل سنعود إلى البداية، تحديدًا في 10 نوفمبر 1984 تاريخ ميلاد أحمد فتحي المولود ببنها بالقليوبية.

رفض والده أن يصبح ابنه لاعب كرة قدم رغم أن والده هو فتحى عبد المنعم حكم كرة القدم، ربما ذلك ما فجر أول ينابيع الإصرار، فشُغف الولد الصغير باللعب في الشارع لكنه حافظ على نبوغه الدراسي خشية غضب والديه.

حين وصل لسن الثانية عشر قرر أمر فترك بيته في بنها وذهب للإسماعيلية وانتقل من مدرسته ليلتحق بناشئين النادي الأسماعيلي، ووسط الدراويش اكتشفه علي أبو جريشه وضمه للنادي.

العام 2000، الزمالك يبدو أنه يريد حسم بطولة الدوري العام، والأهلي حامل اللقب لا يسمح بذلك كثيرًا، أما الإسماعيلي فعينيه على كأس مصر، في وسط هذا المناخ كان الصبي الذي يبلغ 16 عامًا فقط ضمن توليفتها.

"فتحي" المنتمي لبرج العقرب يعرف جيدًا أنه ينتمي لمخلوق حين قرر الراحة قرر قتل الصياد كما تقول الأسطورة الفرعونية لذلك عبدوه، كما يعرف أن برجه يحذره من الإنكسار فالطاقة من الداخل والوقوف على قدمين أهم كثيرًا مما تعانيه من الداخل.

لذلك ثبت في نادي الإسماعيلي وحصد أول ألقابه في نفس العام وهو كأس مصر ولتستمر المسيرة 7 سنوات بعد ذلك، وساهم في حصول الإسماعيلي على الدوري العام 2001-2002 وخلال تلك السنين لعب 55 مباراة وسجل 11 هدفًا وشارك في دوري أبطال إفريقا 2003.

محطة قصيرة بعد ذلك في نادي شيفد يونايتد الإنجليزي عاد بعدها "فتحي" لمصر ولكن تلك المرة من خلال بوابة النادي الأهلي.

ذكريات كثيرة راودته وهو يرتدي الفانلة الحمراء لأول مرة، تذكر حين ذهب لاختبارات القلعة الحمراء وفشل، مبارياته مع الاسماعيلي ضد هذا الفريق المتصدر للدوري بشكل دائم، اللعيبة التي كانت مهمته أن يوقفهم عند حدهم باتوا أصدقائه، في أول تمرينة ينظر إلى "أبوتريكة"، ضحكة متبادلة بين الأثنين تنم عن الكثير، يتذكر "الماجيكو" كيف أن هذا الشاب هو من تسبب في سقوط دموعه بعد إصابته بمباراة الأهلى والاسماعيلي.
 
من الآن على "فتحي" أن يتغير، أن يعرف أنه يلعب مع فريق بالنسبة له بطولة الدروي العام أمرًا عاديًا، عليه أن يؤهل نفسه لما هو أكبر، أما "تريكة" فالسنوات تمر ويصبح هو صديق "فتحي" المقرب حتى أن الأخير رفض قرار اعتزال "الماجيكو".

تبدأ الأمور تدريجيًا، صحيح أنه خرج فترة إعارة لنادي كاظمة الكويتي لكن سرعان ما عاد للأهلى يخطو أولى الخطوات نحو المجد، في ملعب "التتش" وبجواره عصر ذهبي للأهلى، لا يصدق الولد نفسه، حلمه يتحقق أمام عينيه، بطولة وراء أخرى وتتويج بعد تتويج.

بعقلية "محاسب" تخرج من كلية التجارة عرف "فتحي" أن الأمور في القلعة الحمراء لا تتعلق بالأشخاص أو النجومية فالنظام هو سر نجاح تلك المنظومة، لذلك لم يكن سوى ملتزم مع المدربين الذي لعب تحت إدارتهم وهم كُثر بداية من "جوزيه" وحسام البدري ومارتن يول ويقول عن الأخير أنه المدرب الوحيد الذي استطاع أن يكتشفني من جديد، وليس هؤلاء فقط فكل مدرب تدرب معه كان يعيد اكتشافه في مركز جديد داخل المستطيل الأخضر واثقا في قدرته على تنفيذ المهمة على أكمل وجه، حتى تسأل الجمهور متى يحرس أحمد فتحي المرمى؟

قصة حب "فتحي" مع الأهلى وجماهيره لا يمكن التدليل عليها سوى بأنها أينما ذهب يعود للقلعة الحمراء حتى حين توقف النشاط الكروي في 2013 وخاض تجربة احتراف قصير في هال سيتي سرعان ما عاد بعد استئناف النشاط. 

ولأنه في الأهلى فإن أبواب المنتخب كانت مفتوحة لديه وإن كان هناك بطاقة تعارف له مع "الفراعنة" حين انضم للمنتخب وعمره لا يتعدى الـ19 عامًا وشارك في كأس العالم للشباب 2003 واستمرت المسيرة التي انتجت في النهاية مشاركته في 119 مباراة دولية  وثلاث كؤوس إفريقية والوصول لنهائي نفس البطولة 2017 وحصوله على المركز الثاني كما مثّل مصر في كأس العالم 2018. 

إن أردنا إدراك عشق "فتحي" للكرة يكفي أن نقول أن كل تلك الطاقة والاندافع وحرب الأعصاب التي يعيشها محصورة داخل المستطيل الأخضر فقط، فالرجل خارج الملعب هاديء "بيتوتي" لا يحبذ الخروجات كثيرًا ومتزوج من السيدة "نورا" ولديه ابنتين "ملك وخديجة" ويقال عن الأخيرة انها نقطة ضعفه وتوأم روحه لارتباطها الشديد به. 

أما والدته فهي تميمة حظه، لا يعشق فقط "الملوخية والمكرونة الباشميل والمحشي والحلويات خاصة الكنافة" من يديها، بل دعاءها له هو مصدر تفائل قبل أي مباراة.

أما الأهم أن "فتحي" يريد اللعب للأهلى حتى الشوط الأخير.