"تشونغ يانغ" عيد يشهد على علاقة الصين بالأوبئة قبل كورونا بـ2000 عام

عربي ودولي

أرشيفية
أرشيفية



باتت صافرات الطوارئ أمر معتاد عليه في مستشفيات الصين خلال العقود الأخيرة، فمن وباء أنفلونزا الطيور إلى الخنازير أو "إتش وان إن وان" إلى سارس حتى وصلنا إلى كورونا، ما يفتح التساؤلات حول إذا كانت الأوبئة أمر حديث على الصين والصينيون، أم له جذور ضاربة في القدم، وهل هناك تأثير أو آثار لا تزال موجودة عن تلك الأوبئة القديمة، وهل تحدث الصيني القديم عن تلك الأوبئة وكيف تعاملوا معه، أم الموجود حاليًا دخيل على المجتمع الصيني.

يحتفل الصينيين كل عام بعيد "تشونغ يانغ" الذي يقع في اليوم التاسع من الشهر التاسع القمري، وعندما تبحث عنه في شبكة المعلومات العنكبوتية أنه عيد لتكريم كبار السن وبعض الطقوس المرتبطة بالأزهار، بعيدًا عن أصل هذا العيد ومن أين نشا، وعلاقته بكورونا وأحفادها من الأوبئة الأخرى، بينما عندما تبحث في قصص الأدب الشعبي القديم تصطدم بأحداها والتي تفجر المفاجآة.

وباء من ألفي عام
"منطقتك تعاني من وباء خبيث" كانت إحدى الجمل التي تفوه بها حكيم صيني إلى تلميذه في قصة حملت إسم "هوانغ جينغ يهرب من الكوارث في اليوم التاسع من الشهر القمري التاسع"، وهي إحدى القصص الأسطورية التي يعرفها التراث الصيني، والتي جمعها كتاب "حكايات الأمثال" للكاتب الصيني "تشانغ مي" ضمن سلسلة حكايات وأساطير غيرت الصين، التي أصدرتها مكتبة دار الحكمة مترمة من الصينية إلى العربية، تكشف ألغاز لا يعلمها الكثيرين عن تاريخ الأوبئة في الصين.

وتتحدث القصة الأسطورية عن أصل عيد "تشونغ يانغ" الذي يصعد فيه عامة الشعب إلى قمم الجبال العالية ويشمون أزهار الأقحوان، ويفسر سبب تلك التقاليد المرتبطة بالعيد، وسر توقير كبار السن في هذا العيد، والتي تعود إلى عصر أسرة هان الشرقية والتي حكمت من 23م-220م، أي لما يقارب من الألف وثمانمائة عام من عصرنا الحالي. 

ودارت أحداثها في بلدة رونان وهي بلدة تشانغ تساي في مقاطعة خنان، الجار الشمالي لإقليم هوبي الموبوء بكورونا، وهو أحد الملاذات الأمنة للفارون من وجه الوباء حاليًا، إلا أنه يحمل في طيات ماضيه شواهد على أجداد كورونا الأوائل.

تبدأ القصة بوباء سبق كورونا بألفي عام في بلدة رونان، كان يصيب البلدة سنويًا ويصيبها بخسائر في أرواح البشر والحيوان والمثير أنه كان يأتي في ميعاد ثابت سنويًا، وحاول بطل القصة هوانغ جينغ أن يجد حلًا لهذا الوباء الذي فتك بأهل بلدته.

الأسباب السحرية
تتلمذ هوان جيغ على يد المعلم "في تشانغ تشوي" وهو كان ساحرًا، والناس في العصور القديمة كانت تمزج مزج قوي بين الطب والسحر، فيمكن للطبيب أن يمارس السحر، لأن في النهاية دوره هو طرد الأرواح الشريرة، وهو ما تجسده أحداث القصة، حيث تتحدث عن كيفية تعلم "في تشانغ" للسحر من رجل مسن يبيع أدوية وكيف أعطاه لعصا خيزران تحولت لتنين، وقدرات في تشانغ على معالجة الأمراض وطرد الشياطين.

وتعتبر طريقة إرجاع الأوبئة والأمراض لعوالم غيبية هو طقس استخدمته الكثير من الشعوب لتفسير الأمراض العاجزين عن علاجها، وظلت تلك الممارسة موجودة إلى زمن الوباء الأسود في أوروبا فأرجعه الأوروبيون إلى غضب من الرب بسبب فساد الناس، وفقًا لما ذكره المسيري في موسوعة "الجماعات اليهودية.. تواريخ"، وهو ما حدث مع وباء رونان، والتي أرجعت سبب الوباء إلى الشياطين، حيث قال في تشانغ لتلميذه هوان جينج أن الوباء جلبه شيطان خبيث يهاجم البلدة كل عام في اليوم التاسع من الشهر التاسع القمري، معترفًا بعجزه عن طرد ذلك الشيطان، ومطالبصا تلميذه بإتباع بعض الإرشادات للتخلص منه.

علاج "الهروب"
يأتي اسم القصة "هوانغ جينغ يهرب من الكوارث في اليوم التاسع من الشهر القمري التاسع" ليس من التخاذل أو الفرار بل من العلاج المبتكر الذي قام به سكان رونان للنجاة من الوباء، وهي الروشتة التي قدمها له الحكيم في تشانغ، وهو الإلتجاء لمكان عال وخياطة أكياس حمراء وملئها بأزهار الكورونيل ذات الرائحة النفاذة، وشرب نبيذ الأقحوان، وبالفعل صعد هوان شينغ مع سكان البلدة للجبال ونفذ تعليمات معلمه.

وانقذت طريقة المعلم بالفعل حياة الناس، فعندما نزل سكان البلدة من الجبل وجدوا الوباء حصد أرواح كل الماشية والدواجن وحتى الكلاب في الشوارع ولم يترك شيئ حي داخل البلدة، وأرجع المعلم سبب النجاة الذي أورده المعلم وهو الرائحة النفاذة لأعشاب الكورونيل والنبيذ، بينما أصبحت طريقة النجاة من الوباء عيدًا سنويًا يحتفل به في أرجاء الصين.

وتعدد استخدام فكرة الهروب من الوباء إلى الجبال أو عدم التواجد في مكان الوباء، حيث كان حل طبقته الكثير من الشعوب للنجاة من الأوبئة، فيذكر إبن حجر العسقلاني أنه في العصر الإسلامي طبقه عمرو بن العاص في التخلص من طاعون عمواس الذي أصاب الشام، وهو ما فسر نجاة اليهود بأوروبا من الموت الأسود وقلة الوفيات بين أفرادهم نظرًا لإنعزالهم عن باقي السكان في الجيتو الخاص بهم.

ذهب الوباء وبقى العيد
تتحدث شبكة الصين بالعربية عن العيد والإحتفال به، وكيف جعلته الحكومة الصينية منذ عام 1989 عيدًا للمسنين في الصين –تكريمًا للمعلم في تشانغ تشوي الذي أنقذت إرشاداته سكان رانون من الموت المحقق-، حيث تقوم المؤسسات الحكومية والأسر بتنظيم رحلات وتقديم لهم الأطعمة، ولم يقتصر هذا التقليد على الصين فنقله الصينيون إلى عملهم بالقاهرة، ففي العام الماضي 2019 قامت الشركة الصينية العاملة في العاصمة الإدارية الجديدة بزيارة أكبر دور للمسنين في القاهرة وتقديم لهم العيد.

وتظل طقوس النجاة من الوباء تتكرر سنويًا ويحافظ عليها الصينيون إلى وقتنا الحاضر، بداية من سر النجاة الأعظم وهو اللجوء إلى الجبال، حيث تلقبه شبكة الصين بالعربية بـ"عيد الصعود إلى الأماكن المرتفعة"، ويقوم الكثير من الناس بالصعود للجبال وممارسة رياضة تسلق الجبال في هذا اليوم، وينظمون رحلات لكبار السن إلى الأماكن المرتفعة، فعلى سبيل المثال في عام 2016 قام سكان شان بمدينة ووتشو التابعة لمنطقة قوانغشي الذاتية الحكم جنوب غرب الصين بتسلق جبل باي يون، وفي العام التالي 2017 أقيمت مسابقة لتسلق سلم برج جينماو ثالث أعلى برج في الصين.

ولم ينسى الصينيون الروشتة الطبية الخاص بفي تشانغ تشوي، في الإحتفال باليوم من جمع مع النباتات الطبية وحمل زهرة الكورونيل ومشاهدة أزهار الأقحوان وشرب خمر الأقحوان سنويًا للإحتفال بالعيد.