محمد سمير يكتب: بنت الجيران تستغيث !

مقالات الرأي

محمد سمير
محمد سمير


ها هي بنت الجيران تستغيث من التحريض عليها، تبكي بكاءً مريراً من أفعال جارها المنفلت الذي أصبح ينتهك سترها، بتحريض من شاكوش معطوب وزملاءه، مطالباً إياها بعدم إغلاق شباكها وفتحه عالبحري، بل يستأذنها في خطفها ليدور بها في رحى لن تفيق في نهايته إلا على كارثة تنال من شرفها بعد طحنها طحناً، لتعود صفر اليدين فاقدة لكرامتها، بعد سنين من التلاعب، ونسيان الطريق الأوحد المنشود.

هكذا أصبحنا ننزلق مع عبّاد التريند، خطوة هي أوعر من خطوة، وهاوية هي أخطر من الهاوية التي قبلها، نرتمي دون وعي في أحضان أغنية ماجنة، ليس لها أب أو أم، فاقدة للأهلية، تنتهك معها كل تاريخنا المشرق، وتقضي على البقية الباقية من الأخلاق التي حثت بشكل خاص على احترام الجار، وعدم انتهاك حرماته وأعراضه.

الكل يتراقص، والجميع منفعل، والأجساد تتمايل على أنغام هذه الأغنية اللعينة، التي ضربها شاكوش وإخوانه، لتتبعثر مساميرها الحادة في وجوهنا، فتخترق جلودنا لتكشف حقيقة عن نوع آخر من البشر تحولت دماءهم إلى لون باهت فقد كل وظائفه، من حرارة تدفع هذا المجون دفعاً، بينما تسمح بنزيف الأخلاق، وتعطل المواد المغذية وتُبقي فقط على المخلفات، التي تغرب الروح وتغيبها تغييباً تاماً، لينتهي الأمر وقد فقد الجسد كل وسائل الدفاع عن نفسه مستباحاً مستسلماً لتلك الأمراض والأسقام.

بشر انقطعوا تماماً عن تاريخهم، وباتوا يستسلمون للزيف، بل ويساهمون في نشره صغيراً وكبيراً، يعبدون التريند، ويسايرون قبيحه، معه تنقلب كل الآيات، وحث على انتهاك الحرمات، وتكريس لجرائم التلصص والتجسس، هنا يقف الزمان مشدوهاً على ما حل بنا، مستغرباً ما وصلنا إليه، على الرغم من تاريخنا العريض، الكفيل بإحياء أمة أصابها الموت لعشرات السنين.

بات من المؤلم أن نذكّر بالرجوع إلى النبع الصافي، الذي ربى أجيالاً كانت الرجولة مناهجهم، والأخلاق طريقهم، يعرفون للجار حقه، ويغضون أبصارهم عن بنت الجيران، ويأنفون السير مع امرأة لا تحل لهم في طريق حرام، يظل سنوات يعقبها سنوات، يتخلله تلاعب بالمشاعر، وضحك على الذقون، لينتهي الحال بين بنت فاقدة لإحساسها تطلب الانتحار نتيجة ضياع عمرها بين السراب، ورجل يندب حظه من "الخازوق" الذي رفعه إلى سابع سماء وهوى به إلى سابع أرض يتلقى فيه (فمه) التراب وقد حاوطه الشلل من كل ناحية.

أعشق زماننا الراحل، دائما ما أتعرض يوميا لرائحته العنبرية، أنبش في كل القديم، ذو الصورة الباهتة التي كانت دائما ما تستحي ألوانها من الطغيان في وجه المشاهدين، معبرة عن احترامها لهم، وتبجيلها للكبير، وعطفها على الصغير، دائما ما كانت تقف عند الحدود، لم تكن تضرب أبدا القيم والعادات والتقاليد بعرض الحائط، كانت وما زالت تستحوذ على ألباب وعقول ومُهج أصحاب الفطر السوية التي لا يمكن أن ترضى بالزيف منهجاً وطريقاً.

هل سنفكر بجدية فيما يحدث؟ هل سنعود إلى رشدنا؟ هل سنخاف على أجيال قادمة تتلقف الباطل على أطباق من ذهب دون تعب أو كلل، متى سنفيق؟، متى سنعي حجم المؤامرة على أجيالنا وآبائنا وأمهاتنا والأسرة التي طالها التمزيق، وبات من الصعب السير وسط هذا الكم الهائل من العواء والفوضى، التي لا يمكن في ظلها تحقيق إنجاز أخلاقي ينتشل هذه الأمة مما حلّ بها، وحسبكم ما وصلنا إليه.