المصري القديم عرف الدين، وعرف أنواع من العبادات، ويدعي البعض أن المصري القديم علم الزكاة، والصلاة، والصيام، والحج واقتربت في مفاهيمها مما اعتدناه في الأديان السماوية، بل إن مفهوم التوحيد ليده كان واضحًا، وللوقوف على حقائق الأمور نلجأ دائمًا للمتخصصين، فكان لنا حوار مع الأستاذ الدكتور أحمد بدران أستاذ الآثار المصرية القديمة بكلية الآثار جامعة القاهرة، حول هذه النقاط فإلى نص الحوار.

هل عرف الفراعنة الصلاة والصيام والزكاة والحج؟.. أستاذ أثار يوضح (حوار)

أخبار مصر

جانب من الحوار
جانب من الحوار


المصري القديم عرف الدين وعرف أنواع من العبادات ويدعي البعض أن المصري القديم علم الزكاة والصلاة والصيام والحج واقتربت في مفاهيمها مما اعتدناه في الأديان السماوية، بل أن مفهوم التوحيد ليده كان واضحًا وللوقوف على حقائق الأمور نلجأ دائمًا للمتخصصين، فكان لنا حوار مع الأستاذ الدكتور أحمد بدران أستاذ الآثار المصرية القديمة بكلية الآثار جامعة القاهرة، حول هذه النقاط، وإليكم نص الحوار:

هل عرف المصري شيئًا عن نظرية الخلق؟

"المصري القديم متدين بطبعه منذ قديم الأزل، ويبحث دائمًا عن بدايات الموجودات وقد كون فكرة عن بداية الخلق، ولدينا في ذلك مذهب منف حيث ذكر الكهنوت أن هذا الكون نشأ من فكرة دارت في قلب المعبود بتاح ونطق بها لسانه فكان من أمر الخلق ما كان، وهي تقترب في السمو والتجرد والروحانية إلى ما ورد في الكتب السماوية حيث ورد في القرآن الكريم الآية "إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون"، وفي العهد الجديد، وردت أيضًا الآية "في البدء كانت الكلمة..."، وهذا يشبه ما كان موجود في مدينة منف، تلى ذلك العديد من نظريات الخلق كنظرية هليوبوليس والأشمونين ونظرية طيبة ولكن لم يعرف المصري".

هل عرف المصري القديم التوحيد بمعناه المعروف؟   

"لم يعرف المصري القديم التوحيد بمعناه الواضح حيث تعددت عنده الآله، ولكن وردت بعض العبارات التي تدل على فكرة الإله الواحد، والإله الخالق، مثلما ورد في النشيد الآتوني من عهد الملك أمنحتب الرابع "أخناتون" عصر الأسرة الحديثة الأسرة الـ 18 حيث ذكر المعبود آتون بصفة "وع عو" بمعنى الواحد الأحد، "نن سنو" بمعنى الذي ليس له ثان".   

"والمصري القديم لم يكن يخفي إيمانه بالمعبود ولم يكن يخش الفرعون والدليل على ذلك، أنه عندما فرض الملك أخناتون الديانة الآتونية أظهرت الحفائر معبودات أخرى داخل المنازل السكنية للناس حيث عبدوا حورس وأوزوريس وآمون فلم يكن يجبره أحد على شئ معين ولو كان موحدًا لظهر ذلك في الحفائر، وحفائر البعثة الإنجليزية من بندل بري إلى باري كمب كشقت وجود معبودات أخرى في منازل الشعب من القدماء المصريين بالإضافة لآتون، فلو كان عرف التوحيد بمعناه المعروف لظهر ذلك في الحفائر".

هل عرف المصري القديم كتبًا دينية؟

"وضع المصري القديم عددا من الكتب المقدسة منها كتاب الموتى ويسمى "برت إم هيرو" ومعناها "الخروج بالنهار" أي البعث، وسبقه متون الأهرام في عصر الدولة القديمة أقدم نصوص دينية ومتون التوابيت في عصر الدولة الوسطى، والتي تطورت عنها مجموعة من الكتب في عصر الدولة الحديثة وهي كتاب الموتى، وهو عبارة عن مجموعة من التعاويذ التي تحفظ المتوفى في العالم الآخر حتى يواجه الصعوبات وصولًا إلى الجنة التي كانت تسمى "سخت حتبو" وأيضًا تسمى "سخت إيارو"، ولدينا كتاب البوابات وهي مجموعة من البوابات التي يجتازها المتوفى في رحلته إلى العالم الآخر، ولابد له من معرفة اسم الباب واسم الحارس، ومرسوم في الوادي الملوك شكل الباب وعليه ثعبان حارس، وكتاب الطريقين وهو يتناول مسار المتوفى في رحلته الأرضية وصولًا إلى المقر الأوزيري، وكتاب هلاك البشرية أو البقرة السماوية وكتاب الكهوف وكتاب الليل والنهار وغيرها الكثير من الكتب الأخرى".

هل المعبود آتوم هو آدم عليه السلام؟            

"المعبود آتوم هو الجد الأزلي للمعبودات عند المصري القديم، وظهر دوره بوضوح في تاسوع هليوبوليس، ونظرًا لقدم هذا المعبود قارب بعض الدارسين للحضارة المصرية القديمة بينه وبين سيدنا آدم عليه السلام باعتباره أول من ظهر على الأرض، ولكن لا توجد على الإطلاق أية أدلة تؤكد هذا المفهوم في نصوص ومناظر الحضارة المصرية القديمة، وهذا ليس من عادات المصري القديم ولو أنه بالفعل كذلك لوردتنا إشارات بذلك".

هل عرف المصري القديم صلاة كصلاتنا؟  

"تقرب المصري القديم للمعبود من خلال القرابين والصلوات والابتهالات لكن كان له أسلوبه في تقديس المعبودات وهو مسجل على جدران المعابد الكبرى، أما الصلاة بمفهومها الحالي وتوقيتاتها لم تثبت في المصادر المصرية القديمة، ولكن كان الكهنة القائمين على آداء الشعائر الدينة للمعبود بتطهرون خمس مرات في اليوم، في البحيرة المقدسة الملحقة بالمعبد كالتي في معابد الكرنك أو إدفو أو دندرة و كوم أمبو، ويلتزمون بشروط للطهارة لآداء الطقوس مثل، ارتداء الملابس الكتانية البيضاء الطاهرة، وحلق اللحى والشعر تمامًا، ولا يتناولون الأطعمة االنجسة".

"واختلفت أوضاع الصلاة في مصر القديمة عن أوضاع الصلاة في الديانات السماوية، فنجد الصلاة تتم وقوفًا أو سجودًا، أو انبطاحًا ولكن المحتوى كان مختلف تمامًا، وبناء على مناظر الخدمة اليومية للمعبود، نرى الملك في البداية منبطحًا في حضرة الإله، ثم منتصبًا في وجه الإله، ثم محتضنًا تمثال المعبود وكلها أوضاع للتعبد".

هل عرف المصري القديم الصيام ؟

"المصري القديم لم يعرف فكرة الصيام التي وردت في الأديان السماوية سواء الامتناع عن الطعام والشرب نهائي أو الامتناع عن نوع معين من الطعام، والمحاولة كالتي قام بها طبيب المسالك البولية الشهير وسيم السيسي في تقريب اشتقاق كلمة صوم من الكلمة المصرية القديمة صاوو، ومحاولة إضافة ميم هي محاولة غير دقيقة على الإطلاق، لأن صاوو معناها عند المصري القديم يمتنع أو يحمي أو يحرس أو حماية، وليس لها علاقة بالامتناع عن الطعام نهائيًا".   

"وحوي يا وحوي" ما هو أصلها وهل لها علاقة بشهر رمضان؟  

"وردت هذه الكلمة عندما عاد الجيش المصري منتصرًا على الهكسوس بقيادة الملك المصري العظيم أحمس وكان الشعب المصري القديم في استقبال جيشه المنتصر حين عودته، وتزامن ذلك مع بداية الشهر القمري، وتمجيدًا لدور الملكة "إياح حتب" في تجهيز وتدعيم الجيش، أنشد المصريون لها المقطوعة التي تقول "واح وي.. واح وي.. أعح" بمعنى "ليتها تحيا وتدوم الملكة إياح حتب"، وتداول الشعب المصري عبر العصور هذه الترنيمة الرائعة مع بداية ظهور كل قمر، وعندما دخل الاسلام مصر، وقدس المصريون ظهور الهلال، ظلت هذه الأغنية معبرة عن أسمى استقبال له وهو استقبال الأجداد لجيشهم المنتصر". 

هل الزكاة عند المصري القديم هي فعلًا كلمة "الماعون" القرآنية؟  

"مسألة أن المصري القديم عرف الزكاة أن أصل الكلمة هو الكلمة المصرية القديمة ماعو، وأضاف لها نون هو كلام غير صحيح على الإطلاق، لأن كلمة "ماعو" هي كلمة مصرية قديمة وردت في سياق معين بمعنى معين، مغاير تمامًا لما ذكره الباحث صاحب الفكرة، فالاستشهاد في الحضارة المصرية يكون بعموم النص، وليس بتشابه الكلمة، لأن علم الفوناتكس أو الصوتيات لا ينطبق هنا، لأن مراد الكلمة في النص المصري القيدم يختلف تمامًا عن مرادها الحالي، فالمصري القديم قصد بكلمة "ماعو" تقديم القرابين وليس الزكاة، فالمصري القديم عرف مساعدة المحتاج والتقرب للمعبود، ولكنها لم تكن فرض أو ما شابه، وليس لها موعد سنوى، وتقديم المساعدة عنده تعني "حتب دي نسو" ومعناها عطية أو هبة أو قربان، وهي دائمًا باسم الملك، ولدينا لفظة أخرى معناها "دي - عا" ومعناها المساعدة وتقديم العون، ولكنها فكرة بعيدة تمامًا عن الزكاة المفروضة".

هل عرف المصري القديم الحج؟

"الحج كما ورد ف الديانات السماوية وبالتحديد الدين الإسلامي -والكلام لبدران- له مواقيت محددة في العام ومكان ومقصد محدد وهو مكة، وله هيئة معينة ومحددة في الشعائر، وكل شعيرة لها دلالة مرتبطة بالدين سواء السعي أو الرمي أو الوقوف بعرفات، ولم تكن كل هذه الأمور موجودة عند المصري القديم، ولكنه كان يقوم بزيارة القبر المزعوم للمعبود أوزير طلبًا للشفاعة، مثل ما هو الحال في العصر الحالي من زيارة قبور وأضرحة أولياء الله الصالحين، وملابس الإحرام عند المصري القديم مختلفة كما أن كلمة "بكا" لم ترد على الإطلاق في النصوص المصرية القديمة كما يزعم البعض".