مصطفى عمار يكتب: الثلاث المهلكات

مقالات الرأي



بينما أجلس فى المنزل لمتابعة أخبار الفيروس المدعو «كورونا» وما فعله بالعالم بعد أن تحول لكابوس يطارد البشرية، وفجأة وبدون مقدمات تحولت صفحات أصدقائى على موقع «فيس بوك» لمنصات لترويج الخوف والذعر، كتبت إحدى الصديقات على صفحتها الشخصى. «حد من جوه بيأكد لى أنه تم إغلاق أوتيل فيرمونت مصر الجديدة بعد اكتشاف حالات كورونا بين النزلاء والوضع داخل الأوتيل مأساوى.. ربنا يستر» بينما كتب صديق آخر على صفحته الشخصية «بيقولك هيلغوا الدراسة بسبب وجود أكثر من إصابة بالكورونا بين طلاب المدارس ومش عايزين يعلنوا عشان الناس ما تغضبش!» وكتب آخر على صفحته الشخصية «المشكلة أن الحكومة عارفة أن كورونا انتشر وأن ما ينفعش الدراسة تكمل لكن هما هيفضلوا مخبيين لحد ما نروح فى ستين داهية إحنا وعيالنا.. والله زى ما بقولك كده».

كانت هذه النماذج الأكثر استفزازا لى على التايم لاين، بخلاف مئات البوستات الأخرى التى توحى إليك أن يوم القيامة قد قام بمصر، وأننا لن يطلع علينا النهار، وللحق لم تكن المنشورات قاصرة على فيروس كورونا القاتل ولكن تفنن آخرون فى نشر بوستات عن العاصفة التى ستضرب مصر وآخرون نشروا بوست عن اقتراب كوكب ضخم من ضرب كوكب الأرض ! ولن أخفى عليكم أن كم المنشورات التى قرأتها أثرت على نفسيتى وفكرت فى لحظات ماذا لو أن هذه المنشورات حقيقية.. كيف سيكون مصير أسرتى وأطفالى، هل أمنعهم من الذهاب إلى المدرسة، هل أبقيهم فى المنزل حتى زوال هذا الخطر، وكيف أتصرف فى عملى، هل انقطع، هل أذهب للسوبر ماركت لشراء احتياجاتى أسرتى لمدة شهرين ونجلس فى المنزل لانستقبل أحدا.. الأفكار السيئة تدفعك إلى الخوف، ولكننى تراجعت عن كل هذا بعد أن استحضرت ذاكرتى أيام الفوضى التى تبعت ثورة 25 يناير، وكيف كان الفيس بوك وتويتر السبب فى نشر الخوف والهلع بين الناس من قبل آخرين كانوا يستخدمون نفس الأسلوب ونفس الطريقة، وبدأت أتذكر كل الأحداث السيئة التى مرت على مصر وكيف كانت تدار من قبل لجان إلكترونية لخلق حالة من الخوف واليأس بين الناس، والغريب أننا لم نتعلم من الدرس، ونترك أنفسنا للخوف ولمرضى مواقع التواصل الاجتماعى، ليزرعوا الخوف بنا، بينما يستمتعون هم بزيادة أعداد اللايك والشير على منشوراتهم المشبوهة، ثلاث كلمات دمرونا نفسياً واقتصاديا وسياسياً منذ يناير 2011، أطلقت عليهم «الثلاث مهلكات «الكلمة الأولى هى «حد من جوه بيأكد لى» وبعدها يتم كتابة أى شيء لإضافة مصداقية على الخبر، وبالطبع هذه الجملة كفيلة بمنح أى كلمات تأتى بعدها مصداقية، دون أن نعلم «جوه فين» التى يتحدث عنها من يستخدمون هذا المصطلح، والكلمة المهلكة الثانية هى «بيقولك» ويكتب صاحبها خلفها أى كلام، دون أن يذكر من هو الشخص إللى «بيقولنا»، والكلمة المهلكة الثالثة هى «زى ما بقولك كده» وهى بالطبع تحمل تأكيد لا يقبل الشك فى المعلومات التى يرويها الشخص وكأنه جهبذ عصره وأوانه وأنه يعرف ما يخفى على أكبر أجهزة أمنية ومخابراتية بالعالم، هؤلاء المهلكات كما قولت لكم سلبوا منا عشر سنوات كاملة، ظللنا فيها نبحث ونطارد الوهم، منذ البحث عن ثروة حسنى مبارك وتوزيعها على أفراد الشعب، مروراً بمحاولة تشويه وتدمير جهازى الشرطة والجيش، وتلطيخ سمعة أى شخصية وطنية حاولت الدفاع عن الدولة أمام همجية الجماعات الإرهابية والخونة والمرتزقة من الفوضى التى كانت تعيشها البلاد، سنوات من العمر لن تعود ذهبت ونحن نسلم أنفسنا لمرضى ومأجورين لا هدف لهم سوى نشر الخوف والفزع لحرق قلوب وعقول أبناء هذا الوطن.. فالخوف واليأس يقتلان أسرع ألف مرة من فيروس «الكورونا» ومن الإعصار ومن اصطدام كوكب بالأرض، فهل سنتعلم الدرس أم سنكرر نفس الأخطاء؟!

العلم عند الله.