الدكتور احمد عبد الوهاب يكتب: "كورونا بين المعتقد والمؤامرة وفكاهة المصريين"

ركن القراء

الدكتور احمد عبد
الدكتور احمد عبد الوهاب


ارتبطت في الآونة الاخيرة نظريات تشير الى مؤامرات تصنيع الفيروسات في المعامل بفعل فاعل. فلسفة صناعة الداء لترويج الدواء وجني مكاسب سياسية اقتصادية. نقرأ كل يوم على وسائل التواصل الاجتماعي "social media" تحليلات لتلك الطوارئ الفيروسية بين المعتقدات الدينية(العقاب السماوي) والحروب السياسية الاقتصادية (نظرية المؤامرة) وآخرها هو فيروس كورونا.

بعض أصحاب نظرية المؤامرة يرون أن الفيروس تم تخليقه معمليا كضربة اقتصادية للصين وهز مكانتها في العالم. وهؤلاء يرون أن خلف كل كارثة في العالم المعاصر اسما من ستة أحرف "أم ر ي ك ا" يريد فرض هيمنته على العالم وتقليم أظافر كل من يحاول مشاركته تلك الهيمنة على العالم، لاسيما -الصين- أكبر الدول في العالم من حيث عدد السكان وثاني أكبر القوى الاقتصادية في العالم -خلف أمريكا- من حيث الناتج المحلي الإجمالي وفقا لصحيفة "اندبندنت عربية independentarabia".

بل وربطوا تحليلهم ذلك بشواهد من أفلام السينما تشير الى الأحداث الراهنة فعلى سبيل المثال ربطت صحيفة "ديلي ميل Daily Mail" البريطانية و "بي بي سي عربية BBC NEWS" بين انتشار فيروس كورونا وأحداث الفيلم الأجنبي "كونتيجن (عدوى) contagion" الذي توقع بوجود مرض معدٍ ومميت ينتقل من الخفافيش للإنسان ويتسبب في تهديد العالم. وكنتيجة لذلك التحليل زاد الاقبال على مشاهدة الفيلم حاليا والبحث عنه رغم أن إنتاجه كان في 2011.

وفي تحليل مختلف يضع اصحاب نظرية المؤامرة الصين موضع الجاني لا المجني عليه فيزعمون بأن الفيروس تم تخليقه في المعامل الصينية نفسها لكنه خرج عن السيطرة. أو أن الفيروس لم يخرج عن السيطرة لكنه ضرب من ضروب الخداع الاستراتيجي من الصين حتى تنسحب الشركات الأجنبية المسيطرة على السوق الصيني وتبيع أسهمها بأبخس الأسعار لمصلحة اقتصاد التنين الصيني. 

وتارة أخرى تقرأ أن الفيروس مجرد قصة مدبرة من أطراف عدة لشغل العالم عن المجازر السياسية في منطقة الشرق الأوسط كصفقة القرن من زاوية، ومن زاوية أخرى جني مليارات الدولارات ثمن بيع العلاج. وكما يقول المثل المصري "اللي حضر العفريت يعرف يصرفه". كلها أراء تشير إلى نظرية المؤامرة مع اختلاف السيناريوهات بحسب زعمهم.

ثم على الجانب الآخر وخاصة في بلاد الشرق كثيرا ما تسمع وتقرأ تحليلا آخرا ألا وهو "العقاب السماوي". ويرى أنصار هذا المذهب أن فيروس "كورونا" ما هو إلا عقاب سماوي بسبب المجازر الصينية بحق الأقليات المسلمة في الصين. ويُعارض هذا التحليل بأن الفيروس تخطى حدود الصين نفسها، بل لم يفرق بين مسلم وغيره. وهنا يدافع أصحاب هذا الرأي عن تحليلهم بأن الفيروس عقاب سماوي ليس فقط للصين ولكن حتى للمسلمين أو لكل أصحاب الديانات السماوية اللذين ابتعدوا عن تعاليم ديانتهم ومعتقداتهم. ظهر هذا الرأي جليا من آلاف المنشورات التي تأسف على توقف الطواف حول الكعبة ولو لليلة واحدة كإجراء احترازي للتعقيم وتربطه بغضب الله تعالى على ما يحدث من تخازل من العالم العربي والإسلامي تجاه كثير من القضايا المعاصرة.

الأحداث تتسارع بشكل مخيف وما بين عشية وضحاها نسمع عن عدة من التدابير الاستثنائية: تعطلت المدارس في كثير من الدول لأجل غير مسمى. توقفت الخطوط الجوية بين بعض الدول. أعلنت إيطاليا تفشي المرض بها وقطعت خطوط الطيران تماما مع دول العالم وأخيرا صنفت منظمة الصحة العالمية "كورونا" وباءً عالميا. 

والحق يقال أنه ومع كل التحليلات السابقة من الشرق الى الغرب لا تستطيع أن تقول بصحة إحداها وترجحها على الأخرى. فمن جهة أن "كورونا" طفرة فيروسية أمر يقبله العقل والمنطق، ومن جهة أنه نذير سماوي ليس بمستغرب وله شواهد تاريخية كثيرة. لكن المؤسف أن كل يفسره ويطوعه طبقا لمعتقده وتوجه وكما يقال"كل يغني على ليلاه". ومن جهة "المؤامرات السياسية" فنحن نعيش للأسف في عالم تتلاشى فيه القيم الإنسانية وراء الأطماع السياسية. فمن قتل الملايين بالسلاح في حروب عدة لن يتورع أن يواصل القتل بالفيروسات، أختلفت الأسلحة والهدف واحد.

"كورونا" بمثابة رسالة للعالم كله في نقطتين: أولهما أن أمر الدنيا والتقدم والتكنولجيا قد يزول في لمح البصر، وعلينا أن نعود إلى القييم الدينية والإنسانية في معاملتنا. وثانيهما العودة إلى العلم والأخذ بأسبابه. ولا تعارض بين النقطتين كما يظن البعض، فالدين ليس فقط عبادات ولكنه أيضا نظر وتفكر وبحث وأخذ بأسباب النجاة والتقدم وعمارة الأرض بحمايتها من الهلاك. هذا الفيروس وعلى فرض كل النظريات والتحليلات نشأ بسبب علمي بقصد أو بدون قصد ولن يزول إلا بأسباب علمية بعد بحث وتجربة.

في ظل كل تلك الأحداث نرصد شيئا مضحكا ومبكيا في ذات الوقت وهو تعامل المصريون مع الحدث. ف"كورونا" ذلك الفيروس الذي شغل العالم كله، لا يزال بعض المصريين يتعامل معه بسخرية كأنه تلك الشكولاتة التي تُعرض في الإعلانات.

روح الفكاهة تغلب على هذا الشعب رغم كل ما مر به. تظهر الكومكس على شبكات التواصل الاجتماعي ساخرة من الفيروس على شكل إنسان مقهور من عدم مبالة الشعب بمخاطره. بل إن المصريين هم اللذين يطاردون الفيروس. أحد البرامج يقيم حوارا خياليا هزليا مع الفيروس، وليته حوارا للتوعية بمخاطره ولكنه حوارا تهكميا ساخرا يصور معاناة "كورونا" بين المصريين. ولا تجد نفسك بعد كل هذا إلا داعيا الله أن يحفظ هذا الشعب الطيب بروحه المرحة البسيطة وأن يزيد من وعيه وثقافته في التعامل مع الأزمات إذ لامفر من أخذ الحيطة والتدابير تجاه هذا الوباء حتى لا ينقلب الأمر إلى كارثة. الأمر ليس دعوة إلى تشاؤم أو تخويف في غير محله لكنه رسالة إلى الشعب المصري ليستفيق من حالة اللامبالاة عند ممارسة العادات اليومية البسيطة ولو على سبيل الاستثناء كإدارة للأزمات بلا تهويل مفزع ولا تهوين مهلك. وكما يقول الفيلسفوف الألماني شوبنهاور "الصحة ليست كل شيء، ولكن بدونها لاقيمة لأي شيء". الخطب ليس مجرد "صحة" بل هو "أمر حياة".

سيمر العالم بإذن الله من أزمة "كورونا" كما مر من غيرها من أزمات مثل"الكوليرا والجدري والأنفلونزا". تفائلوا بالخير "واسعوا اليه" تجدوه. حفظ الله مصر وأهلها والعالم والإنسانية جمعاء من كل مكروه.