"كل شوية قرار جديد".. كورونا يُرعب "باخرة قمح" ويحولها لحجر صحي بموانئ أوكرانيا

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


اِعترت الدهشة مصطفى العابد، بعد تراجع قوى الأمن الأوكرانية، من أداء مَهامّهم التفتيشية، وصعُود طاقم من الأطباء على متن الباخرة الآتِية من بيروت؛ لبحث حالة الركاب الصحية، سرعان ما تحولت لمزيج من القلق والخوف، بعد اِستقصائهم للأوضاع، ومع معرفته بالاشتِباه بإصابة حالتين بفيروس كورونا، تَجَسد في ذِهنه المشهد الصيني وعزله طبيًا، انهَم العرق في جبينه، برغم من البرد القارِس، مَتنَ بمكانه، ريثما يصدر قرار بشأنهم، لتتحول السفينة لحجر صحي "العساكر فضلت خايفة تطلع.. رفعوا السلم والعلم الأصفر علشان يعرفوا الناس أن في هنا خطر ومحدش يقرب يمتنا..وقفوا علينا عسكري بسلاح".






أوغل الطبيب في فحص العامل الهندي وزميله السوري، المشتبه في إصابتهم بفيروس كوفيد-19- الذي يواصل تفشيه في أنحاء العالم وسط مخاوف من تداعياته على مختلف جوانب الحياة، لاسيما بعدما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن كورونا بات وباء عالميا، ويمكن السيطرة عليه إذا عززت الدول إجراءات التصدي له-، وحجز الحالتين لمدة ثلاث ساعات في صالون الباخرة، ومتابعة حالتهم مرة أخرى، ليتبين ارتفاع درجة حرارتهم، ما جعله يستغيث بسيارة الإسعاف، الذي وصلت بعد دقائق معدودة "شوفنا ناس كأننا في الفضاء.. لابسين كمامات ومفيش حاجة ظهرة منهم غير عنيهم"، أهابَهم المشهد، وتَصَوع طاقم السفينة الذي يتكون من 18 فرد "خوفنا لأن مهما كان احنا في مركب واحدة وكان سهل يتنقل لنا.. أو ممكن يكون عندنا.. لأن أكترنا عنده برد من شدة الجو في البحر.. ومش هنعرف نفرق".






أبَى قبطان السفينة، على أن يخرج العاملين منها، خاصة أن أحدهم يعمل في المطبخ، معللاً أن يكون هذا السبب في ارتفاع درجة حرارة جسده، واِهتم لِمصابة، فوافق الأطباء على قلب الباخرة حجر صحي يعزل فيه الجميع، وإجراء تحاليل احترازية لكل من القبطان والظابط الأول "الشيف أوفسر"، ووقف الباخرة في مكانها لظهور نتيجة التحاليل والتأكد من حالة المشتبه فيهم "48 ساعة عشنهم في رعب.. اللي طمنا شوية أن الحرارة نزلت من الحالتين درجتين.. وأن التحليل طلع سليم.. ولما كشفوا علينا طلعنا سلام.. بس رفضوا تحركنا"، حتى جاءت التعليمات في تمام الساعة الثانية منتصف الليل من اليوم الثالث من البولوتيكا-والذي تعني الإدارة العامة الخاصة بمراقبة عمل خاص بالمواطنين، يتم تنفيذها حسب الأساليب والأصول المعينة-، بتحرك الباخرة الحاملة للقمح من بلغاريا إلى بيروت، والتي مرت بعدة قنوات من بينها تركيا "طبعا عدينا كل الحدود لأن مش مسموح لنا كجنسيات عربية النزول بميناء هذه الدول". وتم رفع العلم الأوكرني، الذي يشير لأمان المَركب.






تنفس الصُّعداء، واِنفرج هم صاحب الـ(25ربيعًا)، ولكن سرعان ما توقفت الباخرة من جديد، بعد إصدار قرار من هيئة الملاحة البحرية، مفاداه ممنوع دخول البواخر أي دولة، وتوقفهم على الأرصفة والمخطاف 14 يوم- لأنه مهما كان الشخص في منطقة شديدة الخطورة، فإنه إذا لم يصب بأعراض كورونا خلال 14 يومًا، فهو ليس مصابا بالفيروس-، بعد ذلك يتم فحص طاقم السفينة، لسماح بدخول وخروج الشاحنات "حظ الرحلة دي صعب أوي.. كل شوية قرار جديد"، إذ شدد القائمون على الميناء في المدن الأوكرانية، بأن أكياس القمامة البلاستيكية تعقم بالمنظفات وتوضع في أكثر من شنطة محكمة بلاصَق بلاستيكي "أول مرة نشوف الشغل ده.. غير أن لازم نسلموها مع كل ميناء.. كنا بنرميهلهم وخلاص.. دلوقتي حكموا علينا نرش كلور.. ويكتب عليها اسم المركب وكمان تتختم من ختم من القبطان"، يقولها أحد العاملين الذي ظل على تأهب طيلة الوقت أن يعزل، خوفًا من إصابته بالفيروس المُستجد، اقتَطع لي من حديثه شيئًا ثم سكَت "هما خايفين نعديهم.. والواحد مش ضامن لو مريض هيتعمل فيه إيه في بلد يهمها نفسها بس".






بوَّع حامد حسنين، ابن إحدى المدن بمحافظة الإسكندرية، في سيره على الباخرة، حرصًا على صحته والعدوى من زملائه، المشتبة فيهم، برغم من التأكد من سلامتهم "لسه عندهم برد وبيسخنوا أحيانا"، يمازحه أحدهم جاريًا ورائه بزجاجة المياة. كان الألم الجسدي قد أنهك جميع طاقم الباخرة، لكن ظل القبضان يسَعى بالصَّلاح بين الحميع ويرشدهم، بينما كابوس الفيروس ظل يطارهم "الزلمة خايف من الموت وجه دبل.. من يوم الثلاثاء اللي دخلنا فيه وهو قاعد بالكبينة مالته"، عبارة يرددها فارس زميله السوري، الذي تكبَّر على المرض "هيك هيك أنا ميت.. بس بديش أهلي يموتون بالقلق.. مافي رحمة عند الغرب بدي خط تليفون أطمن أهلي.. هاتفت صديقي هون لكن صعب أنزل على المينا أو حتى امد له شنطة بحبل يعطيني إياه.. ممنوعين نحط رجلنا على الرصيف لحين التأكد منا"، يقاطعه صديقه العراقي، بعدما اِشتعل غيظًا، لشدة الجوع، لاسيما وأن السلع الموجودة في السفينة أوشكت على الانتهاء "جوعان ومافي طعام يكفينا.. شكلنا هنموت جوع وليس الكورونا.