عبده الزرّاع يكتب: الملك والساحرة الشريرة.. و"إفريدون" المخلص!

الفجر الفني

بوابة الفجر


"الملك والساحرة الشريرة" قصة للكاتبة: رانيا أبو العنين، وهى القصة رقم (3) فى سلسلة "العالم فى أساطير وحكايات"، هذه القصة مأخوذة عن "الأسطورة الفارسية" كما هو مدون على غلاف الكتاب، وهناك فرق بين القصص الشعبية وبين الأسطورة، فالأسطورة حكاية خرافية نشأت منذ فجر التاريخ ويلعب فيها دور الأبطال صور خيالية مثل الآلهة والأبطال الأسطوريين، وكما يقول د. أحمد شمس الدين الحجاجى فى مقدمة كتابه "تجليات أسطورة الخلق الفنى فى الأدب العربى": "الأسطورة عقيدة لا يتطرق إليها الشك عند أصحابها؛ فهى دين متكامل الأبعاد والحدود، وهى عند من لا يؤمن بها خرافة، أو أحاديث كاذبة لا تاريخ لها ولا حقيقة وراءها، فمن أعمال الخيال الإنسانى. ولقد وجهت الأسطورة عند من يؤمن بها ومن لا يؤمن بها إلى استخدامها فى الفن الإنسانى"، ومن المعروف أن أدب الأطفال بدأ فى العالم العربى معتمدا على الترجمة والنقل والاقتباس، متأثرا بأدب الأطفال الأجنبى، قادها رفاعة رافع الطهطاوى، ومن بعده محمد عثمان جلال، ثم أحمد شوقى.

 

ثم جاءت مرحلة الاعتماد على التراث العربى والشعبى، فتم تحويل العديد من الحكايات الشعبية، والحكايات التراثية المتواترة فى بطون الكتب العربية إلى قصص للأطفال، وقد استقى منها الكتاب الأوائل قصصهم ورواياتهم للأطفال.

 

وقد استفاد رائد أدب الأطفال كامل كيلانى فى عشرينات القرن الماضى، من هذه المصادر، فكتب قصصا مأخوذة من كتاب "ألف ليلة وليلة"، مثل: "عبد الله البرى" و"عبد الله البحرى"كما حول العديد من الأساطير إلى قصص للأطفال، وله سلسلة صدرت تحت عنوان "الأساطير الهندية"، إذن فالأساطير أحد مصادر الكتابة لقصص الأطفال.

 

وفى قصة "الملك والساحرة الشريرة" نجحت الكاتبة فى الاستفادة من الأسطورة الفاريسية،وتحويلها إلى قصة، يلعب الجان فيها دورا أساسيا، فبطلة القصة هى "مرجانة" إبنه ملك الجن الأسود التى استطاعت بجمالها أن تخلب عقل ووجدان "الضحاك" إبن ملك البلاد، حينما ظهرت له لأول مرة عن بئر الماء ورأى صورتها على صفحة مياه البئر، ثم إختفت لكن صورتها لم تختف من ذهن هذا "الضحاك"، وظل يبحث عنها فى كل مكان، ورفض الزواج من أى واحدة أخرى، إلى أن ظهرت له مرة أخرى فى حديقة القصر، فعرض عليها الزواج رغم أنها أفصحت له عن حقيقتها وأنها "جنية" وبنت ملك الجان، إلا أنه أصر على الزواج منها، وافقت بشرط أن يطيع جميع أوامرها، وتم الزواج بها ومرت الأيام إلى أن وضعت طفلا جميلا وتعلق به "الضحاك"، فى تلك الأثناء تغير تعاملها مع أبيه "الملك مرداس" وأمه، وبدأت تتعامل مع الرعية بتعال شديد، بل طغت وبغت، و"الضحاك" ينفذ لها جميع أوامرها، إلى أن كثرت الشكاوى منها إلى الملك الذى لاحظ هو الآخر مدى طغيانها وتعاملها السئ مع الرعية، فأمر "الملك مرداس" إبنه "الضحاك" أن يمنع زوجته من ظلم الشعب وإلا وضعها فى سجن المملكة، إلا أن "الضحاك" ذهب إلى "مرجانة" وحكى لها ما حدث من أبيه، فزاد حقدها على "الملك مرداس" وأدمرت له الشر، وعزمت فى نفسها على التخلص منه، وعرضت على "الضحاك" أن يسجن أبيه ويتولى هو الحكم مكانه، لكن "الضحاك" رفض وقال لها: "كيف أتخلص من والدى الذى ربانى أحسن تربية، ويعاملنى أفضل معاملة"، فغضبت وقالت له: "أنسيت إنى اشترطت عليك منذ البداية أن تنفذ أوامرى"، وتطاير الشرر من عينيها وقالت له إذن لن ترانى أنا وولدك بعد الآن.. وضربت الأرض بعصا كانت فى يدها فطارت فى الجو هى وإبنها واختفت، ظل ينادى عليها "الضحاك" أن تعود ولكنها لم تستمع لندائه.

 

هنا يحدث نقطة تحول جوهرية فى مسار القصة، إذ يحزن "الضحاك" على فراق زوجته وإبنه، وفجأة تأتى إلى القصر عجوز بملابس رثة قديمه ولما منعها الحراس من الدخول، قالت لهم: أبلغوا "الضحاك" أننى أعرف كيف يصل إلى زوجته وإبنه.. فأمر بادخالها.

 

ولما سألها "الضحاك" عن مكان زوجته وإبنه.. قالت له ما معناه لكى تعيدهما "نفذ ما طلبته منك مرجانة".

 

ولشدة لهفة "الضحاك" على زوجته وإبنه قام من فوره وحبس والده فى قصره وعين نفسه ملكا على البلاد.

 

ولم يكتف بهذا بل طغى وبغى هو وزوجته "مرجانه" وظلما الرعية كما لم يظلهم ملك من قبل.. وفجأة تأتى العرافة العجوز إلى القصر مرة أخرى، وتخبر "مرجانه" أنها قرأت الطالع اليوم وعرفت أن إبنها سوف يقتل على يد شاب اسمه "أفريدون" وإنه سوف يولد هذا الأسبوع.

 

هذه نبوءة عرفتها هذه العجوز عن طريق السحر والكهانة.. وعلى إثرها طار عقل "مرجانه" وزوجها الملك "الضحاك"، وأمر رجاله أن يبحثوا فى جميع بيوت المملكة عن الطفل "أفريدون"، ولما علمت أم "أفريدون" بالخبر، وهى قد وضعته منذ ثلاثة أيام، أخذته وهربت به من المملكة إلى أخواله فى بلاد الهند.

 

مكثت أم "أفريدزن" فى بلاد الهند عشرون عاما حتى أصبح "أفريدون" رجلا يافعا، وعلمه خاله أصول السحر والفروسية، وكان كل يوم يمر عليه يجهز نفسه كى يثأر لقتل أبيه وأهل بلدته من "الضحاك" وزوجته.

 

شعرت أم "أفريدون" بحنين لبلدتها.. فعادت هى وولدها وبعض من أهلها إلى مملكة "الضحاك"، وسرعان ما إلتف أهل المملكة وشبابها حول "أفريدون" ووجدوا فيه البطل المخلص من الظلم الذى وقع عليهم، وانتشرت تعاليمه السمحة بين أهل المملكة.. ولما علم "الضحاك" وزوجته "مرجانه" بأمر "أفريدون" عاشا فى خوف شديد.

 

ويحدث نقطة تحول جديدة فى مجريات أحداث القصة.. حينما خرجت أم "أفريدون" لتشترى من السوق بعض حاجاتها، فقبض عليها حراس القصر ولم يرحموا سنها.. وأخذوها تعمل خادمة عند الملكة "مرجانه".

 

هنا يحتدم الصراع بين قوى الخير المتمثلة فى "أفريدون" المخلص، وبين قوى الشر المتمثلة فى "الضحاك" وزوجته "مرجانة".

 

حينما وصل الخبر إلى "أفريدون" توجه من فوره إلى القصر كى يخلص أمه، ولكن قبل أن يصل شعرت "مرجانه" بقدومه فركبت هى وزوجها وإبنها عربة تجرها عشرة خيول أصيلة قوية وتوجهوا ناحية البحر هربا من "أفريدون"، وكان "أفريدون" يفوقها سحرا وقوة.

 

وبمجرد وصولها إلى البحر كان هناك فى انتظارهم سفينة مسحورة لتنقلهم إلى مملكة الجن الأسود، لكن "أفريدون" قد سبقهم إلى البحر، وإنتظرهم فى منتصفه.

 

ولما وصلوا للمكان الذى فيه "أفريدون" لم يفعلوا شيئا سوى أن "مرجانة" مدت يدها ورددت تعويذة سحرية فخرج ثعابين كثيرة، واتجهت نحو "أفريدون" الذى أخرج من جيبه حية كبيرة إلتهمت كل الثعابين.

 

هنا هجم "الضحاك" على "أفريدون" محاولا محاربته بالسيف لكن مهارة "أفريدون" كفارس جعلته ينتصر عليه.. ويغمد سيفه فى قلبه فارداه قتيلا.

 

استشاط غيظ "مرجانة" بعدما وجدت زوجها لا يتحرك، فرمت بقرطها فى الماء فتحول الماء إلى بحر هائج لا نجاة منه.. وأصبحت السفينة وكأنها ريشة فى مهب الريح، وأخرجت خنجرا مسموما من جيبها، وألقت به إلى كتف "أفريدون" لكنه تفاداه، وضرب الماء بعصا كانت فى يده، فتحولت العصا إلى قارب نجاة، وهاج البحر أكثر وأكثر، وغرقت "مرجانة" وزوجها وإبنها.. وانتصر الخير على الشر.

 

رجع "أفريدون" المخلص إلى قومه.. فنصبوه ملكا عليهم.. وأعاد الحقوق إلى أصحابها.. وحكم المملكة بالعدل، وتزوج من فتاة من عامة الشعب ليكون الحاكم من الشعب.. والملكة أيضا إبنة الشعب.

 

دلالة الأسماء:

 

وفقت المؤلفة فى إختيار بعض الأسماء داخل القصة لها دلالة، فكلمة "الضحاك" صيغة مبالغة على وزن فعال، وكما تقول القصة، أنه كان كثير الضحك، مبتسما دائما وجميلا، إلى أن إلتقى بهذه الساحرة "مرجانة" التى حولت حياته إلى جحيم وعذاب مقيم.

 

أما "مرجانة" أحد عناصر الشر فى القصة، حيث تذكرنا بمرجانة مساعدة "على بابا" فى قصة "على بابا والأربعين حرامى" التى قامت بصب الزيت المغلى على اللصوص المختبئين فى الخوابى فقتلوا شر قتلة.. ورغم أن "على بابا" يمثل "الخير" فى القصة التراثية المأخوذة من "ألف ليلة وليلة" والتى أعاد كتبها كامل كيلانى، ولكن معالجة القصة ليست تربوية، حيث إن "على بابا" يسرق اللصوص، وتقوم "مرجانة" بصب الزيت المغلى عليهم، ويقتلوا شر قتلة، وكان يجب على "كامل كيلانى" أن يقدم معالجة جديدة للقصة يتم على إثرها تقديم هؤلاء اللصوص إلى الشرطة كى يحاكموا.

 

العجوز الساحرة:

ارتبطت العجوز فى الحكايات الشعبية العربية والعالمية بالشر والسحر والدجل والخداع.

 

ولم توفق المؤلفة بأن وقعت فى غواية الأسماء الفاريسية كما وردت فى الأسطورة الحقيقية، مثل "مرداس" و"إفريدون" وكان يجب عليها أن تبحث عن أسماء جديدة عربية تتناسب وأجواء القصة.

 

زواج البشر من الجان:

 

تزوج "الضحاك" إبن الملك "مرداس" من "مرجانة" إبنة ملك الجن الأسود رغم أنها كشفت له عن حقيقتها، ولم يتراجع بل تمسك بها أكثر، وكأن الأمر عادى وكان يجب على المؤلفة أن تبحث له عن مبرر منطقى لهذه الزيجة، حتى لا يترسخ فى ذهن الطفل أن الزواج من الجان أمر عادى، رغم أن تراثنا الشعبى يحفل بالكثير من الحكايات التى يتزوج فيها الإنسان من الجنيات، وخاصة الحواديت التى كانت تقصها علينا الجدات ونحن صغارا.. أرى هذه الأفكار أصبحت لا تناسب أطقال هذا الزمن الذين يحيون ثورة علمية وتكنولوجية. 

 

التناص الدينى:

 

فى هذه القصة يوجد عدة تناصات بين أحداثها وقصة "سيدنا موسى" عليه السلام إذ تحتفى هذه القصة بالسحر والسحرة، بداية من عنوانها "الملك والساحرة الشريرة"، وعندما نلجأ لمتن القصة نلحظ أن "الضحاك" يتزوج من "مرجانة" إبنة ملك الجن الأسود، والجن معروف بقدرته على السحر، بالإضافة إلى العجوز الساحرة، التى قرأت الطالع وعرفت أن إبن "مرجانه" سوف يقتله شاب اسمه "إفريدون" سوف يولد خلال هذا الأسبوع.. وأن "إفريدون" نفسه تعلم السحر من خاله فى بلاد الهند، ومرجانة" أيضا ساحرة.. إذن السحر فاعل فى هذه القصة ومحركا للأحداث.. وقصة سيدنا موسى تحتفى بالسحر والسحرة.

 

فحينما اشتد صراع "مرجانه" وزوجها "الضحاك" مع "إفريدون" فى البحر رددت "مرجانة" تعويذة سحرية فخرج ثعابين كثيرة، إلا أن "إفريدون" أخرج ثعبانا ضخما إلتهم هذه الثعابين.. وهو ما يتفق وثعبان سيدنا موسى الذى إلتهم ثعابين سحرة فرعون حينما إلتقوا فى يوم الزينة.

 

كما يوجد تناص آخر بين عصا سيدنا موسى، وعصا "مرجانة" وعصا "إفريدون"؛ فحينما رفض "الضحاك" أن يتخلص من والده كما أمرته "مرجانة"، غضبت وضربت الأرض بعصا وطارت فى الجو هى وإبنها وإختفت، أما "إفريدون" فقد ضرب البحر بعصاة فتحولت العصا إلى قارب نجاه.. بينما غرق "الضحاك" وزوجته "مرجانة" فى البحر.

 

مثلما فعل سيدنا موسى حينما كان يطارده فرعون وجنوده، فقد ضرب البحر بعصاته فانشقفعبر هو وأتباعه، وأراد فرعونوجنود فرعون أن يعبروا خلفهم إلا أنهم غرقوا وهلكوا جميعا فى البحر،علاوة على أن البحر فى القصتين هو مسرح الأحداث.

 

وقد نجحت المؤلفة إلى حد كبير فى استخدام هذا التناص الذى أضفى على القصة جمالا.

 

وهناك بعض المآخذ على القصة:

 

فقد ذكرت المؤلفة

 فى ص9:

 

"إلى أن جاءت للمملكة امرأة عجوز، ذات ملابس رثة مهلهلة، واتجهت من فورها إلى قصر الضحاك"

 

وفى ص11، قالت:

 

"وجاءت إلى المملكة نفس العرافة العجوز.. التى زارتهم من قبل فى نفس الملابس الرثة المهلهلة".

 

وفى ص12:

 

"وهنا تعجب الضحاك.. وسأل مرجانة: من هذه العجوز؟، ضحكت الملكة مرجانة قائلة: هذه ميمونة خادمة والدى الخاصة.. وهى أعلم أهل مملكتنا بأمور الغيب والسحر".

 

لم تنبأنا القصة منذ البداية أنها عرافة، بل عرفنا من خلال الأحداث أنها عجوز ساحرة.

 

وفى ص13:

 

"مكثت أم إفريدون عشرين عاما عند أهلها حتى أصبح إفريدون رجلا يافعا.. وكان خاله بارعا فى أمور السحر والفروسية.. فرباه وأحسن تربيته.. حنى أصبح زينة الفرسان وكان كل يوم يمر عليه يجهز نفسه لكى يثأر لقتل أبيه.. وأهل بلدته من الضحاك وزوجته.

 

لم تنبأنا القصة منذ أحداثها الأولى أن "الضحاك" وزوجته "مرجانة" قتلا والده، بل فؤجئنا بهذا الخبر.. وهذا يأخذ على المؤلفة، كما يأخذ عليها أيضا أن القصة ترسخ للثأر، وهى صفة ذميمة، حينما ذكرت القصة "وكان كل يوم يمر عليه يجهز نفسه لكى يثأر لقتل أبيه" وكان يجب على المؤلفة أن تقول مثلا: يعد نفسه ليخلص بلده من الظلم الذى وقع على أبيه وأسرته وأهل بلدته".

 

فى النهاية نحن أمام كاتبة موهوبة لديها خبرة كبيرة فى الكتابة القصصية للأطفال.. فهى تستحق كل تقدير واحترام.